نتفاخر دائما بمبدعينا وعباقرتنا القدامى، بينما غالبا نتناسى الحاليين، عدا القلة التى تبرز على السطح بالمصادفة، أو بإجادة الدعاية لأنفسهم!.. إلا أن هذا بالتأكيد لا يعبر عن الحجم الحقيقى للمبدعين الذين نجهلهم، بسبب إعلام ومؤسسات ثقافية تتجاهلهم!.. فمصر دوما غنية بمواهب أبنائها وقدراتهم وإبداعاتهم اللامحدودة فى كل المجالات، وإن كان الكثيرون منهم يعانون التهميش، ورغم ذلك قد يبقى الإبداع شاهدا لأصحابه، ويفرض أسماءهم بعد حين!.. إحدى القامات الثقافية والإبداعية التى لم تنل ما تستحقه من شهرة حتى الآن، هى الدكتورة/زينب أبو سنة، والتى صرت من محبيها ومتابيعها، منذ قادتنى الصدفة لقراءة إحدى قصائدها..فاكتشفت حينها أنها ليست شاعرة مبدعة فقط، بل تمتلك مواهب متعددة.. فهى فنانة تشكيلية وروائية وناقدة ومترجمة، بالإضافة لحصولها على الدكتوراة فى الكيمياء العضوية، من الجامعة الملكية للعلوم والتكنولوجيا بلندن عام 1976، والعديد من الدراسات والدبلومات الأخرى فى مجالات مختلفة، كمقارنة الأديان، وجماليات الفن الإسلامى، وعلوم الطاقة الحيوية، والفلك والعلوم الإنسانية.. وقد لُقبت ب(سلطانة العاشقين ودرة المُريدين) عن ديوانها الصوفى(حقيقة الأسماء)..كما لقبها الشاعر السودانى الكبير/محمد الفيتورى عام 2006 (بنت النيل) عن ديوانها(رُباعيات طائر الشوك)..ولدت د/زينب رشاد محمد أبو سنة فى القاهرة فى 10 سبتمبر 1949، ونشأت فى أسرة أرستقراطية.. وقادتها الصدفة لمقابلة شريك عمرها فى بيت الرئيس/السادات، وهو ابن الشاعر والسياسى الكبير/محمد أحمد محجوب(رئيس وزراء السودان الأسبق، وأحد من أسسوا جماعة أبولو الشعرية) فانتقلت للحياة مع زوجها فى بريطانيا، حيث كان والده مقيما هناك، وكانت الملكة قد منحته لقب سير.. ودعتهم لحضور الاحتفال باليوبيل الفضى لتنصيبها ملكة، واستقبلتهم فى القصر ومعهم عروس الابن.. وكان لتلك الأجواء أثر كبير فى اكتمال شخصية المبدعة الكبيرة، والتى لم تكن موهبتها الشعرية قد تفجرت بعد، فقد كانت تحضر الصالون الأدبى الذى يداوم على إقامته والد زوجها، ويحضره أهم الأدباء والشعراء والمثقفين العرب، فكانت تستمع وتتعلم وتتغذى روحيا، حتى أفاض الله عليها بالإلهام الذى دعمته بالدأب فى القراءة والعلم.. وقد صدر لها دواوين عديدة منها: رحلة حب، رباعيات طائر الشوك، حقيقة الأسماء، مملكة الفوات، من دفتر القلب، قطوف من أشعارى.. وصدر لها أيضا ديوان «تناتيش» بالعامية.. و«الحياة للحياة» باللغة الفرنسية، و«الوهج» بالإنجليزية..ونشرت روايات عديدة منها:مملكة الجوارح، مملكة خوزان، الذبح والذبيح، الوقف، والإعجاز، والقدر والعديد من قصص الأطفال.. وترجمت العديد من الأعمال الأدبية لشكسبير وتشارلز ديكنز وأوسكار وايلد.. بالإضافة للمقالات فى العديد من الإصدارات، ومن ضمنها مجموعة مقالات عما أسمته «الإتيكيت المحمدى».. وحرصا على النهوض بالثقافة ودعمها أسست دار نشر «أفاتار» والتى لم تهدف من خلالها التجارة والربح، بل تتبنى من خلالها كل ما تستحسنه من كتابات أدبية تضيف للمكتبة العربية..وهى عضو مؤسس ورئيس جماعة النيل الأدبية.. أما الفنون التشكيلية فقد شاركت فى العديد من المعارض الدولية، ولها مقتنيات عديدة لدى هيئات ومؤسسات عامة.. وتم تكريمها فى العديد من المحافل الأدبية والفنية بكثير من الدول العربية والأوروبية.. هذا إلى جانب عضويتها فى اتحاد كتاب مصر، وشغلها لمنصب نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية فيه، وعضويتها باتحاد الكتاب والمثقفين العرب بباريس..وقد اختيرت سفيرا فوق العادة من منظمة اليونسكو.. ورغم هذا الثراء الذى تتمتع به تلك الشخصية الفريدة والملهمة، إلا أننا لا نجد لها لقاءات أو حوارات كى نعرف تفاصيل نشأتها وخبراتها، ولا يوجد على المواقع الإلكترونية سوى مقتطفات من جلسات شعرية أو ندوات، ولقاء واحد عبر الانترنت مع كاتب عربى فى برنامج باسم «سفراء المعرفة».. والمفارقة أنه فى الوقت الذى تنال فيه الكثير من المقاطع التافهة ملايين المشاهدات، تقتصر مشاهدات هذا اللقاء الثرى وغيره على أقل من أصابع اليدين!