زمان.. من سنوات ليست بعيدة.. كنا نسمع عن زفة «التجريس» في القري والمدن الصغيرة.. حيث يتم وضع اللص الذي تم ضبطه علي ظهر حمار جالسا بالمقلوب.. ظهره للأمام ووجه للخلف بحيث يواجه الأطفال والكبار الذين يزفونه باللعنات والسخرية.. ويدورون في كل حواري القرية أو شوارع المدينة ليكون «عبرة» لكل من يفكر في السرقة.. مشوار صاخب بالإهانات لا يستطيع بعده هذا اللص أن يرفع رأسه في وجه أحد، وهذا الإذلال هو أقصي عقاب. اليوم.. انقلبت الصورة رأسا علي عقب.. لم يعد التجريس للص.. إنما التجريس لرجل الأمن.. وزيادة في الإهانة والتنكيل يطلبون من رجل الأمن أن يخلع ملابسه كلها ويصورونه عاريا ثم قاموا بتعليق حبل في رقبته وطافوا به شوارع القرية وسط زفة من الأعيرة النارية التي أطلقها اللصوص لترويع كل من يتعرض لهم.. وزيادة في إذلال رجل الأمن هذا قاموا بتصويره علي الهواتف المحمولة لأهالي المنطقة.. حتي يصبح «عبرة» لكل من يفكر في تعقبهم أو محاسبتهم علي جرائمهم في السرقة والقتل وتجارة المخدرات!! منتهي البجاحة.. وسقوط هيبة الشرطة في نظر هؤلاء المجرمين.. ولا أحد يخاف! زمان.. كانت صيحة عسكري الدورية تهز الشوارع.. وانقلب الحال وأصبحت صيحة البلطجة تهز الأبدان.. يا للعار!! الحادثة التي ذكرتها في بداية هذا المقال.. حدثت في منطقة الخصوص بالقليوبية.. ونشرت بعض تفاصيلها في جريدة الأهرام.. بعد أن قامت مباحث القليوبية بإلقاء القبض علي أحد المتهمين ثم تمكن رئيس البحث الجنائي بالخصوص من إلقاء القبض علي متهمين آخرين.. وجاري البحث عن المتهم الرابع الهارب!! أما رجل الأمن الضحية.. فهو الشرطي مرزوق أحمد حسن ولا أعرف كيف سيواجه أسرته وزملاءه في العمل وجيرانه بعد هذه المهانة الكبري.. وإهدار كرامته أمام الجميع!! وما حدث في هذه الواقعة يفتح من جديد ملف الشرطة وما جري لها «لقد أصبحت الشرطة خافتة الصوت، باهتة الوجود. وفي المقابل.. قويت أنياب البلطجية وأصبحت مستعدة للتعامل بكل أنواع الأسلحة وأكثرها بطشا. ومازلت عند رأيي الذي كتبته هنا منذ أسبوعين تحت عنوان «بعض الناس لابد من إعدامهم» لأنه لابد من العقاب الصارم لكل من يعبث بأمن المواطن وأمن الوطن.. وليس من العدل أن ننتظر الأسابيع والشهور الطويلة حتي تحين محاكمة المتهمين.. بل لابد من القصاص السريع حتي تهدأ النفوس. فالجريمة واضحة.. والقانون واضح.. فلماذا التأجيل؟ إن التأجيل اغتيال لأحلام الثوار في تطهير المجتمع من كل الفاسدين واللصوص.. فلماذا إذن قامت الثورة؟ ينتابني شعور بالحزن والحسرة علي ما جري للتليفزيون المصري. لقد تحول إلي أرض جرداء بعد أن حل به القحط المادي والقحط المعنوي وتخلي عنه كل نجومه بعد أن أغلق الباب في وجوههم ورفع شعارا صادما إن التليفزيون لن يعمل به إلا أبناؤه فقط ولن يقبل التعامل مع القادمين من خارج المبني وكأن مبني التليفزيون دولة مستقلة لها جنسيتها ولها قانونها الخاص.. ولها جوازات وأبواب للدخول وأبواب للعمل. ونسي الذين أطلقوا هذا الشعار أن أبناء التليفزيون المصري منتشرون في كل التليفزيونات العربية ومنتشرون في كل القنوات الخاصة، بل هم نجومها الذين تعلن عنهم وتفرح بهم وتدللهم إلي أقصي حد! وقد حاول عباقرة التليفزيون المصري أن يصنعوا جيلا جديدا من المذيعين والمعدين ونسوا أن صناعة النجوم قد تصلح في الدراما التليفزيونية.. ولكنها لا تصلح لتوجيه الرأي العام. إن الهدم سهل.. ولكن البناء صعب. المهم أن المستفيد من كل أخطاء التليفزيون.. هي القنوات الجديدة التي انطلقت علي الشاشة وتتسابق في اجتذاب المشاهدين.. يا خيبتنا.