فى الإسكندرية عروس البحر المتوسط.. كانت أحداث الثورة لاتقل قوة عما حدث فى السويس أو القاهرة.. ودفع الشباب أرواحهم ودماءهم ثمناً للنصر.. وكانت أميرة عروس الإسكندرية أصغر شهيدة هناك.. هى أحد هذه الدماء الغالية التى روت أرضها.. دخلنا إلى الشارع الذى تقطن به لنسأل عن منزلها.. فإذا بالناس ترد بحزن «بيت أميرة.. الله يرحمها يارب» وآخر يقول «دى كانت ست البنات».. ذهبنا وتحدثنا مع والدتها الحزينة، استقبلتنا والدموع محبوسة بين جفنيها.. وقالت: أميرة كان عندها 17 سنة فى ثانية ثانوى صنايع.. كانت متفوقة دراسيا ورياضيا وكانت حاصلة على العديد من شهادات التقدير.. كانت تبخل على نفسها فى سبيل إسعاد من حولها فعندما كانت تأخذ مصروفها كانت لاتفعل مثلما يفعل باقى الأطفال من ادخاره أو شراء أى شىء تريده.. بل كانت تصرفه كله عند ذهابها إلى دار الأيتام.. وكانت تشترى به ألعاباً للأطفال هناك.. وكانت تحتفل معهم بكل المناسبات وكان كل آمالها أن تصبح مهندسة كبيرة.. لكن انهار حلمها عندما انهار جسدها الضعيف إثر الرصاصة التى اخترقت قلبها الصغير.. لم يبلغونى على الفور، فأنا مريضة قلب ولم يكن قلبى ليحتمل الخبر بل أبلغوا خالها وذهب بها إلى المستشفى ولكن حبيبتى كانت بالفعل فارقت الحياة. وعلمت أنا بالخبر ليلا وأصيب أخوها بصدمة كبيرة فقد كان أخوها الوحيد والصغير 12 سنة وهو الآن مصاب باكتئاب حاد ويرفض الحديث مع أحد ثم تصمت برهة وتكمل: كانت عروساً فقبل وفاتها بأيام تقدم لخطبتها شاب وكانت موافقة عليه وتقول لى إنه شاب ذو أخلاق فهو زارنا وحزن عليها كثيراً رغم معرفته القليلة بها.. كانت أميرة تملأ كل ركن من أركان البيت بهجة وفرحة ولكن الآن.. أصبح صامتاً.. ساكناً كجسدها الراقد تحت التراب وكأنه هو أيضاً حزين على فراقها. فى يوم الجمعة 28 يناير كانت أميرة ذاهبة للمنزل المجاور لنا لتأخذ درساً مع هدى زميلتها.. وكانت الساعة لم تتجاوز الثالثة.. وبدأ الضرب من القسم الساعة الثالثة والربع بعد تجمع بعض الشباب يهتفون «لا للنظام لا لمبارك».. ضرب القناص من أعلى القسم على البيوت ورآها وهى تحاول أن تصور ما يحدث فأطلق الرصاصة التى اخترقت قلب ابنتى حبيبتى فسقطت جثة هامدة.. وهكذا استشهدت الفتاة الجميلة وكل ذنبها محاولة تصوير القناصة وهم يطلقون رصاصهم على الشباب خلال المظاهرة. وفى النهاية تقول والدتها «ذنبهم إيه الأطفال ليدفعوا دماءهم ثمناً لقوة وغدر الكبار»..