يندر أن تجد له حديثًا صحفيًا، ويصل لحد المستحيل الحصول على تسجيل صوتى، هو رجل أمنها الأول الذى لم يخذل مصر ولا الثورة ولا زعيمها، صديقه الرئيس جمال عبدالناصر. رجل الثورة «الصامت»، «زكريا محيى الدين» هو الاسم الوحيد الذى ردده عبدالناصر فى خطاباته السياسية، وهو من كلفه منصب رئيس الجمهورية عند «التنحى»، بل هو الذى هدد به السوفييت بعد النكسة عندما مانعوا فى تقديم السلاح المتقدم لمصر. بدأت علاقته بعبدالناصر زميلا منذ دخولهما الكلية الحربية 1937 عبدالناصر ونشأت بينهما صداقة من وقتها. عرف عنه ميوله ليمين الوسط، ومع ذلك لم يعرف عنه أي خلاف مع الرئيس حول التوجهات الاشتراكية للدولة، لم يعرف بين عبدالناصر وزكريا خلاف كبير، سوى عندما رفض محيى الدين منصب رئيس الجمهورية عند التنحى عقب نكسة 1967، وهو التكليف الذى كشف موقف زكريا محيى الدين السياسى وتبنيه أفكار «يمين الوسط» والتوجه نحو الولاياتالمتحدة وليس الاتحاد السوفييتى. كاد «زكريا» أن يفقد حياته يومها، بسبب الرفض الشعبى للتنحى، رغم أنه رفض المنصب، بل أصدر بيانًا شهيرًا يدعو الرئيس عبدالناصر للعدول عنه. تكونت عقليته الأمنية منذ تطوع خلال حرب فلسطين 1948 مع صلاح سالم بالاتصال مع القوة المصرية المحاصرة فى الفالوجا، وتوصيل إمدادات الغذاء والدواء لها. وبعد الحرب عاد للكلية الحربية ومدرسة المشاة ليدرس مادة «التكتيكات العسكرية»، ومع انضمامه للضباط الأحرار فى خلية عبدالناصر المكلفة بخطة التحرك ليلة 23 يوليو، وضع تعديلات كانت ضرورية لإنجاح الثورة. بهذه العقلية الأمنية الحذرة، أعاد بناء المخابرات الحربية بعد الثورة، قبل أن يكلف بمهمة تأسيس المخابرات العامة، وحقيبة الداخلية لسنوات طويلة، التى حدّث إداراتها لتكون على أعلى المستويات حينها. عاش زكريا محيى الدين الصارم ذى القبضة الحديدية فى الظل لثلاثة عقود بعد خروجه من السلطة وحتى وفاته 1996، ليغادرنا فى الصمت كما عاش.