«قصص قصيرة من زامبيا» كتاب مترجم إلى العربية استطاع أن ينقل إلينا أسماء أدبية مهمة من زامبيا كما استطاع أن يطلعنا على لمحات حيوية من القضايا التى تتناولها القصص الأدبية، وعلى رأسها قضايا المرأة والعادات والتقاليد الزامبية، كذلك نقلت هذه القصص إلينا صور الحياة الاجتماعية، والثقافية والسياسية فيها. «قصص من زامبيا»، كتاب ترجمته إلى العربية الكاتبة سلوى الحمامصى وقد أصدرت من قبل عدة مجموعات قصصية، وأكثر من كتاب فى مجال أدب الرحلة.
إطلالة مهمة اثنتا عشرة قصة حملت عناوين معبرة أفصحت عن أدب ناضج عميق، يمثل إطلالة مهمة على الأدب الإفريقى الحديث فى زامبيا من خلال نافذة واسعة هى الترجمة. ومن هذه القصص التى ترجمتها سلوى الحمامصى فى كتابها: «امرأة بحق» ل «ماليا سيليو»، و«كل ما تستطيع» ل«إنوك سيمبايا»، و«من رماد إلى رماد» ل «موكاندى موسوندا»، و«أشياؤها»، لدورا مايتو، و«اكتمال» ل «سوزان زيليو»، و«أحلام دوري» ل«موسنجا كاتونجو»، و«أربطهم صغارا» ل«جريس جاردنر ويليام»، و«بيوت ذات علامات» ل«ميلان سيشنجا» و«أمر مربك» ل«إيجناتيوس نجوما»، و«زوجة الضابط» ل«جيدون نيرندا» و«مواجه النياو» ل«الكس تمبو»، و«لا يمكن أن أقتل» ل«أنطونى ليبك». قصص ضد العنف والإرهاب أبطال هذه القصص جميعا يرفضون العنف بكل أشكاله، ويقاومونه بكل ما أوتوا من قوة وإدراك، وقدرة على تحليل الأمور حتى لو كانت المواقف التى واجهتهم شديدة الصعوبة. وبلغت هذه القصص ذروتها فى رهافة ومن هذه القصص : قصة «لا يمكن أن أقتل» وهذه قصة مكثفة، اختزلت معانى مهمة من خلال أسرة تتعرض للسطو فالسارقان يريدان مفتاح السيارة الذى يضعه صاحبها فى درج مكتبه اكتشف الزوج وصول اللصين وهدفهما فأخبر زوجته التى اختبأت مع طفليها أما هو فقد فكر فى التصدى للسارقين لكن امرأته تنصحه : لا تضحى بحياتك من أجل سيارة. ويصف بطل القصة أفكاره ومشاعره فى لحظة اكتشاف السرقة : «امتلأ جسدى بالأدرينالين من شدة الخوف، لا يمكن أن أسمح لسيارتى بأن تُسرق بهذه البساطة، لابد أن أواجهه سأستخدم بعض تمارين التايكوندو أو الكاراتيه لأوقفه»، سأرفص يده فى الهواء وألكمه فى رقبته لا من الجانب هكذا «واستدار سريعا ثم أركله فى ساقه فأطرحه أرضا»، لكن هذه التصورات التى هيأت لبطل القصة أنه مثل نجم سينمائى يؤدى دورا مثل جاكى شان، ورامبو، وبات مان! لكنه عندما رفع مسدسه آمرا أحدهما بإلقاء لسلاحه، يباغته الآخر مطالبا بمفتاح السيارة. ويصور الكاتب الصراع الداخلى لبطله، فى صور متلاحقة تبرز ملامح هذا الصراع: «نظرت إلى وجه زوجتى الحبيب إلى وجنتيها المتوردتين، والغمازتين الجميلتين فيهما، وعينيها الصافيتين، وقلبها المحب لي، ثم نظرت إلى مسدسى ذى الوجه القبيح، وهو يدعونى إلى القتل، هناك فرق كبير بين الوجهين». أما الزوجة فأمسكت بسماعة الهاتف تحاول الاتصال بالبوليس أو بأحد الجيران لكنها لم تفلح بسبب ارتعاش يديها، وينهى الكاتب قصته بمفاجأة يكشف عنها بطله فى السطور الأخيرة «أمسكت بمسدس الرجل الملقى على الأرض، وصرخت مغتاظا : لقد لعبوها عليّ، خدعونى بمسدس بلاستيك، نظرت إلى مسدسي، أحدث نفسى : الإنسان العاقل لا يقتل، هكذا يقول القانون، ويجب أن نتبعه، الحفاظ على الحياة أهم من الحفاظ على الممتلكات، إنه صحيح». .... ومحور رفض العنف من أهم محاور تلك القصص الزامبية فهناك أكثر من قصة تتناول هذا الموضوع ومنها قصة «أمر مبك»، وهى تلقى الضوء على العنف السياسى الذى قد يواجهه من يريد الإدلاء بصوته فى الانتخابات، من خلال قصة «بنداني» الذى يؤيد حزبه الحاكم والذى يتولى مقاليد الأمور فى البلاد، بينما أصوات المعارضة تتوعد المؤيدين للحزب الحاكم تشتد المعركة فأى صوت يمكن فقده حتى لو كان أصوات قليلة من أهل القرية، وأصوات غيرها من القرى يمكن أن يُحدث فرقا كبيرا فى نجاح حزب معين للبقاء لخمس سنوات فى الحكم. ويتعرض «بندانى» للضغوط، ممن حوله، ويعتمد الكاتب على الحوار الذى يكشف عن حالة الشخصيات، ومواقفها، وما تستشعره من خوف من حدوث موجة عنف، وعندما أشار بعض الرجال لبندانى لينضم إليهم اسرع فى مشيه معتذرا بأن زوجته مريضة فى البيت. يذهب «بندانى» إلى المقهى، حيث يستمع إلى نشرة الأخبار فيعرف أن الرئيس حصل على 78% من الأصوات، مقابل 28% للمعارضين فيتهلل لكن صاحب المقهى يدرك حقيقة انتماء بندانى الذى يؤيد الحزب الحاكم، وصوَّر الكاتب موجة أخرى من العنف المرفوض فيقول : «نادى صاحب المقهى رجاله، وقال لهم : اعتنوا جيدا بالسيد بندانى سكوكو الذى بات واضحا أنه ليس من أتباعنا !» تتصاعد موجة العنف فتتلاحق أنفاس القصة فى سرد يحمل شحنات متوترة تتصاعد من خلال أفعال، وصور تتوالى لتصف مشهدا مهما من مشاهد القصة – وهو العنف المرفوض – فيقول السارد : اقترب رجل طويل ذو غرز فى جبهته وقفز فوق «بندانى» مهاجما، صرخ فيه «بندانى»، وصفعه على وجهه، وقال له: حاول أن تفعلها مرة أخرى، وسترى ما يحدث لك. فى طريقه للبيت، أشارت له سيدة تحمل طفلا على ظهرها، قالت إن أنصار المرشح المعارض المهزوم ينتقمون ممن لم يؤيده، يضربون الناس، ويحرقون المنازل. نظر أمامه فشاهد ألسنة من اللهب تتصاعد من بعيد، قالت السيدة «اهرب بسرعة لقد جئت لأنبهك». ويصل السرد إلى نقطة مخيفة من خلال لغة المشهد السريع فيقول السارد : «نظرت الزوجة من النافذة، شاهدت أحدهم يسكب بنزينا حول البيت، وآخر يشعل النار، لم تفلح محاولات المقاومة من «بندانى» فقاموا بخطفه هو وزوجته، لكن خبر حرق بيت مؤيد من الحزب الحاكم فى القرية كان قد انتشر، ونشطت أجهزة الأمن وتم الوصول لمكان المختطفين، وقرأ «بندانى» رسالة الرئيس إليه فوجد أنه أحد رجال الحكومة الجديدة فقد رشح لذلك، وتنتهى القصة بإعلاء قيم عديدة مثل احترام القانون، وعدم الافتئات على المعارضين أو المختلفين فى الرأى. وتأتى قصة «أربطهم صغارا» ل «جريس جاردنر ويليام» لتتناول قضية مهمة وهى العنف ضد الأطفال، واستغلالهم جنسيا، وذلك من خلال قصة فتاة هى «أبيا» التى تتعرف بجيرالد وتجمعهما علاقة يستطيع من خلالها إقناع «أبيا» للذهاب معه إلى شقة صديق له، بكلمات معسولة، ونظرا لحب استطلاع «أبيا» جربت معه شيئا جديدا غير الدراسة والمدرسة وانزلقت إلى علاقة جسدية معه، وقد تأثر مستقبلها كله بما انساقت إليه فتعثرت دراسيا واجتماعيا، وتصل القصة إلى ذروتها المأساوية عندما ظهرت أعراض الحمل على «أبيا»، وتخلى عنها جيرالد وتهرب من مكالماتها، وتركت القصة حكاية «أبيا» مفتوحة وكأنها محاولة لتصوير جسامة الوضع وخطورته مما جعل احتمالات عديدة تواجه «أبيا» وتؤثر على حياتها نفسها. وتبدو حكاية «بنجامين» هى الأخرى نموذجا لتأثير الفقر، وغياب الرعاية الأسرية للأبناء فهو طفل مراهق عهدت أسرته إلى عمته الأرملة التى تملك بارا بتنشئته وتعليمه، لكنه يتعرض للمغريات من زبائن البار فيشرب الخمور ويتعرف على أنواعها، ويغادر عمله الأساسى فى الطهى إلى التعرف على سيدة أعمال تريده فى طاعة عميلاتها الثريات لإرضاء رغباتهن الجسدية، ويتورط بنجامين الذى يحاول إقناع صديق مويبو بالعمل مثله لكى يحصل على المال لكن صديقه يرفض ذلك وينشغل بدراسته، وتعتمد القصة على مشاهد تصور ما حدث لبنجامين من متغيرات أثرت على حياته فيأتى المشهد الأخير فى القصة مأساويا عندما يكتشف بنجامين نفسه إلى أى حد قد فقد أحلامه، والدرب الحقيقى لمستقبله فتقول الساردة : «نادت «بنجامين» سيدة تجلس فى نفس صالة الانتظار، تضع مساحيق تجميل غريبة، وقد حَلَقَت جانبا من شعرها، اقترب منها، أعطته ورقة ملفوفة وطلبت منه أن يدخنها بفمه، رفض أن يفعل فزجرته ففعل بعدها أصبح فى عالم آخر، والرؤية لم تعد واضحة أمامه، بعد أن أفاق سأله مويبو إن كانت تلك أول مرة له يتناول المخدرات َ!، ودعه بعد أن دس فى يده خمسة وخمسين كوتشا قائلا : إنك فى طريقك إلى الكثير من المال، وسأنتظرك هنا فى المساء، وستكون مطيعا مهما طلبت منك الزبونة.. مخدرات، نساء أهذا ما يريده حقا؟ هكذا كان يحدث نفسه فى طريق الرجوع للبيت». وتشير القصة إلى قسوة العمة وتأثيرها على بنجامين من خلال حوار دار بينهما: «فقط أذكرك بأننى أحتاج أيضا مالا لمصاريف دخول الامتحانات، أنا الوحيد الذى لم أسددها، اليوم آخر موعد لأدفع للمدرسة. بنجامين، تعلم أننى لابد أن أعمل على توفير المال كى أستطيع دفع مصاريفك، وإذا لم يكن هناك مال كاف فليس بيدى شيء كانت تقف بباب الكوخ ذى الثلاث غرف، تصرخ فى وجهه، نفس الحلقة المفرغة، لا فائدة، أحيانا كان يفكر أنه كان من الأفضل أن يبقى مقيما مع جدته فى القرية». أما فى حكاية الفتاة «أبيا» فهناك غياب كامل للأسرة، فهى تكذب على أمها بشأن خروجها اليومى، وهى التى تقوم بتربية أخويها عوضا عن غياب الأم من حياة أبنائها. فى مواجهة «النياو» وترصد قصة «مواجه النياو» لألكس تمبو نوعا آخر من العنف تقوم به جماعة «النياو» ويروى بطل القصة حكايته معهم منذ الطفولة فهو يخشى أقنعتهم المخيفة التى يرقصون بها فى بعض المحافل، وهم يمثلون أرواحا ميتة – وهى عادة إفريقية مقدسة – كما يقول السارد وفيها يبدأ الاحتفال فيجرى كثير من رجال ونساء القرية للاختباء فى بيوتهم لأنهم أحيانا يتسببون فى إصابات خطيرة لمن يقترب منهم، ويصف بطل القصة ذكرياته عن جماعة النياو فيقول: «فى أحد الأيام، وكنت فى مكان ما فى موزمبيق قرب الحدود فوجئت برجل من النياو يرتدى قناعا لم أر أفظع منه من قبل، وهو من أخطر عائلة «النياو» حيث يطلى جسده كله من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بالطين، وفى قوة وبراعة رجال الصاعقة، بيده فأس وخنجر». ويصف السارد العنف الذى تمارسه جماعة «النياو» التى لا تدع أحداً يقترب من أماكن سكناهم فيقول : جاءت جلستى تحت شجرة مانجو ولسوء الحظ كنت قريبا من إحد مراكز رجال «النياو» التى عادة لا ينبغى لأحد الاقتراب منها إلا أعضاء جماعات «النياو» فقط كان المكان مخيفا ولا أثر لإنسان فيه، سمعت بعض الأصوات تحدثنى عن بعد، فجأة ظهر أمامى أحدهم بقناعه المرعب وهو يوجه كلامه إلي، حاولت أن أُعرٍّف نفسي، وما حدث لسيارتي، كنت أعلم ماذا يمكن أن يحدث لى من الضرب بلا سبب، وكان لدى خياران الأول : أن أطلق ساقى للريح، وغالبا سيصلون إلى بسهولة، والخيار الثانى هو أن أظل واقفا فى مكانى لأواجه وأحاول الشرح وكان الخيار الثاني». ثم بدأ الصراع المخيف، صراع البقاء ومحاولة الحفاظ على الحياة فيقول بطل القصة : «ألقوا باتجاهى بعض الفئوس كى تثبت بالأرض حولي، وتعرقل محاولة الهرب، لم أكن أنوى الهرب بل أقبلت على قائدهم وباغت بضربة شديدة فوق رأسه بمسدسى، صرخ بشدة وأسرع رجاله بالهرب، قال لى أن أولئك الذين هربوا إنما ذهبوا لإحضار مدد لمساعدتهم، كنت أفكر فى الهروب فورا وقلت له أن معى مسدس يمكننى أستخدامه عند الضرورة، أشار إلى طريق للهرب، وعاهدنى إن تركته فإنه لن يخبرهم بالاتجاه الذى سأذهب فيه». وبالطبع يدرك بطل القصة مخاتلة رجل «النياو» وغدره فيعدو فى اتجاه معاكس لما أرشده إليه فيطلب العون من أهل القرية المجاورة، وساعدوه فى تخليص سيارته. ومنذ انتصاره على رجال «النياو»، وصموده ضد هذا العنف المجانى غير المبرر فهو كما يقول: «منذ ذلك الوقت لم أعد أخشى رجال النياو، بل كنت على استعداد لمهاجمتهم إذا ما لقيتهم» آسف حبيبتى ! وتأتى قصة «زوجة الضابط» لتصل إلى ذروة درامية مأساوية، فقسوة الحرب قد أثرت على وجه الحياة فى المجتمع بل على الأفراد حتى وهم يمزحون مع ذويهم لقد أصبح العنف السمة الغالبة على الأحداث اليومية، الصراعات والحروب تركت آثارها المعنوية على الأفراد، ويرصد جيدون نيرندا فى قصته «زوجة الضابط» إلى أى حد أثرت الحرب على الملازم «فيرى موبوتو» الذى تم اختياره من بين قوات لحفظ السلام فى وسط إفريقيا فتصف زوجته تأثر موبوتو بما يراه من عنف فى الحروب وفى الصراعات التى شهدها فتقول : «كنت سعيدة به، والتقطت له صورة وهو يقود سيارة الخدمة الفخمة، بعدها بأيام قليلة لاحظت تغيرا فى سلوكه فقد أصبح كتوما عصبيا لدرجة أنه انصرف عنها فى الفراش، ونام بجوارها صامتا». وتكتمل القصة عند ذروة فنية مهدت لها عناصر السرد المختلفة، من حوار، ووصف، وشاهد، فيصف السارد المشهد العاصف الأخير بما يحمله من مفاجأة تنبئ بمدى تأثير ما رآه الملازم من عنف فى الحروب والصراعات على سلوكه وطريقته فى التصرف، وترصد القصة فى سخرية مريرة العنف الذى أصبح أسلوب حياة. حاولت أن تنام مرة أخرى عندما سمعت طرقا شديدا على الباب: افتح الباب وإلا سأطلق النار. سألت بخوف: من أنت ؟ سمعت صوت حركة البندقية ثم قال الرجل: سأفتح النار بعد العد لثلاثة إن لم تفتحي، بدأ الغريب فى العد : واحد، اثنين.. سألت نفسها: أهكذا يموت الناس بتلك البساطة ؟ ثم سارت فى اتجاه الباب لتفتحه. لم تجد أحدا، كان هناك ظلام شديد، وفجأة سمعت صوت حركة أقدام تخرج من خلف شجيرة الزهور، وتتقدم نحوها. كان شخصا يرتدى زيا عسكريا ويمسك ببندقية فى يده، لاح لها وجه حبيب قلبها، زوجها، انطلقت نحوه بسرعة واحتضنته وهى تردد اسمه. آسف حبيبتي، يبدو أنى أخفتك» العنف ضد الآخر، والعنف ضد الذات وتأتى قصة «أحلام دوري» لتصف حالة من العنف ضد المرأة، فهذه دورى الفتاة صغيرة السن تنقذ صديق والدها من حريق فيتزوجها لكنه لا يحفظ لها هذا المعروف وذلك الصنيع الطيب، فقد كان يضربها لأنه مدمن لشرب الخمر، ومتعدد العلاقات مع النساء، وتصف الكاتبة موسنجا كاتونجى فى قصتها معاناة «دوري». فتقول: «بعد خمسة عشر عاما تحولت «دوري» إلى امرأة معزولة يملأها الصمت والاكتئاب، مازالت على ذمة زوجها، عندما يزورها أحد، تظهر للحظات ثم تختفى، لم تكن تعبأ بغضب زوجها الذى قد يضربها لهذا السبب، لقد اعتاد جسدها الألم فقد تحولت بشرتها الناعمة الرقيقة إلى بشرة خشنة متورمة مليئة بالكدمات والجروح». لم يكن هناك من حل لمشكلة «دوري» غير اللجوء لموهبتها الرسم والبوح لريشتها بكل ما تضطرم به نفسها ورغم محاولتها الانتحار فقد فشلت فى ذلك لأنها عندما استعدت للقفز فى ماء النهر رأت مشهدا غيّر تفكيرها تماما «كان أسد ضخم يشرب من ماء النهر، تماما كما الرؤيا المتكررة فى منامها منذ خمسة عشر عاما. كان مشهدا جميلا، وهى ترى الأسد على الضفة الأخرى من النهر فى ذلك الجزء من الوادى القريب من الغابة يرتوى من مائه مع النخيل والعشب وانعكاس ضوء القمر على المياه». فعادت إلى فرشاتها وألوانها لتحاول إكمال صورة «الأسد والنهر» التى خانتها الذاكرة فى رسم بقية تفاصيلها منذ زمن بعيد، ورغم أن الأسد ترك ضفة النهر الأخرى، ويبدو أنه عاد إلى عرينه فإنها لم تشعر بالخوف لأن النهر كان يحول بينهما، أبدعت رسمتها، وشعرت أن الجنة ليست فى السماء فقط وإنما هناك جنة أخرى وجدتها فى هذا المكان ومع دفتر الرسم والألوان بل شعرت ببهجة وسعادة بالوقت الذى قضته فى رسم اللوحة، شعور لم تذقه منذ خمسة عشر عاما شعرت أنها تسامح زوجها ووالديها ونفسها. لكن الزوج عندما رآها تعود فى ساعة متأخرة سبها وجذبها من رقبتها وهو يحاول دق رأسها فى الحائط متوعدا وكانت عيناه تنطقان بالشر والقسوة وكان سؤالها الدرامى المأساوى: هل تفرح بمحاولته قتلها أم تصرخ للمساعدة ؟ لكن يبدو أن الطاقة الإيجابية التى اكتسبتها من خلال مهارتها فى الرسم وما اختزنته من أحاسيس سارة ومشاعر بناءة جعلتها تنهض لنفسها، وللدفاع عن حياتها، وتصف الكاتبة صراع الزوجين، والعنف المتبادل الذى انتهى بطلاقها ولأول مرة تشعر بالحرية وتبحث عن عمل. وبالفعل تذهب للعمل لدى أسرة «نالومينو» الفنان الذى اكتشف رسوماتها وموهبتها، وأقنعته زوجته بأن ينظم معرضا للوحات «دوري» التى تنتقل إلى مرحلة جديدة من حياتها فأعفاها الفنان من خدمة بيته والأعمال المنزلية لتكرس جهدها لفنها، وهنا شعرت بأنها إنسانة قادرة على العمل والإبداع والنجاح. بيت الأمل وفى هذه المجموعة القصصية هناك حضور قوى للقضايا الإنسانية وخاصة قضايا المرأة، وقد أبرزت هذه القصص قيم التعاطف والتعاون مع الآخرين، ومنها قصة «كل ما تستطيع» للكاتبة إنوك سيمبايا، حيث يوحى العنوان كعتبة للنص بالحث على العطاء، وكأنه أراد أن يقول: ابذل كل ما تستطيع وهو ما فعلته الفتاة «جفت» لرعاية خالتها المسنة بعد أن انتقلت للإقامة معها، كانت الفتاة مدللة فى رعاية والديها، والآن تحملت مسئولية رعاية الخالة، ونضجت شخصية الفتاة بعد أن تحملت المسئولية، وكانت من قبل لا ترتب حتى دولاب ملابسها، وقد اتسمت معاملتها مع الخالة بكل رقة ورهافة وقد أبرزت الكاتبة ذلك من خلال عنايتها بالتفاصيل، حتى أحلام الفتاة قد تغيرت، وها هى تصف عالمها الجديد فى بيت الخالة : «جاءنى النوم سريعا عندما عدت إلى الفراش، مصحوبا بأزيز الثلاجة، وحلمت ان لدى مستشفى سميتها «بيت الأمل»، كانت ذات مبنى كبير، الشجيرات الخضراء تحيط بممرات المستشفى، كان هناك نوافير تسبح فى مائها الأسماك، مياه تخرج من أفواه تماثيل داخل النوافير، أمن المستشفى صارم، لكن الموظفين يتميزون بالود، كل العاملين يبذلون جهدهم لمساعدة المرضى». كان هذا الحلم إرهاصا بما حدث فى الواقع، وكأن نفس الفتاة قد صَفَتَ، فرأت ما يكون عليه حال الخالة فيما بعد فقد ذهبت إلى المستشفى للعلاج، وكان أول ما طالبت به أن تكون معها الفتاة «جفت» وعندما كان عليها أن تغادر المستشفى تقول الفتاة: «أنا خائفة الآن على خالتى، لقد صرت مرتبطة بها للغاية، لا أعرف ماذا أفعل إن فارقت الحياة ؟، ربت أبى على كتفى قائلا : لن أكذب عليك أحيانا يكون أفضل ما نفعله هو التمسك بالأمل والصلاة لله، أحيانا تحدث معجزات، وأتمنى لخالتك أن تشفي، ولكن أهم شيء أن تكونى حاضرة بجوارها وتفعلين ما تستطيعين من أجلها». امرأة بحق وهناك العديد من القصص التى اهتمت بالعالم النفسى الداخلى للمرأة عامة، وللفتاة بصفة خاصة عندما تتطلع لأن تكون امرأة حقيقية وزوجة ناجحة، وهذا ما تدور حوله قصة «امرأة بحق» للكاتبة ماليا سيليو، وتصف مخاوف فتاة مراهقة، تكتسب معلوماتها عن الأنوثة، وتستمع إلى حكايات عن أسرار الجسد والعلاقة الزوجية من جارتها «فيمبي» التى أقسمت عليها ألا تتحدث بما سمعته منها لأمها لأنه عيب كبير، وعندما علمت الأم بذلك نصحت ابنتها بأن لا تستمع إلى كلام الجارة، وأن ليس على الفتاة إلا أن تكون نفسها، قالت لها : «أخبرى جارتنا أنك امرأة كاملة وبحق دون نصائحها الفاسدة، ولا تذهبى إليها مرة أخرى إذا دعتك لمثل تلك الجلسات». وقد غيرت الأم، والخالة من بعدها فى وجدان الفتاة فاكتسبت الثقة فى نفسها فتقول: «لقد خلقنى الله بجمال وعدل وفى أفضل صورة لأقوم بدورى كزوجة وأم جيدة». تصورات وحكايات عن الأشياء وتأتى قصة «أشياؤها» للكاتبة دورا مياتو لترصد حياة مراهقة صغيرة، فتصف تفاصيل عالمها، تعلقها بأشيائها، محبتها للإنفاق على أناقتها، وكل صغيرة وكبيرة من شئون الأنوثة من أحمر شفاه، وطلاء أظافر، وعطور، وبلوزات، وفساتين إلى أن أنفقت كل ما لديها بدون تدبير، وتتحدث الفتاة عن نفسها فتقول : كان على الاتجاه إلى محطة الأتوبيس ليقلنى إلى حيث أقيم، جائعة للغاية لكنى سعيدة راضية بكل ما اشتريته، ركبت الأتوبيس، وفتحت كيس نقودى لأرى ما تبقى من ذفكة، ولن أستطيع وصف شعورى عندما وجدت قطعتين معدنيتين فقد تنظران إلى ببرود ! وحاولت أن تستعين بوالدها لكنها لم تفلح فى الاتصال به، واتصلت بوالدتها لتحول لها رصيدا، واستجابت الأم لكن الموبايل ببطاريته الضعيفة قد توقف عن العمل، وهنا يبرز صديقها القديم «ويليام» الذى يساعدها حتى تصل إلى بيتها وفور عودتها لمنزلها وشحنها للموبايل وجدت رسالة تحويل نقدى من أمها بعد دقيقة من انغلاق الموبايل، وهنا راجعت موقفها من أمها التى تتصورها تنهال عليها بالأسئلة بل هى تسمعها قصة معتادة حين يوشك الشهر على الانتهاء ويحين موعد قبض الراتب، حين تبدأ فى سرد كم تعبت فى تربيتها، وكم أنفقت على تنشئتها.. وفى النهاية تعطيها راتبها – من العمل معها – ناقصا وليس كما اتفقتا عليه من قبل ! فتعترف الفتاة فى خاتمة القصة بأنها كانت ظالمة فى تصوراتها عن أمها فاندفعت إليها تشكرها على النقود التى حولتها لها، اندفعت إليها بكل الحب والحنان. 3117