بين ثلاثة رجال في الخمسين كانت هي بينهم في مكان عملها مهندسة في شركة مقاولات فتاة في السادسة والعشرين من عمرها رائعة الجمال عقلها يسبق سنها بسنوات متقدة الذكاء والروح. تم نقلها لإدارة جديدة ومنذ اللحظات الأولي غزت عقول كل من حولها في المكتب. فشلت في إيجاد صيغة حوار بينها وبين من هم في سنها ودون أن تقصد كان الكلام يدور مع من أكبر منها سنا. الثلاثة يتعلقون بها يرونها امرأة الأحلام ... المرأة التي تحرك أمنية آلة الزمن ... تسمع لهم وتسهر تفكر في مشاكلهم .. رجاحة عقلها فرضت نفسها علي لقائهم ويوما بعد يوم كانت تزداد تعلقا بهم تحتاج حكمتهم وسنوات عمرهم واهتمامهم بها ويحتاجون هم إلي الجمال والصبا فتظل هي الحلم الجميل التفاحة النضرة قطعة السكر التي يحلي بها فنجان قهوة الصباح. لا يبدأ اليوم بدونها ولا ينتهي الليل حتي يطمئن كل رجل نفسه بأنه سيجدها في الصباح. في سن الخمسين تنكسر القوة ويبقي الفكر فيعطي الرجل فرصة لذهنه كي يفكر وتتحول القسوة التي كانت تنبع من زهوة بنفسه إلي هدوء بعد أن يكون خرج من عباءة رجولته الجسدية .. هي تؤمن بذلك بعد سلسلة من التجارب الشخصية التي مرت بها فكانت ضحية لعنفوان الشباب وغروره. كل من ارتبط بها كان يأخذ ولا يعطي فلم يسمعها أحد فاعتادت علي الصمت. ولكنها وجدت نفسها من جديد مع هؤلاء الرجال علاقتها معهم علاقة خاصة .. تقتل فيها صمتها. لم يكن جمالها السهم الوحيد الذي نفذ إلي قلوبهم ولم تكن الرغبة المحرمة ما يحرك كل القلوب من حولها بل كانت هي. المرأة التي لم يشعر بها من في سنها وتعاملوا معها بسطحية لكسر كبريائها فدفعت ثمن رجاحة عقلها من سعادتها. ولكنها وسط هؤلاء الرجال تسعد.. نفسيتها تتغير وتغير من نفسيتهم. الشهور الأولي بدأت سعيدة تعتاد عليهم يوما بعد يوم. محيي... كاتم الأسرار تفضي إليه بما يجول بخاطرها تستشيره ويستشيرها مشاكلها ومشاكله همسات بينهما طوال اليوم. فتحي .. ابتسامة أول الصباح لا تبدأ صباحها دون أن تشرب معه القهوة وتسمع منه أول نكتة ... عفويته اخترقت حياتها وعشقت طيبة قلبه ففتحي إنسان حقيقي يضحك ويبكي من قلبه. كارم.. أكبرهم سنا لا تتحرك خطوة واحدة دون عقله وحكمته تسمع كلامه وتصغي لنصائحه بدون أن تشعر أنها تصغي يشاركها القرار فلطالما كانت تحتاج لعقل بجانب عقلها. الثلاثة يخترقون حياتها هي تسمح لهم بذلك تذوب معهم تلحظ غيرة كل واحد منهم من الآخر وهي سعيدة فهي غيرة من وجد بعد سنوات من الحزن ابتسامة وفقدانها يعني نهاية الكون بالنسبة له. هي أيضا تشعر بالغيرة عليهم جميعا فلا تستطيع أن تخفي نظرتها الغاضبة لأي منهما إذا أطال النظر لامرأة أو إذا تحدث مع عميلة أكثر من المفروض أنه نفس الشعور.. الخوف من فقدان الأمان بعد سنوات من الخوف. توفي والد زميله لهم في العمل فذهبوا للعزاء وكانت هي المرة الأولي لهم جميعا ليلتقوا بها خارج مكان العمل. دارت بينهم أحاديث متفرقة كان كل منهم يحاول اجتذابها في حديث خاص به لا أحد منهم يتوقف عن الحديث معها وهي لا تستطيع الرد علي الثلاثة معا. وأمام مدخل الجامع تفرقوا فذهبت هي لعزاء السيدات وذهبوا هم لعزاء الرجال. جلس محيي علي أول مقعد قابله يفكر فيها .. المرأة التي غيرت حياته بأكملها فسحرته منذ أول يوم رآها فيه شرد ذهنه في جمال عينيها إنها بلون البحر .. خصلات شعرها المتهدل علي جبينها وتلك الخصلة التي كلما تحدثت سقطت علي عينيها فأزاحتها بأصابعها الرقيقة إيماءتها وهي تستمع له.. لأول مرة يشعر أنه يحتاج لامرأة تسمعه كان يتخيل أن الرجال هم من يسمعون فقط .. في أحيان كثيرة كان يتصل بها ليلا ليخبرها بأشياء صغيرة لأنه لا يقوي الانتظار حتي الصباح .. ما أجمل أن يكون لديك إنسان يستمع إليك هي أيضا صارحته بذلك قالت له إنه كسر صمتها أخرج المرأة الثرثارة من داخلها... آية في الجمال والرقة وهي تحكي تتكلم بعينيها بشفتيها بجسدها كله. رشف رشفة من فنجان القهوة الذي وضع أمامه والتفت إلي فتحي هو أيضا شارد الذهن يفكر فيها فلسنوات طويلة خاصمته الضحكة علي الرغم من أنه معروف بين أصدقائه بدمه الخفيف وحبه للنكات إلا أنه أدرك بعد أن عرفها أنه كان يتحدث طوال سنوات عمره من وراء قلبه.. معها فقط عرف كيف يتحدث الرجل من داخل قلبه وتساءل كيف احتلت قلبه وفكره بعفوية وتلقائية كيف لا يفارق وجهها مخيلته كيف تتواجد جانبه طوال الليل فلا يشعر بزوجته ولا يشعر بأي شيء إلا بها.... بل إن الساعات التي يقضيها في المنزل تمر ثقيلة بطيئة لا يهونها إلا طمأنته لنفسه بأنه سيراها غدا لم يعد يكتفي بالساعات التي تمر خاطفة وهي بجانبه إنه يريدها ما تبقي من العمر. الشيخ ينهي تلاوة الربع الأول من القرآن والحركة في قاعة المسجد تزداد، البعض ينصرف والبعض الآخر يأتي مقدما واجب العزاء كارم اتصل بها فأخبرته بالانتظار لربع آخر. أغلق الهاتف معها وصوتها لا يزال يتردد في أذنيه أنه يعشقها لم يرهق ذهنه لتصنيف عشقه بها فهي في حاجة إليه وهو في أمس الحاجة لحنانها، فبعد هجرة ابنه الوحيد لأمريكا فقد إحساسه بالعطاء وظهرت هي في الوقت المناسب لتأخذ دون حساب وليعطيها من سنوات خبرته ويكون لها «ضهر» في الدنيا .. في وحدته لا يسأل عنه أحد غيرها توقظه في الصباح وتطمئن عليه قبل أن ينام إذا شرد ذهنه أثناء اليوم تكون أول من يقترب منه وبهمسها الرقيق تنتزعه من براثن أفكاره يشعر بالغيرة إذا تحدث معها زميل شاب لهم في العمل لا يعرف إذا كانت غيرة رجولية أم خوفا عليها من أن يلعب الشاب بعواطفها مشاعر مختلطة، لكنه لا يرهق نفسه في التفكير هو يعشقها يريد امتلاكها يخاف عليها من كل شيء وأي شيء يعتصر خبرته وسنوات عمره ويقدمها إليها. الشيخ انتهي من الربع الثاني .. خرجوا من قاعة المسجد وأمام رصيف معزي السيدات اصطفوا معا في انتظارها وكل منهم قد قرر الاعتراف بعشقه لها. خرجت كي يركبوا التاكسي ويغادرون استوقفتها نظرات عيونهم فهي تلمح في عين كل واحد منهم حبا حقيقيا ولكنها لم تتحدث مع نفسها قبل ذلك لتعرف ماذا تريد منهم أنها تحبهم جميعا لأنهم يشبعون احتياجاتها والتي اعتقدت في يوم من الأيام أنها أصبحت امرأة بلا احتياجات معهم تتكلم وتضحك وتحملهم مشاكلها .. لكنها تخشي علي علاقتها معهم أن يعكرها شيء فهي أكبر بكثير من حب رجل لامرأة إنها لم تشعر بنبض قلبها إلا معهم. نظرت إليهم في استجداء كي لا يتكلموا دعت من قلبها وتمنت أن يتوقف الوقت لا تريد أن تسمع يكفي أنها تشعر. لم يتكلموا استجابوا لنظرة الاستجداء في عينيها خافوا علي قطعة السكر أن تذوب فتعود مرارة الحياة.