كان صوته يملأه الشجن تمتزج كلماته بكثير من الألم وبعض من الأمل، بينما صورة ابنه تطل علينا من خلال شاشة برنامج صباح دريم. كانت الصورة لشاب وسيم لا يتجاوز عمره السابعة والثلاثين.. وندرك من خلال حوار المذيعة الأستاذة دينا عبدالرحمن مع الأب محمد بكير أن ابنه زياد فنان تشكيلي يعمل مصمم جرافيك بدار الأوبرا يجيد خمس لغات.. وذو ثقافة موسوعية خلوق بشهادة زملائه وأسرته.. وهو زوج وأب لثلاثة أطفال وهو مختف منذ يوم 28 يناير «يوم جمعة الغضب» حيث نزل الشاب الذي لم يمارس السياسة يوماً.. ولم يكن محتاجا لوظيفة أو دخل إضافي لكنه فقط كان يحلم بغد أفضل لوطنه.. وبمستقبل أجمل لأولاده بالكرامة.. والعدالة والحرية والديمقراطية لأهله وناسه لذا شارك لأول وآخر مرة في مظاهرات جمعة الغضب ولم يعد منذ ذلك التاريخ. كان الأب يناشد السيد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة راجيا منه أن يساعده في التوصل لمكان ابنه قائلا له: «ابنك زياد يا سيادة المشير الذي تشرفنا بحضورك حفل قرانه منذ 12 سنة مفقود ولا نعرف له مكانا ورغم أنني أعلم مسئوليتك لكنني أرجو بصفتي ضابط سابق بالقوات المسلحة وشاركت في حرب أكتوبر أن تساعدني في معرفة مصيره». كانت هذه المكالمة قد أذيعت الأسبوع الماضي وهزت مشاعر كثيرين الذين دعوا من قلوبهم لأسرة زياد بأن يدلهم الله عليه وأن يكون بخير ويعود بالسلامة لأسرته.. حتي فوجئنا مع بداية الأسبوع يوم السبت بمكالمة أخري من الأستاذ محمد بكير ولكن هذه المرة بكلمات تقطر حزنا بها من التوجس أكثر مما بها من الأمل الذي تراجع هذه المرة بشدة لنعرف من الأب والأستاذة دينا عبدالرحمن سر اختفاء أخبار زياد حيث توقف البرنامج عن بث أي أخبار عنه استجابة لرجاء أسرته التي تلقت تهديدات من جهات وأشخاص مجهولي الهوية أكدوا لهم أنهم لن يروا زياد أبدا الذي هو علي قيد الحياة إذا استمروا في نشر صورته والحديث عنه في وسائل الإعلام. واحتراما لمناشدة الأسرة توقفت الأستاذة دينا عن التواصل إعلاميا مع الأسرة إلي أن تلقت الأسرة خبرا من أسرة مفقود آخر عن عثورهم علي ابنهم في مشرحة زينهم ولأن هناك جثثا أخري لم يستدل علي هويتهم موجودة بالمشرحة. وعلي الرغم من أن الأب أكد أنهم ذهبوا إلي مشرحة زينهم عدة مرات وكذلك جميع المستشفيات وبحثوا فيها ولم يستدلوا فيها جميعا علي زياد خلال 43 يوما كاملا إلا أنهم ذهبوا إلي مشرحة زينهم وهناك وجدوا جثة شك أخو زياد أنها تكون له بنسبة 70%. وقال الأب بصوت مكلوم.. إنه يشرفني أن يكون ابني شهيدا لكنني رغم ذلك فأنا ووالدته وإخوته وأولاده وزوجته وأهله وزملاؤه نتمسك بأهداب ال30% من الأمل أن يكون زياد علي قيد الحياة لذا سنقوم بإجراء التحاليل التي ستفصل في هل هذه الجثة لزيادة أم لا. إلي أن جاء يوم الأحد.. ونعت لنا دينا عبدالرحمن من بين دموعها زياد حيث أكدت للأسف أن التحاليل أثبتت أن هذه الجثة هي لزياد محمد بكير وبكينا معها بكاء مرا ليس علي زياد فقط ولكن علي كل الشهداء الذي اغتالتهم يد آثمة وأهدرت دم شباب زي الورد، خرج أعزل في مظاهرات سلمية تنادي بالحرية والعدالة والديمقراطية فتعاملوا معه بكل وحشية. ثم تعاملوا مع أسرهم بكل قسوة تلاعبوا بنفسيتهم وأعصابهم علي مدي 43 يوما وتأرجحت مشاعرهم فيها ما بين الحلم بعودتهم. والحزن من المجهول الذي ينتظرونه، فمن هؤلاء القتلة.. ومن هؤلاء الأوغاد الذين قتلوا الشهيد مرة.. وقتلوا أهله آلاف المرات علي مدي 43 يوما. عندما ذهبت للجنازة التي شيعت من مسجد عمر مكرم بعد صلاة عصر يوم الأحد 13 مارس لم أكن أعرف أحدا من أسرته حتي أعزيهم لكن الجميع كان يعزي بعضه البعض ويبكون بحرقة وهم يرفعون صورته. الجميع كان يطالب بالقصاص العادل من القتلة ويطالبون بمعرفة الحقيقة. حاولت الوصول لوالدته أنا وآخريات لا أعرفهن جميعا حرصاِ علي تعزية والدته. إحداهن قالت لي: أنا حاسة بيها ما أنا عندي اللي زيه وباموت لما باحس أنه بيشتكي من أي تعب فما بالك هي.. ربنا يصبرها. آخريات وآخرون حرصوا علي مطالبة دينا عبدالرحمن التي انخرطت في البكاء هي والأستاذة فريدة الشوباشي بأن يواصلوا حملتهم للوصول إلي الجناة. قالت لها أحدهن: والله أحنا بكينا مع أسرة الرئيس عندما فقد حفيده.. وارتديت ملابس الحداد ثلاثة أيام احتراما لحزنهم. فمن يحترم حزن هؤلاء الناس المكلومين في زهرة شبابهم ومن يأخذ بثأر هؤلاء الأبناء من المجرمين والقتلة مددت يدي لأم زياد.. كانت تنظر إلينا بعيون شاردة ودموع متحجرة. قلت لها ربنا يصبرك.. زياد فاز بالشهادة والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. أما القتلة فلن يغفر لهم الله أفعالهم.. وكذلك لن يغفر لهم الوطن ولا التاريخ.