تداول رواد «السوشيال ميديا» فى السنوات الأخيرة خطابا شهيرا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر يحكى فيه عن حوار دار بينه وبين المرشد العام للإخوان المسلمين فى عام 1953. وكانت أولى طلبات المرشد هى إقامة الحجاب، وإلزام جميع النساء المصريات به. وقد خالفه عبدالناصر آنذاك لأنه كان يرى أنه أمر شخصى وعائلى لا ينبغى للدولة فرضه بالقوة. لذلك لم يكن غريبا أن تكون المرأة هدفا ورمزا أساسيا لجماعتى الإخوان المسلمين والسلفيين فى حقبة الثمانينيات التى شهدت تصاعدا مستمرا للجماعتين فى المجال العام: المدارس والجامعات وأماكن العمل والنقابات المهنية… يشرح الكاتب الكبير نبيل عبدالفتاح الظاهرة الإحيائية الإسلامية التى تمثلت فى جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المختلفة للسلفيين فى كتابه «المصحف والسيف» (1983) فيقول: «إنها ليست إحيائية بالمفهوم الكيفى أو الإبداعى؛ وإنما الظاهرة فى الواقع المصرى والعربى ذات طابع كمى، بمعنى اتخاذها شكل طرح كتابات نصوصية تراثية، وعلى المستوى السلوكى - الحياتى فى شكل اتخاذ أنماط خاصة للمَلبس وللممارسات الطقوسية والعبادية على نحو ملحوظ». ومن المعروف أن سياسة تشجيع الإخوان المسلمين للعمل الدعوى والاجتماعى، قد بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، بدعم من الرئيس السادات فى إطار استهدافه لتصفية الجماعات اليسارية والناصرية آنذاك. ولكنها استقرت وتغلغلت فى المؤسّسات الاجتماعية والتعليمية والنقابية والإعلام والفن فى حقبة الثمانينيات، واتخذت من تغيير واقع المرأة المصرية الحداثى هدفًا ثابتًا لها. عقوبة اللفظ الاجتماعى ومنذ منتصف الثمانينيات تزايد ارتداء الحجاب وسط طالبات المدارس والجامعات والمهنيات والعاملات فى الحكومة والقطاع الخاص بشكل ملحوظ، واختفى من شواطئ الإسكندرية القديمة التى شكلت تاريخيّا مصيف الطبقة الوسطى مثل: سيدى بشر وميامى والعصافرة والمندرة لباسُ البحر النسائى «المايوه»، الذى كانت البنات والسيدات يلبسنه بحُرية شديدة ودون أى مضايقات، حتى نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات؛ حيث صارت النساء ينزلن البحر فى هذه الشواطئ بكامل ملابسهن خوفًا من المضايقات والتحرش. لم يعد الأمر اختيارًا شخصيّا حُرّا لشكل الملابس، كان هناك انتشار للخطاب الدينى المتشدد والترهيبى وضغوطات اجتماعية منظمة من قِبَل جماعة الأصدقاء والجيران؛ خصوصًا فى أوساط بنات وسيدات الطبقات الوسطى. وصارت عقوبة عدم ارتداء الحجاب هو اللفظ الاجتماعى واللعنة الإلهية. ركزت الحوارات الدائرة بين الإسلاميين والعلمانيين، فى هذه الفترة، على الأسانيد والحجج الدينية والاجتماعية للحجاب والسفور!! أمّا الموضوع الأساسى ألا هو حرية اختيار المرأة لملابسها من خلال إتاحة الآراء الفقهية المتعددة، واحترام الخصوصية، وتعزيز الحرية الشخصية فى اتخاذ القرار، ومنع الضغوطات الاجتماعية؛ فلم يحظ إلّا بالقليل. هذا بالإضافة، إلى سياسات الفصل بين الجنسين التى انتشرت فى المدارس والجامعات. وغلبة الخطابات الدينية التى تدعو المرأة إلى ترك فرص العمل للشباب الذكور والعودة إلى المنزل أو العمل فى الأشغال التى تناسب طبيعة المرأة وبالضوابط الشرعية، وانتشار الخطاب الدينى المناهض لبرامج تنظيم الأسرة. وكذلك مراجعة حق المرأة فى المشاركة السياسية وتولى مناصب القيادة العليا للدولة من منظور شرعى. وطوال فترة الثمانينيات لم تشغل المرأة أى وزارة إلا وزارة الشئون الاجتماعية. وسيدة واحدة، فقط، هى التى شغلتها الدكتورة آمال عثمان!! قدوم السيداو لقد نجحت الجماعات الدينية فى توظيف مؤسّسات التعليم الحديثة من المدارس والجامعات وكذلك وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة؛ لنشر هذه الافكار المتشددة والنمطية تجاه المرأة وعلاقتها بالرجل والمجتمع. المفارقة المهمة فى هذا الصدد، أن الحقبة التى شهدت تصورات رجعية ومتشددة لوضع المرأة، قد شهدت أيضًا تصديق الدولة المصرية فى 18سبتمبر 1981على اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة «بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» (السيداو)، التى تنص على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، والتزام الدولة بتعزيز أوضاع المرأة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية ومنع العنف والتمييز ضدها. وقد تم نشرها فى الجريدة الرسمية فى ديسمبر من العام نفسه، لتدخل حيز التنفيذ وتكون لها قوة القانون «بحسب الدستور». سينما المتعة والدهشة والمرارة عرفت السينما فى الثمانينيات أهم موجة للأفلام التى رصدت التحولات السياسية والاجتماعية والإنسانية فى مصر؛ خصوصًا بعد عصر الانفتاح الاقتصادى لمجموعة متميزة من صُناع السينما. ورُغْمَ المتعة والدهشة والتفكير العميق الذين يصاحبون مشاهدة أفلام هذه الحقبة مثل: سواق الأتوبيس (1982)، والحب فوق هضبة الهرم (1986) لعاطف الطيب، والحريف (1983)، وأحلام هند وكاميليا (1989)، وزوجة رجل مهم (1987) لمحمد خان، والصعاليك (1985) لداود عبدالسيد، وأهل القمة (1981) لعلى بدرخان، ويوم مُر ويوم حلو لخيرى بشارة (1988)؛ فإن المرارة العميقة والذكريات الحزينة التى تتركها فى النفس لا يمكن نسيانها. لأنها تقول لك بحساسية فنية عالية إن زمن الأحلام والمتعة قد انتهى وإن المجتمع المصرى من الآن فصاعدًا هو مجتمع الانفتاح الاقتصادى، وقيم الاستهلاك، وتدنى الأخلاق والعنف، وطغيان السلفية الدينية وتراجع وضع المرأة. ومع نهاية عَقد الثمانينيات، كانت سعاد حسنى «سندريللا السينما المصرية»؛ الفتاة الشقية النضرة التى مثلت أحلام الفتاة العصرية فى التعليم والعمل والحرية والحب والزواج فى فترة الستينيات، وكانت بطلة أهم الأفلام السياسية والاجتماعية فى السبعينيات والثمانينيات، قد ذبلت وانتهت أحلامها. غربت سعاد حسنى... ولانزال نبحث عن أحلام الحداثة والحرية للمرأة المصرية.