«هناك بعض المبدعين العظام الذين تركوا بصمات هامة أثرت الفن المصرى، ومع ذلك لا يعرفهم سوى قلة!.. وفى الغالب لا تتوافر عنهم أى معلومات!.. ومن هؤلاء المؤلف الموسيقى الكبير/ميشيل يوسف، والذى يعد من رواد موسيقى السينما المصرية.. فقد وضع الموسيقى للكثير من الأفلام المهمة فى السيتينيات والسبعينيات من القرن الماضى مثل:(للرجال فقط، أنا وهو وهى، أمير الدهاء، العائلة الكريمة، الطريق، اعترافات زوج، آخر شقاوة، مطلوب أرملة، ليلة الزفاف، آخر جنان، شىء فى حياتى، بيت الطالبات، لصوص لكن ظرفاء، عفريت مراتى، ميرامار، زوجة غيورة جداً،.أكاذيب حواء، نحن الرجال طيبون، موعد مع الحبيب، لمسة حنان، ذئاب على الطريق، حرامى الحب).. بالإضافة للعديد من الأفلام التى قام فيها بالتوزيع الموسيقى أو قيادة الأوركسترا.. ورغم هذا التاريخ الفنى الحافل بأعمال تعد علامات فى السينما المصرية، إلا أن هذا المبدع الكبير بكل أسف سقط من ذاكرة الصحافة والإعلام!.. ولا يتوافر عنه سوى معلومات مغلوطة فى موقع واحد، حيث يُنسب إليه السيرة الذاتية للفنان الكبير/ميشيل المصري!.. ولولا أننى أعرف «المصرى» جيدًا، ما عرفت خطأ تلك المعلومات!.. وقد حاولت البحث عن معلومات صحيحة عن ميشيل يوسف ولم أجد!.. ولكن وجدت صفحة على الفيسبوك باسمه وراسلتها، واكتشفت أن مُنشئ الصفحة هو عازف الفيولينة الفنان/محب فؤاد، والذى تربطه صلة نسب بميشيل يوسف، حيث تزوج من إحدى حفيداته.. ولم أكن أعرف أن المبدع الكبير الذى أتعبنى البحث عنه، هو والد الأستاذة الدكتورة/سميرة ميشيل أستاذة آلة الهارب فى الكونسرفتوار، والتى تجمعنى بها صلة محبة وثيقة منذ طفولتي!.. وأخيرًِا توصلت لبعض المعلومات عن هذا المؤلف الموسيقى الكبير الذى لم ينل حظه من الشهرة، أو يلقى ما يستحق من اهتمام!.. ولد ميشيل يوسف فى القاهرة فى 11 فبراير 1916، وتوفى والده وهو فى سن صغيرة، فبنى نفسه بنفسه ولم يعتمد على أحد، ورغم ذلك فقد كان شخصية مرحة محبة للحياة، وتمتع بعلاقات اجتماعية وثيقة.. وقد أحب الموسيقى منذ صغره، ولكنه بدأ احترافها منذ التحق بالموسيقات العسكرية، حيث تعلم آلة الكلارينت وبرع فيها.. ورغم أنه لم يدرس أكاديميًا، إلا أنه حرص على صقل موهبته من خلال الدراسة على يد العديد من الخبراء الأجانب المقيمين فى مصر، حتى أصبح من أهم عازفى تلك الآلة، وأصبح مدرسًا لها فى كونسرفتوار القاهرة، وتعلم على يديه أهم عازفى الكلارينت فى ذلك الوقت.. كما أصبح عضوًا مهمًا فى الأوركسترا السيمفونى وأوركسترا الإذاعة.. لم تتوقف حدود موهبته عند ذلك الحد، بل قرر ّتوسيع مهاراته من خلال تعلم وممارسة قيادة الأوركسترا والتأليف الموسيقى، ودرس علوم الموسيقى مع الكثير من الأساتذة الأجانب، حيث كانت العديد من الجاليات الأجنبية مستوطنة فى مصر كالإيطاليين واليونانيين والروس والأرمن، فنهل ما يستطيع من علم، بالإضافة للخبرة التى اكتسبها من عزف المؤلفات السيمفونية الغربية.. وكان بداية دخوله مجال موسيقى السينما من خلال قيامه بالتوزيع الموسيقى لفيلم الغائبة عام 1955، والذى وضع ألحانه وموسيقاه الفنان/محمد فوزى وكان منتجه أيضًا.. وتعاون مع فوزى مرة أخرى بعدها بعام، بالتوزيع الموسيقى لفيلم معجزة السماء.. وفى عام 1963 منحه المخرج/نيازى مصطفى الفرصة لتأليف موسيقى فيلم «العريس يصل غدًا»، وبالفعل أدى مهمته بنجاح، وأصبح بعدها من أهم الأسماء فى هذا المجال.. وتوالت نجاحاته الفنية لعشرات الأفلام، والتى كان آخرها الفيلم الكوميدى «مغامرون حول العالم» بطولة عادل إمام وسمير غانم وناهد شريف ولبلبة، والذى عرض بعد وفاته، حيث فارق الحياة فى 14 أغسطس 1976.. وقد أنجب ميشيل يوسف خمسة أبناء هم (سامى، وأنيسة، ومادلين، وجورجيت، وسميرة).. وحرص على تعليمهم الموسيقى منذ نعومة أظافرهم، فأحضر لهم مدرسة بيانو يونانية، كانت تعلمهم الواحد تلو الآخر، وفى النهاية تجلس والدتهم لتتلقى نصيبها فى دراسة البيانو أيضًا، ثم يتناولون الغداء سويًا مع معلمتهم اليونانية.. وقد أحب أبناؤه الفن، وكانوا يلتقون بأصدقاء والدهم من الفنانين الذين كانوا يزورونهم فى منزلهم مثل: محرم فؤاد ومحمد سلطان واندريا رايدر.. وقد اتجه أبناؤه بعد ذلك لدراسة الموسيقى أكاديميًا بالكونسرفتوار، ولكن منهم من أنهى دراستة ومنهم من اتجه لمجالات أخرى.. وقد شاركت ابنته د/سميرة فى الكثير من أعماله منذ طفولتها، حيث كان «الهارب» قاسمًا مشتركًا فى موسيقاه، وكانت وهى لا تزال فى سن الطفولة تشارك فى تسجيل أعماله مع الأوركسترا السيمفونى (فى استوديو مصر أو استوديو الأهرام).. وشاركت وهى فى العاشرة من عمرها مع الفنان محرم فؤاد فى عزف إحدى الأغنيات على مسرح التليفزيون، وهى التى شاركت أيضًا بالعزف فى فيلم معبودة الجماهير، وكانت لا تزال فى الصف السادس الابتدائي، حيث كان عبدالحليم حافظ صديقًا لوالدها، وحين رآها تعجب من صغر سنها ولكن أخبره والدها أنه سوف يرى عازفة محترفة.. وبالفعل عزفت ببراعة، وحاولوا إظهارها بعمر أكبر من خلال الماكياج وتسريحة الشعر والملابس، بالإضافة لقيام المخرج بحيل سينمائية كى تبدو شابة.. ويعد ميشيل يوسف أول الناسخين الموسيقيين، حيث كان يتمتع بخط موسيقى جميل، وكانت الأوبرا أحيانًا ما تكلفه بكتابة النوت الموسيقية، وكذلك أغلب الفنانين، فكان الطلب عليه بكثافة فى مكتبه أمام الباب الخلفى للأوبرا القديمة، وأخرج من تحت يديه أجيالًا تجيد كتابة النوت الموسيقية.. وقد كان كذلك أحد أهم الموزعين الموسيقيين للكثير من الأغانى التى لحنها كبار الملحنين، وكان عبدالوهاب كثيرًا ما يستعين به لكتابة وتوزيع موسيقاه.. ولكن كعادة تلك الفترة لم يكن الموزع الموسيقى يلقى حقه الأدبى كما هو الآن!.. ولكن الغريب أن ميشيل يوسف لم يأخذ حقه الأدبى كمؤلف موسيقى أيضًا، رغم براعته وأسلوبه المميز، ورغم شهرة الأفلام التى قدمها!.. وهو ما يؤكد أن الشهرة ليست مرادفًا للنجاح والإبداع، وكثيرًا لا تأتى لمن يستحقها!