قبل أن أحكى عن الارتباط الوثيق بين الثورة على أى طاغية وبين نشر الخوف والرعب وأنه قديم منذ فجر التاريخ!! تأملوا معى هذه الأبيات المعبرة جدا للشاعر الرائع «نزار قبانى» يقول فيها: «حين يصير الناس فى مدينة ضفادعا مفقوئة العيون، فلا يثورون ولا يشكون، ولا يغنون ولا يبكون، ولا يموتون ولا يحيون، تحترق الغابات، والأطفال، والأزهار، تحترق الثمار، ويصبح الإنسان فى موطنه أذل من صرصار». «اذهب إلى فرعون أنه طغى».. عندما صدر هذا الأمر الإلهى لسيدنا «موسى» كان ذلك إيذانا بنهاية فرعون، فلكل طاغية نهاية، ولهذا لم يكن غريبا أن يرى المفكر العظيم «مونتسكيو» أن «موقف الطاغية.. هو موقف ذلك الذى يقطع الشجرة لكى يقطف ثمرة!! ولكن المصريين يتساءلون وهم مندهشون: ما هى العلاقة بين الانعدام الأمنى ونشر الخوف والفزع والرعب فى المجتمع وبين قيام الثورة على أى حاكم مستبد ظالم وطاغية؟!!! المفاجأة!! وهذا هو العجيب أن نشر الخوف والفزع والترويع ليس منهجا جديدا بل هو أسلوب له جذور وحكايات مرعبة على مر التاريخ، فالطاغية.. هو الطاغية فى كل زمان ومكان يتجبر ويتكبر ويسرف فى الظلم بما يملك من سلطة وقوة وعندما يشعر بانتزاع الملك منه فإنه يأمر بنشر الخوف والفزع والترويع والفوضى، وهذه 3 حكايات من التاريخ. الحكاية الأولى.. «الطاغية فرعون» وفرعون لقب كل عات متجبر يتمادى فى طغيانه، وبمجرد أن تنبأ له كهنته بأن «طفل ذكر» سيولد وينتزع منه الملك أى أنها «نبوءة فقط» ولم تصل لدرجة احتجاج أو انتفاضة أو مظاهرة أو ثورة!! نبوءة فقط فماذا فعل فرعون بشعبه؟! بدأ بنشر الخوف والرعب بأن يذبح أبناءهم، ويغتصب نساءهم، ويقتل ويسرق وينهب ويروع حتى لا يجرؤ أى أحد من هؤلاء المستضعفين أن ينتزع السلطان والملك منه، فجاء الأمر الإلهى لنبى الله «موسى» بأن فرعون علا فى الأرض، وأفسد، وطغى، وعذب قومه وأنزل بهم الخسف والهوان شأن كل طاغية، فكانت نهايته الغرق والمهانة والموت. الحكاية الثانية.. يحكى التاريخ أن أى اعتراض كان يقع ضد الملك فى فارس فى العصور القديمة أو حتى عندما يموت المك كان الناس يتركون خمسة أيام بغير قانون أو أمن أو نظام بحيث تعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد وينتشر السلب والنهب والاغتصاب والقتل إلى أقصى مدى، ومن يبقى منهم على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة والخوف والترويع ستكون قد وصلته الرسالة بأن سنين طويلة مع ملك مستبد وظالم وطاغية أفضل وأرحم مليون مرة من يوم واحد يعيش فيه فى خوف وفزع وبذلك يضمن الملك الطاغية الولاء والخضوع والخنوع من الشعب!! الحكاية الثالثة.. عندما فرض «يزيد بن معاوية» هذه التجربة الخبيثة على أهل المدينة عندما تمردوا عليه وخلعوه لأنه كان إماما فاسدا يغتصب النساء ويشرب الخمر ويظلم الناس، ولكى يستعيد حكمه وخلافته أرسل إليهم جيشا كبيرا من العصابات وقطاع الطرق والبلطجية والخارجين على القانون فسرقوا ونهبوا وقتلوا وعذبوا واغتصبوا فى المدينة «ألف عذراء» وارتكبوا مفاسد عظيمة ليس لها وصف ولا حد وليس لها مثيل! أعتقد الآن أن الصورة أصبحت واضحة للإجابة عن سؤال لماذا يلجأ الطغاة إلى هذا الأسلوب على مر التاريخ؟! لأن حياة الفوضى يسيطر عليها الخوف الدائم من خطر الموت العنيف ليظل الطاغية حاكما مستبدا ظالما.