يقول جوته الشاعر الألماني الشهير: إن الفوضي أكثر سوءا من الظلم.. ولاشك إننا نعيش الآن هذه الفوضي بعد أن جربنا سنوات من الظلم وما يشعر به معظمنا الآن من حنين إلي ما خسرناه من نعمة الاستقرار رغم كل الظلم الذي تجرعناه طوال الثلاثين عاما الماضية يجعلنا نتفق مع مقولة جوته الشاعر. لكن علينا ألا ننسي أن منطقتنا العربية الممتدة من المحيط إلي الخليج تتعرض منذ عشرات السنين لمخطط مشبوه يستهدف تقسيم بلدانها إلي دويلات صغيرة علي أسس دينية أو عرقية أو قبلية. ويتردد أن صاحب هذه السياسة الاستعمارية في المنطقة العربية هو السياسي البريطاني الشهير وينستون تشرشل الأب الروحي لاتفاقية «سايكس بيكو» التي قسمت الأمة العربية بين الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي. وما تشهده المنطقة العربية الآن، خاصة بعد انفصال جنوب السودان عن شماله، يفجر مخاوف حقيقية من أن تكون مؤامرة تقسيم العالم العربي قد دخلت بالفعل مرحلة التنفيذ. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو هل استوعبت الشعوب العربية دروس التاريخ وأدركت حجم المخطط الصهيوني الأمريكي لتفتيتها وتمزيقها إلي شظايا يسهل علي الرياح أن تذروها؟ علي العقلاء منا أن ينتبهوا ويعلموا أن الفتنة التي تنتشر بيننا الآن أشد من القتل، فأيادي إسرائيل الخفية تعبث بأمننا وتريد لنا الفرقة والتشتت حتي يسودوا وفق مبدأ.. فرق تسد.. ونحن نقدم لهم بأيدينا السلاح الذي يحاربوننا به بغفلتنا وعدم قدرتنا علي التمييز بين الأخيار والأشرار منا.. انتهوا من السودان وأصبح سودانين وانتهوا من العراق وأصبح سنة وشيعة ودروز و... وانتهوا من لبنان وأصبح دويلات داخل الدولة والآن يأتي الدور علي مصر والطريق إلي ذلك سهل وميسور، فقط بعض الأموال لدعم التظاهرات وتمويل برامج الفضائيات ومساندة المساعي المحمومة في تجهيز المنطقة للحدود الجديدة التي سيراق عليها ومن حولها الدم الطاهر. الكاتب والمحلل السياسي جيفري جولدبرج واحد من أهم مؤيدي إسرائيل وهو من الوجوه البارزة في منتديات رابطة مناهضة التمييز ADL التي تعد أضخم المنظمات اليهودية في الولاياتالمتحدة.. يقول: لقد تطور العمل في مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلي أكثر من شطر، لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، حتي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في هذا البلد (!!) يذكرنا هذا بمقال نشرته صحيفة «جلاسكو هيرالد» الاسكتلندية في 2007 حذر فيه أحد الباحثين المهتمين بشئون الشرق الأوسط مصر والعرب من مؤامرة بعيدة المدي نسجت خيوطها داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ووزارة الدفاع (البنتاجون) تهدف إلي حصار مصر ثم التهامها عسكريًا. وقال إن الولاياتالمتحدة بدأت تنفيذ المخططً منذ ثلاثة أعوام من خلال سعيها لاحتلال إقليم دارفور دوليًا وعسكريًا عبر نشر قوات أمريكية - بريطانية مدعومة بقوات من الأممالمتحدة.. يهدف لتحويل إقليم دارفور إلي قاعدة عسكرية أمريكية تنتشر بها صورايخ بعيدة ومتوسطة المدي موجهة ناحية مصر ودول الشمال الأفريقي ومنطقة الخليج وإيران. وأن الولاياتالمتحدة تهدف من ضغوطها الحالية علي المجتمع الدولي خاصة الدول الحليفة لها مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تكثيف الضغوط علي الحكومة السودانية لنشر قوات دولية بالإقليم واتخاذها قاعدة عسكرية. ويهدف المخطط الأمريكي أيضا عبر إثارة الفوضي في مناطق الحكم الذاتي في فلسطين والضغط علي محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، حتي يعلن أنه بحاجة لنشر قوات دولية بقطاع غزة الموازي للحدود المصرية بهدف حماية السلطة الشرعية من حركة حماس، بقاعدة عسكرية جديدة لتطويق الدولة المصرية التي يعتبرها الأمريكيون الدولة العربية التي يجب الحذر منها تحسبًا لأي طارئ يحدث في العلاقات المصرية - الأمريكية أو المصرية - الإسرائيلية. وأكد الباحث أن الولاياتالمتحدة قدرت سبعة أعوام لتنفيذ مخططها ينتهي عام2015 ، مشيراً إلي أن واشنطن تسعي منذ فترة إلي افتعال أزمات سياسية ودينية وعرقية داخل مصر بما يؤدي إلي انقسام الشعب المصري ويجعل النظام عرضة لانتقاد المجتمع الدولي وفرض عقوبات عليه ومن ثم التمهيد لاحتلالها عسكريا بعد التدخل في شئونها الداخلية عبر بعض الطوائف أو منظمات المجتمع المدني أو الشخصيات المثيرة للجدل التي تعمل علي تفكيك المجتمع المصري وفق خطة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية (آنذاك) لفرض الديموقراطية علي الطريقة الأمريكية عن طريق الفوضي الخلاقة!! وفي الأسبوع القادم نستكمل الرصد