الكلام عن الإفراج عن بعض المحبوسين فى قضايا أو على ذمة قضايا فيه كلام. أول الكلام أن الإفراج لا يعنى أن الجرائم لم تقع.. ولا يعنى أنهم ليسوا مدانين. الكلام عن الإفراج عن المحبوسين لابد أن يبدأ توصيفه على أنه حسن نية من الدولة.. وإثبات أن الدولة المصرية ليست فى خصومة مع أبنائها. الكلام لابد أن يبدأ من القانون.. وينتهى إلى القانون.
صفحة جديدة مع مئات الشباب
(1) على مواقع التواصل بعضهم يسميهم محبوسين فى «قضايا رأى»، وهذا الكلام ليس صحيحًا. فارق كبير بين «الرأى» وبين «الهرى» ومحاولة تقليب الرأى العام بأخبار مزيفة، وشائعات، وكلام غير سليم ولا صحيح. فارق كبير بين «الرأى».. و«قلة الحياء».. وقلة «الاستعناء»، وقلة «الأدب». فارق كبير بين الشغب وبين محاولة إحداث الفوضى بأكثر من طريقة وأكثر من أسلوب وبين تداول وجهات النظر على اختلافها. لا ننكر أن بعضهم تجاوز ولا ننكر أن آخرين تخطوا كل معاملات لياقة التعامل. بعضهم تجاوز.. وتجاوز.. وتمادى.. وشدد على التجاوز اعتقادًا فى أن حرية التعبير تشمل مد الأيدى على المبانى والمؤسسات، والطعن فى الذمم ومحاولة تشويه الرموز. الإفراج عن المحبوسين على هامش الحوار الوطني لابد أن يوصف كما هو، ولابد أن يوضع فى خانة التفسيرات السليمة. الإفراج على أساس العفو الرئاسي، مرة أخرى، لا ينفي وقوع الجرائم، ولا يحول إدانات بعضهم بأحكام قضائية إلى أمر كأنه لم يحدث، ووقائع كأنها لم تجر على الأرض. يمنح القانون رئيس الجمهورية الحق فى إصدار عفوه الخاص لأسباب تقتضى أن تظل الأحكام القضائية نافذة فى حق المفرج عنهم بعد الإفراج. تظل الجرائم المتهم فيها آخرون «معلقة» لكنها لا تميل للبراءة بمجرد صدور قرار رئيس الجمهورية بالعفو. إن جيت للحق، قطاعات كبيرة من المصريين لا تريد أن تسامح بعض هؤلاء الذين خرجوا على الأسفلت بعد فترة عقوبة، أو فترات حبس احتياطى، تحت سلطة القضاء، وبأمر القضاء فى تهم تراوحت بين تعمد الشائعات، ومحاولات الإثارة.. وأساليب إشاعة البلبلة والتأثير بالسلب على الرأى العام بمعلومات مغلوطة أو بالتدقيق. دعنا لا نقول إن الشائعات كانت موجهة، وإن المعلومات المغلوطة لم تكن ضمن خطط استهداف معروف أولها من آخرها. دعنا لا نتكلم عن ماض.. دعنا نستشرف للأمام، لكن دعنا أيضا نقيم المعادلات من جديد، فى صفحات جديدة.. ونقطة ومن أول السطر على أسس. (2) لا تقام الدول ولا تستقيم بلا هيبة أو سلطان. سلطان الدولة فى فرض هيبتها بالقانون، فى التعريف للقاعدة القانونية أنها «آمرة تلزم جبرًا عند المقتضى». المعنى أن سلطة القانون مصحوبة فى أحوال كثيرة بالجبر. لاتتناقض سلطة القانون مع الحريات، ولا تتنافس هيبة الدولة وسطوتها مع الآراء الفردية للأشخاص. لكن الأزمة فى أن تتعارض أفكار بعضهم مع مفهوم هيبة الدولة وسلطانها وأمنها القومى وحقها فى حماية نفسها من إرهاب أصحاب الذقون، أو من تخرصات أصحاب الشعور الطويلة والبنطلونات قصيرة الوسط ومن عند الأرجل. الإخوان خطرون وقذرون ومدمنون أقنعة وتجار أوطان.. هذا لا شك فيه، لكن مالا شك فيه أيضًا أننا شهدنا فصائل أخرى ممن خدعتهم الشعارات، إن لم تكن قد وجهتهم الصفقات، خرجوا مع الإخوان، أو دخلوا فى شوارع أخرى غير التي دخلها الإخوان، فهدموا باسم الحرية، وحاولوا الدس باسم الديمقراطية، وحرضوا على مؤسسات الدولة ورجال الدولة وجيش الدولة باسم وجهات النظر وحرية الرأى!! بعضهم كان شرسًا فى الهدم، وبعضهم كان شديد الشراسة فى إشعال الحرائق. بعضهم لبس أقنعة، والبعض الآخر قاد من ارتدى الأقنعة بلا وعى منه ممكن.. أو بوعى منه وتعمد.. جائز. أثار بعضهم حرائق الكلام، وحرائق الكلام المسموم أشد تدميرًا من بعض حرائق النيران وكثافة دخانها.. بعض الكلام الموجه من أفواه الثعابين يخنق.. وبعضه يميت فى اللحظة والتو. بعض هؤلاء تعمد القتل بالكلام المزوق تارة، وبالكلام المزيف تارة أخرى. بعضهم تجاوز فى حق الدولة والناس.. وبعضهم تعمد الإضرار من باب الحرية إياها، أو من باب «نضال وهمى» سمم «رموز يناير» به الأذهان وأصابوا به السرائر فى مقتل.. فتهددت دولة كانت مهد الحضارة، لأنهم حاولوا الوصول بها إلى الحافة. عفو رئيس الجمهورية دلالة على أن الدولة ليست فى خصومة مع أبنائها، ولا هى ضد الرأى والرأى الآخر. لكن لا ننكر أن «اضطراب مفهوم الرأى» ومعناه كاد فى فترة ما أن يصل بنا إلى الطريق لستين داهية. فى فترة ربنا ما يعودها، تحول معنى الرأى لدى بعضهم مرادفًا للفوضى، ولدى آخرين كانت الحرية طريقًا للهدم وإشعال الحرائق بحجة إعادة البناء!! مرة ثانية استخدم رئيس الجمهورية سلطته الدستورية فى العفو عن مدانين بأحكام قضائية، أو محبوسين على ذمة قضايا تباشرها النيابة العامة. لا فى الحبس مظاليم، ولا فى السجون من دخلوها تعسفًا واقتدارا. تؤسس الدول على سلطات لها اختصاصاتها فيما يضمن سلامة المجتمع. تباشر السلطة القضائية اختصاصاتها وفقًا للقانون.. تعمد التخريب أو تداول معلومات كاذبة مع أنشطة أخرى من النوع إياه له فى مواد القانون عقوبات سارية. حتى مواد الحبس الاحتياطى موجودة فى نصوص قوانين الدول الكبرى من أول فرنسا حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية. لا يمارس الحبس الاحتياطى فى بلادنا إلا السلطة القضائية. شرع القانون الحبس الاحتياطى إذا مالت سلطة التحقيق إلى إدانة المتهم قبل محاكمته لإصدار الحكم النهائى. أوعى تصدق ما يتداوله بعضهم عن «حبس احتياطى» تقدره سلطة «تنفيذية». هذا كلام «سوشيال ميديا» وتهويمات مواقع تواصل.. وكلام مواقع التواصل أصبح أزمة وفاحشة وساء سبيلًا. مرة أخرى.. هذه دولة ليست فى خصومة مع أبنائها.. لكن للإنصاف الدور والباقى على بعضهم ممن تصور أن حرية الرأى والتعبير هى التي لابد أن تضعه فى خصومة مع الدولة. طيب ده كلام؟!