أن تكون فنانًا موهوبًا فهذا يعنى أنك مبدع، أمّا أن تكون محبوبًا فأنت بلا شك على درجة عالية من الأخلاق.. الفنان أحمد خليل جمع بين الاثنين فترك أثرًا كبيرًا فى قلوب الجميع بعد رحيله؛ حيث وافته المنية صباح الثلاثاء، 9 نوفمبر الجارى، عن عمر ناهز 80 عامًا، متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، وكذلك بسبب رفرفة أذينية، بحسب ما كشفت الفنانة نهال عنبر فى إحدى مداخلاتها التليفزيونية. تعجَّبَ الجميع من حالة الحزن التى عَمّت بسبب وفاته؛ بل ربما لم يدرك أحمد خليل نفسه هذا الكم الهائل من المَحبة الكبيرة فى حياته، فالجمهور والمشاهير والزملاء والنقاد بكوا صفاته الطيبة ودماثة خُلقه وحُسن تعامله مع الجميع، لدرجة أنه تم الكشف عن مواقف من الخير والعطاء لم يخبر بها أحدًا من زملائه فى الوسط، أو يتحدث عنها فى الإعلام، مثل تكفله بأحد الطلاب الأيتام ومعاملته له كأحد أولاده، ورغبته فى أن تظل تلك الأعمال سرًا ولا يعلمها أحد حتى يلقى الله، لذلك كان لا يستخدم اسمه الفنى خلال التكفل بالحالات، حتى لا يتعرّف عليه أحد. هذا بالإضافة إلى سؤاله الدائم عن زملائه، حتى فى مرضه الشديد فى الأيام الأخيرة، مثلما فعل مع الفنانة نهال عنبر وهاتفها للاطمئنان على صحتها قبل وفاته بيوم، رغم أن صوته لم يكد يخرج بسبب تأثره بالإصابة بفيروس كورونا. رحل أحمد خليل تاركًا خلفه مسيرة فنية مشرفة، فقد تخرّج فى المعهد العالى للسينما وأكاديمية الفنون عام 1965، وكان الأول على دفعته، ليكرمه الرئيس جمال عبدالناصر فى عيد العلم، ثم قابل الفنان كرم مطاوع الذى كان يؤسّس وقتها ل«مسرح الجيب»، فانضم إليه، وقدّم 9 مسرحيات فى عامين، لتتوالى مسيرته الفنية، التى قدّم خلالها ما يزيد على 250 عملاً فنيًا بين سينما ومسرح وتليفزيون، أبرزها «هوانم جاردن سيتى»، و«حديث الصباح والمساء»، و«رد قلبى»، و«ليلة سقوط غرناطة»، و«الفرسان»، و«عنترة»، و«سليمان الحلبى»، و«ناصر 56»، و«المومياء» و«ضد الحكومة»… إلخ. على مدار أكثر من نصف قرن، ورُغم تقديمه مئات الأعمال، لم يقدم أحمد خليل فى مسيرته الفنية ما يخجل منه، أو يسبب حرجًا لأولاده، أو يؤثر فى مدى احترام الجمهور له، بحسب ما اعترف فى لقاء سابق، ويبدو أن إصراره على هذا الأمر منذ خطواته الأولى فى التمثيل وحتى رحيله، كان سببًا قويًا فى مَحبة الجمهور له. صحيح أنه اختار لنفسه طريقًا معينًا، بمبادئ معينة، لكنه فى كل الأحوال التزم بها بما لا يضره أو يؤثر على العملية الفنية، وهو ما احترمه الجمهور فيه، لذلك فى أحد لقاءاته الأخيرة قبل الوفاة، أكد أنه راض عن كل ما قدّمه طوال تاريخه.. «كل اللى قدمته راضى عنه.. والعمل اللى ميزودش نجاحى على الأقل مش هيضرنى، لأنى مبعملش حاجة تخالف قيمى ومبادئى».
غاب عن مصر 12 عاماً ثم عاد وواصل مسيرته الفنية
أحد أهم أسباب مَحبة أحمد خليل، رُقيّه فى التعامل مع الآخرين وبُعده عن صغائر الأمور، أو ضغائن العمل مع الزملاء، بل أجمع كثير من الفنانين بأنه كان «برنس» فى تعاملاته. هكذا وصفوه وهكذا كان بالفعل، بالإضافة إلى حرصه على الأصول الريفية الطيبة، فقد وُلد فى مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، وتأثر بطباع أهل الريف من الالتزام بالعادات والتقاليد. لكن هذه الأصول الريفية لم تكن لصالحه طوال الوقت، بل ربما أخرته عن النجومية قليلا؛ لأنها منعته من بعض الأمور الفنية، التى كان يراها صعبة عليه نفسيًا؛ نظرًا لكونه «رجل فلاح» فى الأصل، لذلك اعتزل الفن لعدة أشهر فى عام 1974، ثم عاد إليه مرة أخرى بعدما حصل على عقد عمل بمؤسّسة الخليج للأعمال الفنية بدبى، وقدم عدة أعمال من تأليف الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن، وحاول وقتها المخرج عادل صادق إغراءه بزيادة الأجر ليعود للعمل فى مصر، ولكنه رفض بشدة، واستمر بالعمل معهم حتى عام 1986، ثم عاد إلى مصر، ولم يفكر فى الاعتزال بعدها على الإطلاق. من المفارقات الطريفة فى حياة أحمد خليل، ما ذكره الناقد الفنى طارق الشناوى عن علاقته بالفنان حسن حسنى، موضحًا أن الأخير أخبره أنه كان خارجًا من الاستوديو فى ماسبيرو فى عام 1999، أثناء تصوير مسلسل (أم كلثوم)، والمعروف أن المخرجة الكبيرة إنعام محمد على تستغرق وقتًا طويلا فى التنفيذ لأنها تهتم بالتفاصيل، ولهذا كثيرًا ما كان «حسن» يعتذر عن الأعمال الفنية الأخرى، وجزء منها يسند إلى أحمد خليل.. خرج «حسن» من باب الاستوديو ووجد أمامه أحمد خليل مبتهجًا خارجًا من الاستوديو المقابل، فقال له حسن: (ما تضحكش قوى راجعلك بعد سنتين تلاتة).. هكذا كان التعامل الطريف بينهما، إلى أن رحلا فى عامين متتاليين. فى الواقع، ورُغم كل ما ذكرناه عنه؛ فإن السبب الحقيقى للمَحبة الطاغية التى عبّر عنها الجمهور بعد وفاته، هو أنه كان صادقًا فى أقواله وأفعاله وأعماله، وطريق الصدق يُبنى بالتراكمات، أى أن أحمد خليل اعتمد على رصيده فى قلوب الجماهير بتراكمات الصدق فى الفن والتعامل، وليس بالأدوار التى تخطف الأنظار أو النجومية البراقة... وهو سبب كافٍ للمَحبة بلا شك.