كتب: أمانى زيان آيات الموافى لمياء جمال ياسمين خلف هل كان علينا دفع الدماء الغالية ثمنا للمطالبة بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية؟! هل كان علي شبابنا أن يضحي بعمره لكي يصل لأهدافه البسيطة، خرجوا في مسيراتهم منادين: «سلمية.. سلمية» واستقبلوهم بالرصاص الحي وأصابوهم في مقتل. لم يكتفوا فقط بالمشاركين في المظاهرات بل ضربوا بشكل عشوائي فأصابوا الشباب في منازلهم وأمام مقر عملهم.. لم يفرق الرصاص بين طفل يرجو الشباب، أو شاب هو كل شيء بالنسبة لأهله، أو حتي فتاة جميلة لم تلبث أن ترتدي دبلة الخطوبة. ذهبنا إلي أهالي بعض الشهداء الذين وهبونا أرواحهم لكي يحققوا لنا الأفضل.. وذهبنا إلي الزاوية الحمراء أولاً فإذا بنا نجد 72 شهيدا، تقابلنا مع أسرهم فمنهم من فقد أبناءه كلهم ومنهم من فقد ابنته الوحيد، تحدثنا مع بعضهم هناك وفي أماكن أخري، ففي كل منطقة في مصر يوجد بيت مكلوم يعتصره الحزن والألم. الشهيدة مريم مكرم لم يمر علي خطوبتها شهر.. شابة في السابعة عشرة من عمرها، لم تذهب إلي ميدان التحرير، ولم تكن تنوي المشاركة في المظاهرات.. كل ما فعلته هو المشاهدة من سطح منزلها في الزاوية الحمراء.. عندما بدأ الشباب هناك في مظاهرة سلمية، ولسوء حظها أنها تقطن في البيت المقابل للقسم الذي فوجئ شباب المنطقة بضباطه وأمنائه يقفون بأسلحتهم يوجهون الرصاص إلي صدور ورؤوس الشباب في الشارع، وبالرصاص الحي. يقول مكرم والد «مريم» رحمها الله.. «كنت أنا وابني قد نزلنا للشارع لمساعدة الناس في نقل الجرحي والقتلي إلي المستشفيات وإذا بي أري ابنتي الوحيدة علي ولدين تقف مع والدتها علي سطح منزلنا.. فانقبض قلبي وصرخت بأخيها «الحق أختك وقل لها تنزل الشقة».. فذهب ميلاد ابني علي الفور وقال لها «انزلي» فردت عليه ضاحكة «لن أنزل أريد أن أصبح شهيدة» أجبرها ميلاد علي النزول هي وأمها. ولكن بعد فترة صعدت مرة أخري دون أن يراها أحد عدا جدها الذي قال لها منذرا «صدقيني يا مريم لو طلعت هضربك» فضحكت وقالت له مداعبة «لن تستطيع» وصعدت مرة أخري لالتقاط بعض الصور لما يحدث، وكانت عمتها معها هذه المرة.. ويصمت لبرهة ثم يكمل محاولا التماسك، رأيتها مرة أخري وأنا أساعد الناس في حمل الجثث.. فتركت كل شيء وذهبت لها، وأنا أصعد السلالم سمعت الصراخ.. وعلمت أنها «مريم»، عندما وصلت وجدت الرصاصة قد اخترقت وجنتها الجميلة فكسرت فكها ودخلت المخ، وسببت لها شللا نصفيا. حاولت حملها لكن أعصابي لم تسعفني فبدأت أصرخ مناديا لأخيها فلم أجده، فجاء أحمد ومحمد وحمادة جيراني وحملوها معي ونزلنا نبحث عن سيارة لنقلها، وبعد لحظات مرت كالدهر ظهر بشوي جاري بسيارته ونقلناها مستشفي اليوم الواحد وهي في حالة نزيف حاد، فوجدت الطبيب يضع لها غيارا علي الجرح ويقول لي اذهب بها لمستشفي!! فأخذتها الدمرداش وأنا صامت وصابر وأسأل نفسي لم لم يقل لي منذ البداية؟! المهم ذهبنا للدمرداش وشفت الأمرِّين.. «اصعد السادس.. لأ الثالث، إلي أن قرروا عمل العملية بعد أن تعذبنا والحقيقة أني عذرتهم لأن كمية المصابين الذين كانوا يتوافدون من كل مكان في هذا اليوم كانت رهيبة وأغلب الإصابات إما في الرأس.. أو الرقبة.. لا أعلم لماذا فعل «حبيب العادلي» هذا ولماذا؟! وإن كان قد أعطي أمرا للجنود والضباط بإطلاق الرصاص الحي.. لم في الرأس؟! وإذا كان قد أمر بالقتل فهل الضابط أو الجندي ينفذ بلا تفكير ولا رحمة؟! ثم ينظر لي ويقول هل تعلمين أن في منطقتنا فقط هنا في الزاوية الحمراء 72 شهيدا.. و132 إصابة ثم أحرق الناس في اليوم التالي القسم وهرب جميع العاملين به. كل ما أرجوه كي تهدأ النار التي في قلبي هو معاقبة الجناة في ميدان عام.. يتم تعليقهم أحياء ونأخذ من أجسادهم أجزاء ليموتوا ببطء.. وأنا سآخذ جزءا من القلب مثلما أخذ هو جزءا من قلبي.. حبيبتي وصديقتي وابنتي مريم العروس التي صعدت إلي الرب. ثم يقول «مكرم»: أنا رغم هذا كله.. سعيد!! لأن أكذوبة الفتنة التي خلقوها انهارت.. ولم يعد هناك مجال للشك بأننا واحد مسيحي ومسلم دم واحد وهذا كله بفضل الشباب الباسل الذي حطم حاجز الصمت وكسر جدار الخوف داخلنا.