الميل للتجريب والتجديد خاصة فى كتابة القصة القصيرة جدًا، ورواية المكان، يميز الأدب المصرى الآن، وفى الإسكندرية ازدهرت رواية المكان، وكتابة القصة القصيرة جدًا، ومع الروائى والناقد منير عتيبة مدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وإطلالة على دور مختبر السرديات فى الحياة الأدبية فى الإسكندرية يقول: «مختبر السرديات واحد من الفعاليات الثقافية المهتمة بالسرد، وتجلياته فى الإسكندريةوالقاهرة، من خلال مكان المختبر فى مكتبة الإسكندرية، ومختبر السرديات ببيت السنارى فى القاهرة، وينعقد فيه النشاط فى الأربعاء الرابع من كل شهر.
وقد بدأ المختبر نشاطه فى مكتبة الإسكندرية فقد أسسته منذ عام 2009 بالتعاون مع الصحفى حسام عبدالقادر الذى كان مستشارًا إعلاميًا لمكتبة الإسكندرية، وتنعقد ندوات المختبر بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ونجح المختبر فى التعريف بجيل جديد من المبدعين والنقاد؛ بل والتواصل مع المبدعين والنقاد العرب، والتواصل مع المبدعين فى محافظات مصر؛ حيث تناقش أعمالهم الأدبية فى المختبر، كما أننا نحرص على الإفادة من التقنيات الحديثة بالتواصل مع المبدعين من خارج مصر، وبث الأنشطة الثقافية بثًا مباشرًا على فيس بوك، وأحرص فى العمل بالمختبر التواصل مع أنشطة أتيليه الإسكندرية، وهو مؤسسة مهمة وعريقة، يرأسه د. محمد رفيق خليل، وندوة قصر الشاطبى التى يديرها محمد عبدالوارث، وندوة «المحكيات الصغرى» التى يديرها د. حسن أحمد، ومبادرة «أكوا» التى يديرها د. شريف عابدين .
واستطاع الأدباء فى الإسكندرية أن يقدموا إنتاجًا إبداعيًا متميزًا وهم فى مدينتهم، وأن يحصلوا على جوائز مصرية وعربية، وهناك أسماء جديدة مبدعة ظهرت على الساحة الأدبية مثل عبير درويش، وهناء عبدالهادى، وآمال الشاذلى، وأحمد قاصد كريم، وحنان سعيد، فى مجال القصة والرواية، ويعدون من جيل الوسط.
ومن جيل الشباب فى القصة والرواية: «أحمد الملوانى، وهبة خميس، ودعاء إبراهيم، وهبة سليمان، وفى مجال الشعر والقصة هناك بسنت حسين، وشيرين طلعت، وإيمان السباعى، وريم أبوالفضل، وهند جعفر، ومحمد العبادى، ورانية ثروت، ودعاء عثمان.
ومن جيل الراسخين هناك عبدالبارى خطاب، ورشاد بلال، وحسن اللمعى، ونهى عاصم، وهناء سليمان، ود. نادية البرعى، وأمينة الزغبى».
ويضيف منير عتيبة أن هناك من الأدباء والنقاد العرب الذين يسهمون فى المشهد الثقافى مثل ثائر العذارى من العراق، وأحمد التيجانى من السودان، ود. أدهم مسعود، ود. عبير يحيى، ود. كوثر مروان من سورية.
ولمنير عتيبة أكثر من رواية منها: «حكايات آل الغنيمى»، و « موجيتوس»، ومن مجموعاته القصصية «روح الحكاية»، وقد حصلت هذه المجموعة على جائزة الدولة التشجيعية فى القصة القصيرة عام 2016 .
ويعتبر أتيليه الإسكندرية أول جمعية ثقافية للآداب والفنون معًا وقد تأسست فى ثلاثينيات القرن على يد زنانيرى وهو أديب إيطالى من أصل شامى، كما يقول الشاعر د.محمد رفيق خليل نقيب أطباء الإسكندرية السابق، وهو رئيس مجلس إدارة الأتيليه، ويضيف: «كان ناجى أول رئيس للأتيليه، والوكيل كان زنانيرى، والأمين العام كان رساما إيطاليا وهو جوسبى سباستى».
فقد كانت الإسكندرية فى الثلاثينيات مدينة كوزموبوليتانية، فيها ثقافات متعددة ، مصريون، وشوام ، وطلاينة ، ويونانيون، وأرمن.
والدور الثقافى للأتيليه كان كبيرًا، فقد استقطب فنانى وأدباء المدينة ، ومدرسة أبوللو الشعرية التى أسسها أحمد زكى أبو شادى، وكان يدرس فى كلية طب الإسكندرية، وكان هناك شعراء الشلالات ويتجمعون فى حديقة الشلالات فى الإسكندرية، وكان هناك صالون الفنون التشكيلية، وشارك فيه فنانون من الإيطاليين واليونانيين، وفيه تأسس النادى الأوروبى للكاميرا عام 1956، وتأسس أيضا نادى القلم لمناقشة الأعمال الأدبية، وأسهم فيه بدور واضح الروائى محمد جبريل.
كما تأسست بعض المجلات الأدبية مثل مجلة الصحوة ، وصدرت فصلية ، واستمرت من الستينيات حتى الثمانينيات .
وفى الأتيليه أيضًا كانت هناك مراسم كبار الفنانين، يرسمون فيها ، ويقيمون ورشًا فنية لتدريب الفنانين الجدد ، فى النحت والخزف، والموسيقى، وتأسست أول ورشة للشعر عام 1988.
ويتعاون الأتيليه مع حمعيات ثقافية عربية وأوروبية، فهناك جمعيتان فى لبنان هما «دوار الشمس»، وجمعية «بيروت للتراث»، وجمعية «زنك» فى تورينتو بإيطاليا، وجمعية «لا فريش» فى مرسيليا بجنوب فرنسا.
كما أن للأتيليه عضوية دائمة فى جمعية أوروبية متوسطية، مقرها فى تورينتو وهى «بينالى شباب البحر المتوسط»، وينعقد البينالى كل سنتين . وهناك أنشطة تبادل ثقافى بيننا وبينها فى مجال التصوير، والنحت، والخزف، والموسيقى، والمسرح، والشعر. وهناك مجموعات موسيقية سكندرية مثل «كراكيب»، و«مسار إيجابى»، و«طيور البحر»،
و«الميناء» . ويعقد البينالى كل سنتين فى مدينة أوروبية، وهناك أيضًا رابطة ملتقى الفن والوسائط المتعددة الدولى، والأتيليه مشارك فيها إلى جانب المغرب وفرنسا وبلجيكا. ومن أنشطة الأتيليه نادى الفيلم، ويعرض فيلمًا من الأفلام العالمية كل أسبوع بالإضافة إلى أسابيع لعرض أفلام لمخرجين مصريين مثل داوود عبدالسيد، وخيرى بشارة، وعلى بدرخان. وهناك ملتقى «أدب وسينما»، ويعرض كل شهر الأعمال الأدبية التى تحولت إلى أفلام سينمائية، ويشرف عليه د. أحمد صبرة، والفنان ماهر جرجس، وهناك فرع لأكاديمية السينما التى أسسها على بدرخان فى الأتيليه، ويشرف عليها سامى حلمى، وهى تعطى منحة أربعة شهور لتعلُّم الإخراج، والسيناريو، والمونتاج .
وهناك صالون التنوير الشهرى، ويشرف عليه ماجد موريس .
ويضيف محمد رفيق خليل أن الأتيليه كان سراى لجورج تنفاكو، وباعه ليوسف كرم تاجر، وهو باعه للبنك الإيطالى، وتم تأجيره منه عام 1956 ، وأصبح من المبانى الأثرية فقد تأسس على طراز فريد، فهو مكون من ثلاثة قصور تنتمى عمارتها إلى فن الركوكو من فنون تسعينيات القرن التاسع عشر.
وللشاعر د. محمد رفيق خليل ديوان شعرى بعنوان «سوناتا الرحلة»، ونشر العديد من الدراسات فى مجلة الفكر المعاصر، ومجلة الآداب البيروتية فى فلسفة العلم، وفلسفة الأخلاق، والعلوم الإنسانية.
مدينة خاصة جدًا
تأثر كتاب وفنانو الإسكندرية بعبقرية المكان، وصدرت عدة روايات لكتاب يشتغلون بفنون إبداعية كالفن التشكيلى، أو التخصص فى القانون، أو فى الإخراج السينمائى عن الإسكندرية وكل منهم رصد مشهدًا من حياتها الاجتماعية والفنية، فهناك رواية «وثيقة شرف» للدكتور على البارودى أستاذ القانون الراحل والتى عُرضت كمسلسل تليفزيونى فى ثمانينيات القرن الماضى، ورواية «خيط حريرى» للمخرج والسيناريست حسام نور الدين، ورواية «النيل والبحر» للفنان التشكيلى عصمت داوستاشى، والذى أصدر كتابا بعنوان «الرملة البيضا» عن حى بحرى .
وفى حوارى معه قال داوستاشى: «قضيت عشرين سنة من عمرى فى حى بحرى فأنا من هذا الحى الشهير، وقد نشرت كتابا كاملا عنه، وتتجلى عبقرية المكان فى الإسكندرية كما يقول جمال حمدان فى أنها بوابة مصر على البحر الأبيض المتوسط، وأوروبا، والعالم كله، إنها مدينة خاصة جدا لا تشبهها مدينة فى العالم ، وليس فقط فى حوض البحر المتوسط ، فى الخمسينيات كان فيها جنسيات من كل بلاد العالم، بل وهجرات داخلية من السويس، وصعيد مصر، والقرى المحيطة بالإسكندرية، مجتمع كان قائمًا على التنوع وتعدد الثقافات .
وتم افتتاح متحف الفنون الجميلة أول متحف للفن فى مصر، وفى إفريقية، وفى الدول العربية عام 1954، وفى العام نفسه تمت أول دورة لألعاب البحر المتوسط، وعام 1955 أقيم أول بينالى فى مصر وهو بينالى الإسكندرية الدولى، وهو ثانى بينالى فى العالم بعد بينالى فينسيا للفن التشكيلى .
وعام 1957 تأسست أول كلية للفنون الجميلة بالإسكندرية، وهى ثانى كلية لهذا الفن على مستوى إفريقية والعالم العربى.
روح الإسكندرية روح فن وثقافة وإبداع، وقد سجلت ذلك فى كتاب بعنوان «الحركة الفنية فى إسكندرية فى 100 سنة»، وصدر عن هيئة قصور الثقافة.
ومن أشهر فنانيها محمود سعيد عبقرى التصوير، الذى صوَّر الهوية المصرية فى الفن، وسيف وانلى وأدهم وانلى، وعفت ناجى، ومحمود موسى، كانت مدينة الفن العظيمة الرائدة.
وكان بينالى إسكندرية يعرض أحدث اتجاهات الفن كل سنتين، واستمر من عام 1955 إلى الآن، وأول دورة افتتحها جمال عبدالناصر .
ويضيف عصمت داوستاشى: كنت مديرًا لمتحف الفنون الجميلة فى الإسكندرية فى الفترة من 1993 إلى 1995، وكان يعقد به بينالى، عبقرية المكان هنا تبدو فى الحرية وروح التجريب والمغامرة، والنظرة الإبداعية، ونحن فى لوحاتنا لا نرسم البحر بل نرسم روح البحر.
الرسم والتمثيل والكتابة
ومع الكاتبة والفنانة التشكيلية سهير شكرى التى اختارت أن تعيش فى الإسكندرية، لتمنحها روح المكان انطلاقة قوية فهى ممثلة مسرحية وكاتبة وفنانة تشكيلية، تعرفت على الحياة الفنية فى الإسكندرية فأصبحت اسمًا مهمًا من أسماء كتابها وفنانيها، بدأت حياتها الفنية كممثلة مسرحية، وأول معرض تشارك فيه كان معرضًا بقصر ثقافة محمود سعيد، وكان المعرض بعنوان «أنا وحفيدتى» فشاركت هى وحفيدتها بلوحاتهما، وتقول سهير شكرى: «شاركت بعد ذلك فى عدة معارض منها معرض بالمركز اليونانى ثم اتجهت للكتابة، سكنتنى روح المكان فأصدرت مجموعتى القصصية«وما زلت أنام جالسة» و ورسمت غلافها، ورواية بعنوان « وداعا صديقى المهرج» ، وتضيف: «إن الحركة النسائية هنا نشطة ثقافيًا وفنيًا فهناك أسماء بارزة فى جميع المجالات مثل الناقدات د. سحر شريف، ود. ندى يسرى، و د. حنان الشرنوبى، ود. كاميليا عبدالفتاح، وفاطمة عبد الله، ومؤرخات مثل صفاء المصرى التى كتبت عدة دراسات عن تاريخ الإسكندرية، ومن الشاعرات إيمان يوسف، وفوزية شاهين وعزة رشاد، ورانية ثروت، وعبير درويش، وإيمان الزيات، ومن القاصات سحر النحاس، ومنال يوسف، وحنان سعيد، ومنى عارف، والكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار، وآمال الشاذلى. وقد حصلت سهير شكرى على الجائزة الأولى فى مهرجان الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة منذ عدة شهور عن فيلم خاص عن سيرتها الذاتية، قامت بتمثيله، والفيلم بعنوان «امرأة تطل من النافذة» عن قصة من قصصها القصيرة، وقد بدأت الكاتبة رحلة الكتابة بعد سن الستين وأصدرت عددا من المجموعات القصصية والروايات اللافتة .
مسافر بلا زاد
أما الأديب حسن الأشقر فهو عاشق السفر، وقد سافر فى مدينته الإسكندرية أولا، يحفظ أمكنتها، ومغرم بالكتابة عن مقامات أوليائها الصالحين، وكتابه «مسافر بلا زاد» تحت الطبع وهو من أدب الرحلة، ويقول حسن الأشقر: « تتمتع الإسكندرية بوجود مقامات لأئمة التصوف، بالإضافة إلى كونها مقصدًا سياحيًا، ومقصدًا ثقافيًا، ففيها مقامات أبوالحسن الشاذلى، والمرسى أبوالعباس ويوجد مقامه بميدان المساجد بحى بحرى، وسيدى جابر الأنصارى ويوجد مقامه فى منطقة سيدى جابر، وسيدى بشر ويوجد مقامه بسيدى بشر، وسيدى ياقوت العرش بميدان المساجد بجوار مقام سيدى المرسى أبو العباس، ومقام سيدى كاظمان ويوجد فى شارع سيدى كاظمان فى بحرى، وسيدى أبو الدرداء فى وسط الإسكندرية وفى منطقة الشلالات بوسط الإسكندرية يوجد مقام ابن عطاء الله السكندرى، وسيدى المتيم، وهو واحد من أحفاد الإمام على بن أبى طالب، وسيدى محمد أبو النظر من رشيد، وكان عالما فى الفقه .
وحسن الأشقر يحب عوالم الصوفية، وعوالم السفر فهو يرى فيه «تفرج هم، واكتساب معيشة وعلم وآداب، وصحبة ماجد».
تلك هى الإسكندرية رحلة فى المكان والزمان، وتسجيل لملامح من عبقرية الإنسان والمكان.