يقال إن قيمة المرء تعرف بأثره فيما ترك، والفنانة سهير البابلى التى وافتها المنية قبل أيام، تركت أثرًا كبيرًا فى الفن المصرى، خاصة أنها عشقت التمثيل منذ طفولتها، وآمن بها والدها الذى شجعها على تنمية موهبتها رغم رفض أمها لذلك، إلى أن بدأت وهى صبية فى تقليد الممثلين وانتهى بها الأمر بالوقوف أمام الآلاف على خشبة المسرح، وملايين الجماهير أمام شاشات التليفزيون لمشاهدة أفلامها ومسرحياتها ومسلسلاتها. الجانب الأكثر إشراقًا فى مسيرة سهير البابلى الفنية هو ما قدمته من أعمال مسرحية متنوعة، صحيح أنها اشتهرت فى الأعمال الكوميدية، وعرفها الجمهور من خلالها، لكن هذا لا ينفى إبداعها فى المسرح التراجيدى، حيث قدمت عشرات المسرحيات من الأدب العالمى باللغة العربية الفصحى، وتعاونت فى بداياتها مع كبار الكتاب والمخرجين والفنانين المسرحيين، مثل: حمدى غيث وأمينة رزق وسميحة أيوب وملك الجمل وسناء جميل وعبدالرحيم الزرقانى وغيرهم الكثير، لكن الجانب السلبى فى القصة أن هذا هو ما كان يضعف فرصتها وقتها فى الحصول على دور البطولة، نظرًا لوجود هؤلاء «الكبار» إلى جوارها، بحسب رواية المخرج جلال الشرقاوى فى برنامج «صاحبة السعادة». محطات تعد مسرحية «مدرسة المشاغبين» من أبرز المحطات المسرحية ليس فى مسيرة سهير البابلى وحدها، بل فى مسيرة كل الفنانين الذين شاركوا فيها، حيث حولتهم لنجوم كبار لاحقًا، مثل: عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكى ويونس شلبى. قدمت سهير خلال المسرحية دور «أبلة عفت»، وذلك بترشيح من المخرج جلال الشرقاوى، بعد أن كانت ستؤدى الدور ميرفت أمين وقت أن كان سيخرج العمل سمير العصفورى، وصفاء أبو السعود وقت أن كان سيخرج العمل سعد أردش. لم يكن الدور سهلاً فى كل الأحوال فهى تؤدى شخصية جادة وملتزمة، وبالتالى كان عليها أن تتمالك نفسها أمام «الإيفيهات» ومشاهد الكوميديا المتتالية، لذلك كانت على خلاف دائم مع عادل إمام وسعيد صالح، بسبب كثرة ارتجالهما، مما اضطرها إلى إلقاء إيفيهات مثلهما أيضًا، لكن بمنتهى الرزانة والجدية حتى تتناسب مع طبيعة الدور، مثل جملتها الشهيرة للفنان سعيد صالح الذى يمثل دور الطالب مرسى «هقطعهولك من لغاليغو»، مهددة الولد الشقى بسبب شغبه فى الفصل قائلة: «جاوب بلسانك.. مقطوع؟ ولا أجى أقطعهولك من لغاليغو؟»، ليرد عليها عادل إمام مندهشًا: «أنتِ جبتى لغاليغو دى منين»؟! أما المفاجأة التى كشفها الفنان سعيد صالح لاحقًا، أن الحوار الذى دار بينهما فى هذا المشهد كان ارتجاليًا وغير موجود فى النص، ليصبح اللفظ الذى خرجت به سهير من أشهر «الإيفيهات» المسرحية إلى وقتنا هذا. الأهم من ذلك، أن كل أبطال المسرحية لم يروا أفضل من سهير البابلى فى هذا الدور، وهو ما أشاد به عادل إمام فى أحد حواراته، قائلًا: «لو ممثلة تانية غير سهير البابلى الرواية دى متنفعش، سهير البابلى بالذات.. مفيش شخصية تعمل مدرّسة بقيمة سهير البابلى».
حكايات مع مدبولى وشادية
ورود مسرحية رغم تألق الفنانة الكبيرة شادية والفنان عبدالمنعم مدبولى فى مسرحية «ريا وسكينة»، فإن سهير البابلى لم تقل عنهما فى براعة الأداء المسرحى، وقدمت شخصية سكينة بخفة ظل متناهية خاصة مشاهدها مع الفنان أحمد بدير «عبدالعال» مثل مشهد الأكل الشهير، لدرجة أنها أثناء دخولها إلى المسرح فى أحد المشاهد، نسمع صوت أحد المتفرجين يقول: «عظَمة على عظَمة على عظَمة»، وفى مشهد تحيتها للجمهور فى نهاية المسرحية ألقوا عليها الورود وسط تصفيقهم الحاد والمتواصل لدقائق. إشادات تعرف المخرج جلال الشرقاوى على سهير البابلى من خلال متابعته لها فى المسرح القومى، وكان حينها يعمل فى مسرح «الحكيم»، وأراد ضمها فى عرض أخرجه باسم «آه يا ليل يا قمر»، وكان ذلك أول تعاون بينهما، ثم شاركت بعدها فى العديد من الأعمال المسرحية التى تولى إخراجها. روى جلال الشرقاوى أنه خلال عمل «سهير» فى مسرحية «ع الرصيف» كانت تعانى من أزمة صحية، ووصلت درجة حرارة جسدها إلى ما يقرب من 40 درجة، وكانت لا تقوى على الحركة، لكنها رفضت أمره بإلغاء حجز التذاكر للعرض، وطالبت من حولها بمساعدتها للوصول إلى خشبة المسرح، وما إن دخلت حتى تبدلت حالتها وأجادت تقديم الدور كالعادة، وسط إشادات كبيرة من الجمهور. آخر مسرحياتها التى قدمتها عام 1992، وهى من المسرحيات السياسية، حيث قدمت دور عطية بائعة الصحف فى «كشك» بالشارع، وقد اعتزلت «سهير» أثناء هذه المسرحية وارتدت الحجاب، وحاول مخرجها جلال الشرقاوى إثناءها عن هذا القرار وإكمال المسرحية إلا أنها رفضت، فاضطر إلى استبدالها بابنته عبير، ولكنها لم تنجح فى تقديم الدور مثل سهير البابلى.