سطوة المال.. وبريق السلطة.. ثنائي الفساد في مصر، لهذا كان زحف رجال الأعمال نحو السلطة عن طريق مقعد في البرلمان أو في الوزارة، بحثا عن الحماية والدفء في حضن السلطة، ونزلوا ملعب السياسة دون خبرة أو دراية، استغلوا ضعف الأحزاب المنغمسة، في خلافاتها الداخلية، وحصدوا وسط هذا المناخ امتيازات خرافية وتسهيلات بلا حدود بدعم من البيروقراطية المسيطرة علي مقاليد الأمور، فظهرت قضايا الفساد وتنوعت فعرفنا نواب العلاج علي نفقة الدولة، ونواب تأشيرات الحج والعمرة، ونواب القمار، ونواب تهريب المحمول والفياجرا من المطارات والموانئ، ونواب التزوير في مستندات رسمية، ونواب سميحة، ونواب ووزراء الاستيلاء علي أراضي الدولة والمال العام، لتعويض الإنفاق غير المبرر في الانتخابات والبذخ لشراء الأصوات والذمم، وأصبح كل شيء في مصر يباع ويشتري. ووصلت ذروة سطوة وهيمنة رأس المال علي السياسة في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي شهدت أعلي نسبة بلطجة وتزوير بفجاجة وغباء سياسي أدي إلي اشتعال الشارع ودمرت النظام المصري تحت أقدام شباب مصر الرائع الذي أعاد الروح لمصر، ووضعوا حدا فاصلا لمهزلة سطوة المال علي الحياة السياسية، ساهم فيها أن النواب والوزراء القادمين من عالم البيزنس كانوا دون المستوي، وليست لديهم القدرة علي التمثيل البرلماني والتشريع للمجتمع والرقابة علي أداء السلطة التنفيذية «الحكومة» ونفس الشيء لمن دخل منهم الحكومة والذين أطلق عليهم «وزراء البيزنس» الذين أداروا وزارتهم كأنها شركات خاصة بهم، ولا يملكون أدوات العمل السياسي وقواعده، لم يفرقوا بين إدارة شركة وإدارة وطن، الشركة تبحث عن الربح ولو علي جثة الجميع، بينما إدارة وطن تختلف هناك أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية يجب وضعها في السياسات والقرارات والقوانين، حولوا الوزارات لعزب خاصة، أخذوا لأنفسهم الأراضي لتأمين مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم وسددوا ديونهم للبنوك، وتحولوا لأصحاب مليارات معهم عرفت مصر أصحاب المليارات هم وبعض رجال الأعمال المقربين منهم ومن البيروقراطية الفاسدة التي كانت تحكم مصر، تجاهلوا الدستور والقانون الذي يحرم البيع والشراء بين الوزراء والنواب والدولة منحوا أنفسهم أراضي الدولة، واشتروا حصة المال العام في بعض البنوك، شركاتهم ومكاتبهم الخاصة منحوها مناقصات وصفقات من الوزارات التي يقودها.. فكانت النتيجة الطبيعية أنين المجتمع الذي يسمع عن المليارات والأرقام الفلكية والمواطن مرتبه لا يكفي إكمال الشهر، فكانت النهاية الطبيعية هي انهيار سطوة المال والبيزنس ومعهم البيروقراطية الحاكمة والفاسدة معا. - بلاغات! والآن يجري النائب العام تحقيقات واسعة مع وزراء البيزنس، بناء علي بلاغات من مواطنين بحثا عن أراضي وأموال الدولة، ومن ضمن هؤلاء زهير جرانة، وزير السياحة الذي اعتلي المنصب منذ سنوات، وحساسية وزارة السياحة، أنها عصب مهم في الاقتصاد المصري تحقق حوالي 11% من إجمالي الدخل القومي، وصناعة وطنية قوية قادرة علي توفير فرص عمل كثيرة. من الإفلاس.. إلي المليارات.. هذا هو العنوان الذي تقدم به سمير صبري المحامي ود.صلاح جودة ضد محمد زهير جرانة وزير السياحة السابق واتهاماه بإفساد الحياة الاقتصادية والسياسية في مصر والاستيلاء علي المال العام والإضرار العمدي مع سبق الإصرار بأموال الشعب، وتضمن البلاغ أن الوزير السابق يمتلك شركة جرانة للسياحة وشركة تاروت جرانة للنقل السياحي، وأنه تعرض لتعثر مالي أوائل 2004، وأقام البنك العربي الأفريقي دعوي إفلاس شركاته وضده بثلاث شيكات بدون رصيد بحوالي مليون و300 ألف جنيه، وأنقذه وقتها أحمد المغربي وزير السياحة حينئذ بتعيينه مستشارا للوزير، وتوقف البنك عن ملاحقته. - خسائر!! وتضمن البلاغ أيضا الإقرارات الضريبية لشركات جرانة خلال الفترة من 2000 - 2004، تؤكد أن الشركات حققت خسائر خلال هذه الفترة حوالي 350% من رأس المال، وفي عام 2005، حققت شركاته مبلغ 5,8 مليون، مما يعني أن الشركة عوضت خسائر الأعوام السابقة وفوق ذلك حققت 5,8 مليون جنيه! وكشفت تحقيقات نيابة الأموال العامة التي باشرها المستشار أشرف رزق المحامي العام أن جرانة تجاهل قرار مجلس الوزراء بوقف بيع الأراضي أو تخصيص أي أراضي جديدة في الغردقة أو شرم الشيخ، عندما قرر تخصيص 5,4 مليون متر في «وادي جامشا» في الغردقة والمملوكة لهيئة التنمية السياحية إلي سميح ساويرس بسعر دولار واحد فقط، علي أن يسدد 10% من قيمتها بعد إصدار قرار لتخصيص و50% وقت التخصيص، بالمخالفة للقانون، ورغم أن سعر المتر في هذه المنطقة 10 دولارات للمتر، وتم تخصيص 25 مليون متر مربع لنفس رجل الأعمال في البحر الأحمر. وفي عام 2008 خصص جرانة قطعة أرض مساحتها 5,6 مليون متر بشرم الشيخ لمحمود ومنصور الجمال بمبلغ دولار واحد للمتر بدلا من 10 دولارات بالمخالفة أيضا لقرار مجلس الوزراء. - مخالفات!! كما وافق جرانة علي إنشاء شركات سياحية جديدة بالرغم من وجود القرار رقم 519 لسنة 2005 الصادر من أحمد المغربي وزير السياحة في تلك الفترة بحظر تأسيس شركات جديدة لحين الانتهاء من قانون السياحة الجديد الذي سيتضمن رفع رأس المال الخاص بتأسيس شركات سياحية من 100 ألف جنيه إلي 2 مليون جنيه، والغريب أن جرانة نفسه جدد قرار الحظر عام 2006 وكان القرار يتجدد سنويا وأدي هذا إلي ظهور سوق سوداء لتراخيص شركات السياحة، ووصل ثمن بيع الترخيص 3 ملايين جنيه، وهناك قضايا كثيرة مرفوعة علي جرانة والوزارة ممن رفض جرانة منحهم تأسيس شركات، بينما منح آخرين تراخيص، وارتفعت عدد الشركات من 1065 شركة عام 2005 إلي 1900 شركة، ومن هذه الشركات شركة لشاهيناز النجار زوجة أحمد عز، والتي وافق علي إنشائها عام 2008، بل منح هذه الشركة 20% من حجم تأشيرات الحج والعمرة، ومنح شركته 30% من التأشيرات، مما أدي لخفض حصة الحج بين الشركات لتصل إلي ثلاث تأشيرات فقط وللشركات ذات الفئة «ج» وهو ما ألحق خسائر بالشركات وانتشار السوق السوداء لتأشيرات الحج. ومن ضمن الاتهامات التي مازالت تحقق فيها نيابة الأموال العامة مع جرانة اشتراكه مع زوج شقيقة محمود روحي في تأسيس شركة المركز العربي للاستثمار السياحي والعقاري، التي تمتلك «مول داندي» علي طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وهناك مشكلة في أوراق التأسيس واتهامات بتزويرها ورغم ذلك تم استكمال المول، بل وتملك الأرض المقام عليها بدلا من تخصيصها، والاتهام الموجه في البلاغ أن جرانة ألزم جميع الشركات بشراء وحدات لها في المول والذي تم تقييمه بمبلغ 120 مليون جنيه بعد أن كان رأس مال الشركة 10 ملايين جنيه فقط. - إفساد البلاغات المقدمة ضد جرانة هي نموذج ربما مصغر لبلاغات أخري ضد وزراء ومسئولين لمخالفات ارتكبت من زواج المال والسلطة، هذا الزواج الذي حاول أن يرسخ ثقافة سطوة وهيمنة رأس المال علي السياسة، التي أفرزت نواب ووزراء متهمين في قضايا فساد والاستيلاء علي أراض الدولة وأموال البنوك، هذه الثقافة أفرزت ظاهرة يمكن أن نطلق عليها «رجل أعمال الحكومة» الذي لا يري هو ومعه البيروقراطية الحاكمة الفاسدة فرقا بين ماله الخاص ومال وأراضي الدولة، وهذا التزاوج بين المال والسلطة يزال معه كل أنواع الإجراءات والروتين وتيسر كل شيء، ولو نظرنا للدول الديمقراطية لانجد أن رجال الأعمال غير مضطرين للتمسح في السلطة لأن كل خطوة يحكمها القانون، وتوجد آليات لكشف الأخطاء من خلال إعلام حر أو برلمان منتخب قوي لديه سلطات رقابية يحاسب بها الجميع بدون تمييز، وقضاء عادل مستقل.