لم يستمر الانتظار طويلًا.. فخلال ثلاثة أشهُر فقط، تمكن فريق من علماء جامعة أوكسفورد البريطانية، وخلال أبحاث متواصلة تسابق الزمن، من التوصل إلى ابتكار المصل الذى يتطلع إليه العالم كله للقضاء على الوباء الذى اجتاح كل مكان فى الكرة الأرضية وأصاب الملايين.. مئات الملايين، وقتل ما يزيد على المليونين و200 ألف من البشر، وعدد الضحايا يتزايد لحظة بلحظة.. بارقة الأمل أعلنتها الجامعة على موقعها الإلكترونى منذ أيام، كما أعلنت أن التجارب على فاعلية المصل الجديد على البشر، ستبدأ هذا الأسبوع. وبالطبع لم يكن علماء بريطانيا هم الوحيدين المنهمكين فى أبحاث وتجارب للتوصل إلى العلاج الشافى الواقى من هذا الوباء الرهيب، ففى اليابان وأمريكا والصين وألمانيا، وغيرها من دول العالم، جرت وتجرى محاولات التوصل إلى علاج.. وبينما أعلن علماء جامعة هارفارد الأمريكية أنهم اقتربوا من التوصل إليه وأن هذا سيتم فى الخريف المقبل، أى سبتمبر وما بعده، أى بعد خمسة أشهُر من الآن، توصل علماء بريطانيا فى جامعة أوكسفورد إلى تركيبة المصل الجديد، وبدأوا التجارب على المتطوعين هذا الأسبوع. وتواصلت فى الأسابيع الماضية عملية قبول المتطوعين المطلوبين لإجراء التجارب الأولية للمصل عليهم، كان العدد المطلوب 510 متطوعًا ومتطوعة، وجاء الإقبال بأعداد ضخمة تفوق كثيرًا العدد المطلوب، فاضطرت الجامعة إلى غلق باب التطوع، وبدأت فحص المتقدمين الذين اشترطت فيهم أن يكونوا من المراحل العمرية من سن 18 إلى 55 سنة.. كما اشترطت أن يكونوا ممن تم الكشف عليهم وثبتت إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، وأنهم يعالجون بالفعل فى أحد المستشفيات، ومن يقبل منهم سيتم نقله إلى مستشفى الجامعة ليخضع لتجارب المصل، وسيحظى بكل العناية الصحية اللازمة، وسيتم توزيع المتطوعين باستخدام نظم إلكترونية إلى مجموعتين تتناول إحداهما نوعًا من الخليط الذى تشكل منه المصل، ولا تقدم للمجموعة الأخرى أى أدوية إضافية، مما يمكن الباحثين من مدى فاعلية التركيبة المحتملة للمصل الجديد فى حالتيه، للتأكد من قدرته على العلاج. 10 ملايين استرلينى لتمويل الأبحاث والتجربة التى اعتبرت «دراسة عاجلة فى مجال الصحة العامة» تلقت ضمن بحوث أخرى تمويلا يزيد على 10 ملايين جنيه استرلينى من عدة جهات منها وزارة الصحة وهيئة الأبحاث والابتكارات، عبر المعهد الوطنى البريطانى للأبحاث الصحية. والمعالجات التى ستتم خلال التجربة بادر إلى خلطها وتركيبها فريق كبير من الباحثين وأشرف عليها وقاد أبحاثها خمسة من كبار بروفيسورات الجامعة المتخصصين فى الجينات والأمراض الوبائية والأدوية والأمصال، وتولت البروفيسورة «سارة جيلبرت» قيادة المهمة ومعها الدكتور «أندرو بولادر» والدكتورة «تريسا لامب» والدكتورة «ساندى دوجلاس» والبروفيسور» أدريان هيل». وقد بدأوا العمل يوم الجمعة 10يناير الماضى، وبينما تجرى عملية فحص واختيار من سيتم إجراء التجارب عليهم هذا الأسبوع، وهى عملية ستستغرق عدة أسابيع، يقوم فريق آخر بمهمة تصنيع المصل حسب المعايير المعتمدة فى صناعة الأدوية، وذلك فى وحدة تصنيع الأدوية التابعة لجامعة أوكسفورد، وقد تم اعتماد خطوة إجراء التجارب على المصل من الجهات المختصة. إنتاج كميات كبيرة من لقاح التعافى ويسعى الباحثون إلى الإسراع فى إنتاج كميات كبيرة من المصل الجديد لاستخدامها فى التجارب الأولى من نوعها التى ستجرى على الإنسان لمكافحة الفيروس الفتاك الذى لم يتمكن العلماء حتى الآن من التعرف عليه بعد بدقة علمية، وسيقتضى الأمر مزيد من الفحوص السابقة على المعالجة الإكلينيكية، كما سيتم إنتاج كميات كبيرة من جرعات الخلطتين المقترحتين للمصل الجديد. ويقول البروفيسور«بيتر هوربى» أستاذ الأمراض المعدية وصحة العالم، فى كلية الطب فى أوكسفورد وكبير المشرفين على التجارب: هناك حاجة عاجلة لدليل يعتمد عليه كأفضل علاج للمصابين ب «كوفيد -19».. وتوفير معالجات جديدة متوقعة من خلال تجربة سريرية تم التخطيط لها بعناية، هو أفضل طريقة للحصول على هذا الدليل. والمصابون بالفيروس المنقولون إلى المستشفيات يجب أن تتوفر لهم الفرص للمشاركة فى التجربة والمشاركة فى تطوير العلاج لكل إنسان، وسنوفر لهم الرعاية اللازمة بغض النظر عن المجموعة التى سينتمون إليها من مجموعتى التجارب. ويقول بروفيسور«مارتن لاندراى» أستاذ الأدوية والأوبئة فى كلية صحة السكان فى الجامعة ونائب كبير الباحثين: الخط العام لهذه التجارب السريرية يتيح للمصابين وهم فى أعداد كبيرة، بالمشاركة دون تعريضهم للمخاطر، وبهذه الطريقة يمكننا أن نتعرف بسرعة على النوع الأفضل من اللقاحات التى نعالج بها العدوى، من خلال توفير معلومات يعتمد عليها عن أفضل طرُق علاج المصابين بهذا الفيروس. خبرات متميزة فى مكافحة الأوبئة وتمت عمليات تخليق التركيبات الأولية للمصل فى معامل معهد «جينر» للأمصال التابع للجامعة بإشراف البروفيسور«إدريان هيل» مدير المعهد الذى يقول إن فريق أوكسفورد يتمتع بخبرات متميزة فى مجال الأمصال القادرة على المعالجة السريعة للأوبئة، مثل وباء «إيبولا» الذى اجتاح غرب إفريقيا سنة 2014م وكان الدكتور «هيل» بنفسه على رأس الفريق الذى ذهب إلى غرب إفريقيا ونجح فى تصنيع مصل تم من خلاله القضاء على هذا الوباء. والمعهد الذى يديره يحمل اسم أشهَر عالم فى مجال تركيب الأمصال «أدوارد جينر» وقام هو بابتكار اللقاح الذى ساهم فى القضاء على الملاريا. ويضيف: هذا هو التحدى الأكبر الذى يواجهنا ويواجه العالم كله، ويتم الآن تخليق المصل الجديد من العدم، وقد تحقق التقدم فى إنجازه بسرعة غير مسبوقة، والتجربة التى نخوضها على عينة المصابين ستكون حساسة للغاية فيما يتعلق بالتمكن من تحديد التركيبة الصحيحة فى مقاومة ومعالجة «كوفيد-19»، ونرجو أن تقودنا إلى تطور مبكر فى معركتنا مع الوباء. والمصل الذى توصل إليه علماء جامعة أوكسفورد وسيتم تجريبه على المتطوعين فى التجربة التى يطلقون عليها (ريكوفرى) أى «التعافى» يمكنه أن يحقق استجابة تحصينية قوية بعد تناول جرعة واحدة منه، ولا يسبب عدوى لمن يحقن به، وهذا يجعله مأمونًا عند حقن الأطفال أو كبار السن، وأى مصاب ممن يعانون من مشاكل صحية أخرى مثل السكرى. وقادت الدكتورة «سارة جيلبرت» فريق البحث الذى توصل إلى التركيبات الحالية وكانت هى وفريقها المعاون قد تمكنوا من تطوير لقاح آخر عالج أمراضًا سببها نوع آخر من فيروسات كورونا، يسمى «ميرس». وهى تقول: منذ وباء «إيبولا» يعمل فريقنا على تطوير مصل يحمى سكان العالم من الأمراض المعدية الناتجة عن انتشار الفيروسات المختلفة، والأوبئة، ونحن نعمل الآن مع فريق أكبر، وقد توصلنا للتركيبات التى سنقوم بتجربتها على المتطوعين من المصابين، وهذه أول مرة فى العالم يتم فيها إجراء تجربة مصل قوى يعالج ويكافح فيروس كورونا «كوفيد-19».