وزارة العمل: 157 فرصة عمل جديدة بمحافظة الجيزة    بعثة طلاب الجامعات المصرية تمثل مصر في البطولة العالمية العاشرة للجامعات بإسبانيا    بعد شكوى أولياء الأمور.. قرار هام من وزير التعليم ضد مدرسة «نيو كابيتال» الخاصة    سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 12-11-2025 في البنوك    7 خدمات تقدمها النيابة العامة عبر تطبيق My Orange    أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    الدكتور محمد بن علي كومان يتقلد وسام الإنتربول من الطبقة الخاصة    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    خبر في الجول – الأهلي يقيد 6 لاعبين شباب في القائمة الإفريقية    موعد مباراة مصر وأوزبكستان.. والقنوات الناقلة    مبابي: سعداء بعودة كانتي للمنتخب.. والعديد من الفرق ترغب في ضم أوباميكانو    موعد نهائي كأس السوبر المصري لكرة اليد بين الأهلي وسموحة بالإمارات    من التوصيل للمواد المخدرة إلى السجن المشدد.. عامل بشبرا الخيمة ينتهي عند القانون    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير»    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    «التأمين الشامل» تشارك بحلقة نقاشية حول التعاون المصري الهندي في الرعاية الصحية    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    أثناء عمله.. مصرع عامل نظافة أسفل عجلات مقطورة بمركز الشهداء بالمنوفية    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    مجموعة ستاندرد بنك تفتتح رسميا مكتبها التمثيلي في مصر    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بنسبة مشاركة تجاوزت 55%    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    غدًا.. عرض فيلم «السلم والثعبان 2» بالسينمات السعودية    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    مارسيليا ولوهافر وبايرن ميونيخ يتابعون مهاجم الأهلي حمزه عبد الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باب رزق
قصة قصيرة
نشر في صباح الخير يوم 17 - 09 - 2025

جذب الدلّايّة الذهبية جذبة عنيفة واحدة، فجرحت السلسلة عنقى، وهوت على الأرض، لم ينحنِ لالتقاطها، وإنما فرّ بخطفته النفيسة، واختفى.
تحسست عنقى، والجرح المؤلم الذى ترك أثرا داميا، التقطت السلسلة التى انفتح قفلها، وعدت إلى البيت.
فى اليوم التالى وجدت مكان الجرح بلحات حمر قانية، تكاد تطيب على فرع السلسلة فتذكرت الدلاية، وكيف كانت شامخة على شكل نحلة، وثمارها من فصوص حمراء صغيرة، قال أبى يوم أهداها لى إنها من عقيق.
وابتسمت أمى: العقيق يفك الضيق لا أعرف فلسفة الأحجار عند أمى، لكننى أذكر ما قال أبى.
- النخلة عمتنا.. كونى مثلها دوما.. إن رماك أحدهم بحجر فلا تلقى إلا بثمرك.
لم أفهم فلسفة أبى وقتها أيضا، لكننى قلت لنفسى: لعله يقصد أن أكون طارحة ومثمرة مثل النخلة.
.. فى الليل وجدت حجرتى ملأى بالبلح الأحمر النابت من جروحى!، الذى تناثر بجانبى، وعلى وسادتى، وفى كل مكان.
قالت نفسى: جرحك قد أثمر، فملأنى العجب.
ظهرت لى فى السَحّر روح أبى كنور ساطع، همس لى بأن اسمها «الكا» كما أخبره جده.
وقال إن «الكا» روح المتوفى التى تدور حول داره بمجرد أن يغادر الدنيا، وأن هذه العقيدة عميقة جدا فى نفوس أهل قريتنا كما كانت عند الأجداد القدماء.
كانت «الكا» ترفرف كحمامة بيضاء حول الدار، وتتجسد أيضا فى هيئة ثمرة صبّار خضراء، رائحتها طازجة، وكنت أقرب البلحات وأشمها فأجد فيها رائحة أبى، لكن ذكرى سرقة ما أهداه لى كانت تؤلمنى.. الدلاية النخلة.. عمتى، فصوصها ثمار من عقيق، تتدلى فروعها إلى جانبيها وتحمل حكمة أبى: أن يطرح الإنسان ثمرا كلما ألقاه أحدهم بحجر!
.. ظلت النخلة تخايلنى فى أحلامى، وصوت «الكا» ينبعث قويا فى الليل، كنت أسمع فيه صوت أبى.
قالت أمى: إن الموتى يردون السلام، وأن ما عليّ إن أردت سماع صوته إلا أن أذهب معها لزيارته فى العيد الكبير، وأن نستأنس بسماع سلامه وصمته.
مشتاقة إليه لكننى أخاف زيارة المقابر، ترتعش يدى وكلما مسست ما يأخذونه معهم من «شريك».
لا أريد أن أتذكر أنهم نزلوا به ثلاث درجات أفضت بهم إلى رمل ناعم، تركوا أبى على سطحه بردائه الأبيض، وقالوا: هنا.. توقفى.. هنا لا يتحمل النساء أكثر من ذلك لا تنزلى إلى المقبرة، لن تقوى على الوقوف على قدميك إن فعلت قلت: معى ما كان يشتهى من طعام، ومن قهوة، معى فرع نعناع، وقميصه الأبيض الجديد، ومسبحته الخضراء التى تضىء فى الليل، وساعته المضبوطة على ساعة الفراق.
.. أخذ أحدهم أشيائى تلك وقال: سنوصلها له.
لم أطمئن إلى كلماته لأنى رأيته يشير إلى رأسه بيديه ويقول لآخر:
- عقلها من الصدمة خف
.. شكوتهما فى الليل إلى «الكا»، أطوف معها وهى تطوف فى البيت.
.. وتصحبنى إلى الحقول المجاورة، وتمضى معى إلى نقطة التقاء النهر بالبحر وتهمس: عند هذا البرزخ.. يوما ما هنا- تلاقينه، فصرت أذهب إلى البرزخ كل يوم، أحمل صنارته وطاقيته التى يحمى بها رأسه من الشمس أغنى له: «يا حمام طير قبله قوام يا حمام
يا حمام خليله الشمس حرير يا حمام»
«آه يا ناس آه يا ناس
مطرح خطاويه ما تروح
اسقوه بحنان.. اسقوه ردوا له الروح»
فينهض ويحمل دلو الماء الصغير الذى كنا نلهو به على الشاطئ، وقد امتلأ لحافته بطعم السمك، وهو يدس الطعم فى الصنارة، ويناولها لى ويقول:
- ألقها فى البحر
فألقيها، تغمز الصنّارة فأنظر إليه فيقول:
أجذبيها قبل أن تأكل الطعم وتختفى، بمجرد أن تنجذب الصنارة اجذبيها فأشدها، وأرى نصيبى من الرزق، السمكة المفضضة وهى تلمع تحت الشمس، تفلفص فى الهواء، وتتحرك بشدة، بحلاوة الروح تريد أن تعود إلى سكنها فى البحر فأخاف أن أمسكها أو أنزعها من الصنارة، قشرها مشوّك، وعيناها تلمعان ببريق غامض، لا أعرف إن كان بريق الخوف أم بريق البحث عن نجاة.
شهقاتها الأخيرة كانت تحزننى، كنت أريد أن أعد لها الطعام الذى تحبه قبل أن تذهب إلى هناك، إلى المكان الذى ينزلونه بثلاث درجات وفوق الرمل الناعم جدا يوسدونها، وبعد أيام تختفى.. تتلاشى، وتحلق روحها فى مكان ما، ربما فوق البحر، فى الموضع نفسه الذى تعلقت فيه بسن صنارتى لكن أبى كان يمد يده ويخلصها برفق من سن الصنّارة، يضعها فى دلو آخر من دلاء المصيف التى كنا نلهو بها على شاطئ البحر، وكنا نعود بالسمكات لأمى فتقبلها، تشطفها ثم تضع عليها الماء وفص مستكة، ثم تتركها لتنضج على النار، وكان شرابها معسولا له رائحة عبقة، وكنت أخاف أن تغير أمى طريقتها فى التعامل مع السمكات، كأن تقوم بشيّها على النار أو تقول لها ما قالته بطلة من ألف ليلة وليلة:
- يا سمك يا سمك، هل أنت على العهد مقيم؟
فتتقلب السمكات على النار، يحترقن ولا نعرف أين ذهبت «الكا»؟
.. الدلاء ما زالت فى بيتنا القديم، لكن الدلاية الذهبية سُرقت إلى الأبد ولا أدرى هل للدلاية «كا»؟
.. الدلاية على شكل نخلة، فهى عمتى، ولها «كا».
وددت لو ألمس روح الأشياء.
.. درت حول بيتنا القديم، تضنينى ذكرى السرقة، أصابع اللص المتسخة.. نظرته الفرحة، واللمعة التى التمتعت فى عينيه، وهو ينظر إلى جروح عنقى.. عاودنى صوت أبى.. وأن عليّ أن أصبح مثل عمتى النخلة مثمرة أبدا حتى ولو ألقانى أحدهم بحجر فهل ينطبق ذلك على معاملة اللصوص أيضا؟!
عذبتنى هواجسى، لكن «الكا» ظلت تحوم حولى، أشم فيها رائحة أبى تقول لى: لم تفقدى أى شيء، بيدك استعادة ذهبك الحقيقى، الدلاية النخلة عمتك.
- كيف؟
- انظرى أمامك إلى مفتاح الحياة الكبير الذى كان أبوك يحرص على مسه قبل أن يخرج فى الصباح ويقول: فيه خير كثير.
فأنهض من حزنى وألمى، وأسير حيث الحائط الكبير، المعلق عليه المفتاح.
- هزيه إليك
فأهزه.. فأجده ينهمر بعشرات من مفاتيح الحياة، تلمع وكلها تشبه النخلات وعلى فروعها حبات البلح الأحمر كالسلاسل الذهبية، أمد يدى فأقطف، ولدهشتى كانت الحبات تتحول إلى عقيق بعد أن ارتوى منها، وآخذ طعمتى.
.. أخذت مفتاحا صغيرا فعلقته فى السلسلة ورفعتها على عنقى فاستدارت النخلة الذهبية من جديد، فروعها دانية، ومثقلة بالبلح الأحمر والعقيق.
قلت: يا عمتى النخلة.. أريد أن أرى أبى ولو لمرة واحدة.
- إنه يتجسّد كل ليلة هناك، عند البرزخ ممسكا بصنارته، ويضع السمكة على السمكة حتى يعود بزاد وافر. أقول: معسولة على يد أمي؟!
- لديها حبات المستكة، وستنبعث فى بيتكم دائما تلك الرائحة الزكية، فهذه المفاتيح يا ابنتى مفاتيح حياة، كان أبوك يمسها فى البكور فيفتح له باب رزق.
.. لم أكن لأصدق أننى يوما سأستعيد الدلاية، حليتى الذهبية، نخلتى التى تمتد فروعها مثقلة بالبلح الأحمر وفصوص العقيق.
وكنت أسمع صوت أبى يهمس عند البرزخ، وحول البيت، وفوق الموج وتحت مياه البحر، وعند طرح النهر: - لديك كنزك، إن رماك أحدهم بحجر فلا تطرحى إلا ثمرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.