الذكرى العاشرة للسعدنى بقلم أحفاده محمود السعدنى وحسام السعدنى فى صور فى خيالى لا يمكن أنساها أبدًا حفرها جدى الولد الأشقى فى تاريخ الصحافة والأدب من هذه الصور أختار صورتين بالنسبة لى هما عمر بأكمله، فأولاً أنا حظى لا مثيل له لأننى خرجت إلى الحياة فوجدت جدًا يعشق أولاده وأحفاده ويرفض أن يمضى حتى فى السفر إلا وهم معه وحوله فى كل مكان وعليه فقد كان الأثر داخلنا جميعًا مرعبًا فقد تطبعنا بطبع الجد السعدنى الأكبر أصبحنا جميعًا لا نجلس على المائدة إلا وكان الطرشى متواجدًا ومتصدرًا الطعام وبعد ذلك تأتى فى المرتبة الثانية اللحوم الحمراء بجميع أنواعها ثم الملوخية ملكة الطعام لدى السعدنى. وهذه كلها أشياء تفتح النفس وتشجع على الأكل وتساعد على زيادة الأوزان ولكن السعدنى لا يكتفى بهذه المقبلات فتجده كل يوم معه أصحابه وأحبابه على موائد الطعام هؤلاء الذين يقدرون صنف الطعام ويتغزلون فيه كما لو كانوا شعراء متيمين بمحبوبة نادرة الوجود. كان هناك اثنان إذا جاء أحدهما حرصنا على التواجد على المائدة حتى يفرغ الجميع الأول هو عم الحاج إبراهيم نافع عمدة الجيزة الذى كان يجيد صنع ورقة اللحمة وهى الصنف الذى لم أر له أى شبيه ولم أجد أحدًا فى حياتى يصنعه سوى العم إبراهيم.. رائحة ورقة اللحمة لا تزال فى أنفى تسرى فى المعدة والأمعاء وتجعلنى أترحم على الجد الكبير وعلى أصدقاء موائده العامرة، أما الثانى فكان الدكتور إيهاب عفيفى أعاده الله إلى بلادنا بالسلام والخير.. كان الدكتور إيهاب ونحن نجلس إلى جدنا الكبير بعد أن نمضى الوقت كله فى لعب الكوره فى نادى الصحفيين النهرى الذى أنشأه بمجهوده وحده ولا أحد سواه.. كنا نجلس إلى جدنا أنا والنور وأفانك والكرومه وهم على التوالى النور«محمود» وأفانك «مصطفى» أولاد عمتى هبة رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وأكرم ابن عمتى الأكبر هالة متعها الله بالصحة والعافية.. وكان المطعم يغلق بعد الواحدة صباحًا ولهذا كان الجد يأمر الدكتور إيهاب أن يذهب إلى سور النادى على شاطئ النهر مباشرة ليجد إذا كان هناك أى صياد صايع فى هذا الوقت والشيء الجدير بأن أحكيه أن الصيادين كانوا لا يغادرون المكان أبدًا.. لدرجة أنى سمعت جدى رحمه الله فى يوم يقول: دول مش صيادين.. فسأله الدكتور إيهاب: أمال دول إيه يا عم محرر.. فقال له: دول «خنابر» وهو الاسم الحركى للمخبرين عند جدى كنا نضحك للتسمية ولا نفهم معناها فى هذا العمر.. وكان معهم دائمًا السمك البلطى النهرى كان الدكتور إيهاب يطلق عليهم العصافير.. وكان يقوم بشراء البطاطس والبصل من أسوان الخيرة العامرة التى لا تغلق أبوابها على الإطلاق.. ويقوم د.إيهاب بإعداد صينية لم نتذوق لطعمها أى شبه فى حياتى كلها وكان جدى يقوم بعملية توزيع الطعام علينا وأيضًا إطعامنا وكأننا فراخ صغيرة فى حضرة حنان أم وكنا إذا تعرضنا للضرب أو الزعيق من أى أحد من الأهل كان الملجأ والملاذ إلى جدى السعدنى الكبير الذى كان لا ينام إلا فى حضرتنا نحن أحفاده وكان يختص حسام أخى الصغير لكونه فى مرحلة تعلم المشى فينام إلى جانبه ويقوم بوضع الشلتة والمخدات حتى لا يسقط حسام على الأرض ونحن نلعب الكورة ونتعارك ونسب الأخضرين لبعضنا البعض ومع ذلك كان جدى ينام ويحلم أحلامًا سعيدة واكتشفت أنه لا ينام إلا فى دوشة وخوتة وتليفزيون وربما راديو أيضًا.. أما الصورة الأولى فقد كانت وأنا صغير فى السن جلست فى حجر جدى وكان يدخن سيجارته «السيلك كت» الإنجليزى فأمسك بالسيجارة وهو يشرح لى كيف أدخنها بالطريقة الصحيحة فإذا سحبت نفسا.. ضحك وأصدر أصواتًا أكثر إضحاكًا وهو يقول: ده أنت سعدنى أصيل.. وأما أصالة السعدنى فقد اكتسبها أيضًا حسام عندما كان يبلغ من العمر عامان ونصف وذهب ليجلس إلى جوار جده على الطبلية وأمسك بصحن الطرشى وشربه.. ثم بكى من شدة الحريق الذى اشتعل فى فمه وجوفه.. ومع ذلك لم يتوقف عن شرب الطرشى ليضحك السعدنى مرة أخرى وهو يقول له ده أنت سعدنى حقيقى يا ابني.. أما الصورة الثانية فقد كنت ألعب بالكورة مع أفانك وكان أكبر منى بثلاث سنوات وأحرزت فيه هدفين فقام بضربى بعنف فذهبت إلى جدى أشكو له من أفانك فأرسل يستدعيه.. ولكن رفض أن يذهب وذهبنا إلى حيث يجلس أفانك فى الملعب.. وسأله جدي.. أنت ضربت محمود ليه يا مصطفي.. وإزاى أنده لك وما تجيش.. فقال مصطفى شوف يا جدو.. ده لو رئيس اليابان نفسه نده لى مش ح أروح ده حط فيا جونين.. أروح لمين وضحك السعدنى ضحك هيستيرى وانحنى يقبلنى وهو يقول: ابقى خلى مصطفى يحط جون وأنت جون. الله يرحمك.. ويحسن إليك.. يا أحسن الناس جدى الواد الشقى. الحفيد محمود السعدنى. جدو.. صاحب السعادة عشر سنوات مرت على وفاة جدي- الله يرحمه- فى يوم 4 مايو من سنة 2010 ده اليوم اللى باعتبره أصعب يوم فى العمر كله.. قعدت مذهول لما سمعت الخبر.. جدى تعب أوى وبابا ركب معاه العربية وراحوا المستشفى ومعاهم عم مختار السواق وبعد ساعتين بابا وعم مختار رجعوا ومعاهم جدو اللى رجع من غير روح.. الروح دى هى اللى كانت عاملة لجدى حالة غريبة خلت كل البشر اللى قابلوه يعشقوا القعدة معاه ويدوروا عليه ولما يسيبوه يحكوا عنه ويتمنوا يرجعوا يشوفوه تاني.. أنا كنت محظوظ أننى اتربيت معاه أنا وإخواتى محمود وسيف وأولاد عماتي.. كان جدى لما حد من الأحفاد يتولد يستولى عليه ويعيش معاه أكثر ما بيعيش مع أمه وأبوه.. وكبرنا فى حضن جدو.. وكنا نروح معاه كل يوم فى نادى الصحفيين وهو علمنى الصيد.. كان بيحط لى الطعم وأقعد أنا اصطاد وكان يقول.. ده أنت السمك ح يدعى لك يا حسام وأقوله صحيح يا جدو؟ يقولى آه، أسأله ليه.. يقول عشان أنت أكتر واحد بتأكل السمك كل يوم.. وطبعًا عمرى ما اصطدت أى حاجة إلا لما بقى عمرى خمس سنين.. مسكت السنارة لقيتها نزلت فى الميه.. وطلعتها لقيت فيها سمكة.. قعدت أصوت سمكة.. سمكة.. وأدور على جدو.. أتاريه مسكنى وحضنى وأنا ماسك السنارة.. خاف لأحسن من كتر الفرحة أقع فى الميه.. جدو أخد السمكة دى وحطها فى برطمان ميه وقال كل يوم أغير لها الميه وأحط لها عيش علشان دى أول سمكة فى حياتي.. فى النادى ده شوفت كل لعيبة الكورة اللى بحبهم واللى كنت بأسمع عنهم شوفت الكابتن حمدى نوح قالوا لى إنه كان يلعب فى الإسماعيلى وأنا كنت بحب الإسماعيلى علشان جدو كان بيشجعه ولما كبرت عرفت أنه حب النادى لما راح الإسماعيلية واتفرج على اللعيبة مع واحد من أهل إسماعيلية اسمه عبدالعزيز عبدالوهاب.. كلنا ورثنا حب الإسماعيلى منه.. وفى النادى لقيت عندنا لاعب كل أصحابى قالوا لى يا ابن المحظوظين.. علشان شوفته وقعدت معاه.. الكابتن محمود الخطيب الراجل طلع أسطورة وأنا ما أعرفش طبعًا كنت صغير وما أعرفش الخطيب ولا حضرته وهو بيلعب والغريب إن فى ناس كانت بتيجى بحراسة ومدافع رشاشة.. ووزراء ومسئولين كبار.. كان جدو يخرج للحرس ويقول لهم ما تخافوش.. إحنا عندنا هنا حراسة خاصة فى النادي.. ومرة واحد قال لجدو أنا قائد حراسة فلان الفلانى وأحب أعرف فين الحرس الخاص والأسلحة المتوافرة.. فشاور جدو عليّ أنا ومحمود أخويا وأولاد عمتى وقال للراجل إيه مش عاجبك الحرس ده كله.. وضحك قائد الحراسة وهو يقول لجدو: لا يا أفندم أنا كنت أطمئن على الباشا.. سلامو عليكم. كانت أجمل أيام العمر.. قعدنا نسمع حكايات جدو كلها مع الناس الكبار والناس الطيبين والناس الغلابة والناس الأغنياء واكتشفنا أن الكنز الحقيقى اللى جدى كان يملكه هو البشر وحب الناس له.. مش ح أنسى أبدًا كل لحظة وكل دقيقة عشتها مع جدى اللى حببنى فى الحياة وأسعدنى طول من أول ما وعيت على الدنيا لحد ما غادرنا فى اليوم اللى كرهته من كل قلبى لأنه اليوم اللى غاب فيه جدى اللى فعلاً كان أهم مصدر للسعادة فى الدنيا. الله يرحمك ويحسن إليك يا جدو. الحفيد حسام السعدنى.