«من أول ما ظهر موضوع كورونا ده وإحنا حالنا واقف والمطعم بينش، كانت الزباين فى المواسم والأعياد وليلة رأس السنة بتشتكى من الزحمة وقلة الأماكن، لكن الناس بدأت تخاف، وبقينا بنفرح لما يدخلنا فردين بس فى اليوم حتى». بنبرة غلب عليها الأسى وملامح اعتراها اليأس، تحدث أحمد حسن أحد العاملين بمطعم «ب..» بمنطقة بالدقى، والمعلق على بابه لوحات مكتوب عليها كلمات باللغة الصينية، عن حال المطعم بعد الإعلان عن تفشى فيروس كورونا فى الصين ومختلف دول شرق آسيا ودول العالم. يتعجب أحمد من ردود أفعال المصريين والأجانب الموجودين بمصر، الذين انصرفوا عن ارتياد المطعم بقوله: «إيه اللى يفرق دلوقت عما كان عليه الحال قبل الإعلان عن ظهور كورونا»!!. يرى أحمد أن الوجبات المقدمة فى المطعم هى نفسها ما كانت تقدم من قبل، ويتم إعدادها بنفس الطريقة وبنفس الأيادى التى كانت تجهزها، وهم أنفسم الشيفات الموجودون بالمطعم لم يتم تغييرهم، وما زالوا حريصين على الحفاظ على نظافة عناصر الوجبات وغسلها جيدًا. «بنستخدم مياه الفلتر باستمرار، واللحوم عندنا بيتم غسلها أكتر من مرة، وحاجتنا طازة أول بأول بنجيبها ونستخدمها، وقليل لو استخدمنا لحوم مجمدة»، يؤكد أحمد، مضيفًا أن العاملين بالمطعم، والمنقسمين إلى 3 مصريين واثنين صينيين الجنسية، يعملان بالمطعم من قبل أزمة كورونا، ودائمًا ما يحافظون جميعًا على نظافة المكان وتطهيره وتعقيمه باستمرار بمختلف المواد المعطرة. «عندنا كل واحد شغال فى المطعم وبيقدم الأكل وبإمكانه وصف كل صنف موجود فى المنيو لأى زبون حابب يستفسر وأول مرة يأكل أكل صينى، وبنجيب له الحاجة المناسبة لطلبه، وبنقدم له أشهى الأصناف عشان يحب الأكل الصينى ويجيلنا تانى»، قال أحمد وهو يقدم لى إحدى الوجبات المحتوية على الدجاج المطبوخ على الطريقة الصينية الغارقة بصوص لم أتذوقه من قبل، لكنه المذاق المائل إلى الطعم الحلو المحتوى على بعض حبيبات السكر بالرغم من كونه حارًا جدًا. بعدها قررت تجربة صنف من أصناف الحلويات الموجودة بالمنيو فطلبت الموز المحمر بالآيس كريم، هذا التحمير الذى أعطى للموز مذاقًا مختلفًا جديدًا يرطبه آيس كريم الفانيليا المصاحب له. كنت بمفردى فى المطعم لأكثر من ساعة، ولم يدخل فرد واحد للمطعم، فقد كان المطعم المسمى على اسم العاصمة الصينية، خاليًا ليس به سوى الشيفات والعاملين. اللجوء للإعلان عن أصناف جديدة «بدأنا نعلن عن وجبات جديدة، بعروض مختلفة، أصناف جديدة من الحلويات مكنتش موجودة من كام شهر يمكن الناس تتحمس وتيجى، وفعلًا جالنا مجموعات من الأصدقاء لمدة أيام مستمرة وطلبوا الأصناف الجديدة اللى أعلنا عنها، لكن بعد أسبوع رجع الحال زى الأول وأسوأ». هكذا قال أسامة محمد، أحد المسئولين عن السوشيال ميديا بمطاعم «ب»، والذى يبذل قصارى جهده لجذب الزبائن من المصريين والأجانب إلى المطعم، من خلال صور الأكلات الصينية التى يقوم بوضعها على صفحة المطعم على الفيسبوك، التى بمجرد النظر إليها وإلى المكرونات واللحوم الغارقة بالصوصات المختلفة والدخان المتصاعد منها، تشعر بالجوع الشديد وبرغبتك فى الذهاب إلى المطعم على الفور لتجريبها، إلى جانب الوصف المصاحب لكل صورة والذى يظهر مكونات كل أكلة والتوابل الموضوعة بها. مستر لى: الشباب أهم روادنا «المصريون ما زالوا يأتون إلينا، ولكن المصريين بطبيعتهم روتينيين لا يحبون التغيير ولا يستصيغون المذاق الغريب»، بتلك الكلمات تحدث إلينا مستر لى، الشيف بمطعم «تشو...» الموجود بالمهندسين، وهو شيف صينى يعمل بمصر منذ أكثر من 8 سنوات، تعلم خلالها اللغة العربية وأصبح يتحدث بها طوال الوقت، فجميع زملائه بالمطعم مصريون، إلى جانب أن غالبية رواد المكان مصريون، فقلما يستخدم لغته الأم فى الحديث، إلا فى حالة دخول أفراد صينيين إلى المطعم أو أحد الأفواج السياحية الآسيويين، فهو يتحدث اللغة العربية الفصحى بطلاقة. يشرح لى لرواد المطعم الوجبات التى يقدمها وماهية مكوناتها، موضحًا أنه لا يشعر الآن بالغربة وسط زملائه، ف«المصريون عشريون»، هكذا عبر بطريقته المثيرة للضحك وبملامحه الهادئة التى تعبر عن اللغة العربية ومصطلحات المصريين المتداولة بابتسامة ثابتة على وجهه، «أحبنى المصريون وأصبح لى أصدقاء يسألون عنى ويأتون مطعم «تشو...» من أجلى»، هكذا قال. «زى ما مستر لى قال، المصريين بيخافوا من التجديد، بيستغربوا الطعم الجديد وقليل لما يحبوه، خصوصًا الناس الكبيرة فى السن، عشان كدة أغلب رواد المطعم شباب ومجموعات أصدقاء بييجوا مع بعض»، هكذا قالت ميرنا عادل، الفتاة العشرينية التى تقدم الطلبات للزبائن بالمطعم، موضحة أنه قلما ترى أسرًا كاملة تأتى لتناول الطعام بالمطاعم الصينية عامة، حتى الأفراد الذين اعتادوا المجيء غالبًا ما يطلبون الأصناف ذاتها التى يطلبونها كل مرة. ترى ميرنا أن فيروس كورونا لا يؤثر عليهم ولا على سمعة المكان، فعاداتهم فى الطبخ والنظافة لا تختلف، وعناصر الأكل كلها مصرية، لكن يتم إعدادها على الطريقة الصينية التى يجيدها مستر لى، فهو من يدير المطبخ ويعلم باقى شيفات المطبخ كيفية إعداد الأكلات الصينية، وعلى معرفة جيدة بكل ما يستجد فى المطبخ الصينى وينقله بأمانة لكل من يعملون به. وعن اسم المطعم، قالت ميرنا إنه اسم مستوحى من طريقة تناول الطعام فى الصين، فالعصيان هى بديل الملعقة والشوكة التى يستخدمها المصرى فى تناول الطعام، وبدخولك للمكان أكثر من مرة وبالتعود بإمكانك استخدام هذه العصيان للإمساك بقطع اللحم والدجاج والباستا وحبات الأرز. مطاعم المولات لم تتأثر أما بالحديث عن «Wok and walk»، فكأن المصريون يتحدون الأخبار اليومية عن تفشى فيروس كورونا، ويقولون للجميع إنه لا عائق أمامنا ولا شيء يمنعنا عن تلبية رغبات شهيتنا ومتعتنا فى الحياة، فحتى الآن كلما ذهبت لهذا المطعم لا يمكنك أن تجد مكانًا خاليًا بالداخل للجلوس وتناول الطعام، خاصة بداخل المولات الكبيرة، فبكايرو فيستيفال، المصريون ينتشرون داخل Wok and walk، تحفزهم الرغبة فى التجربة، الأصدقاء يتحدون بعضهم البعض فى الأصناف الأكثر «لهلبة» كما وصفوا، يطلبون أكثر من صنف للتجربة ويأخذون معهم لعائلتهم بالمنزل، والعاملون بالمطعم لا يلاحقون على الطلبات، خاصة من بعد السادسة مساءً، الوقت الذى ينتهى فيه الجميع من عمله ودراسته ويذهب لقضاء وقت لطيف بصحبة أسرته والأصدقاء. مش ملاحقين على الطلبات «لا أستطيع أنا وزملائى تلبية جميع طلبات المصريين الذين يطلبونها فى وقت قصير، خاصة أيام الإجازات الرسمية وبنهاية كل أسبوع، فالشباب المصرى محب للتجربة وطلب الأكلات الشهية التى يرونها بالصور على صفحة المطعم على موقع فيسبوك»، هكذا قال يوهان يونج، أحد العاملين بمطعم Wok and walk الذى يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، وهو سعيد بوجوده فى مصر واختلاطه بالمصريين الذى أحبهم كثيرًا كما قال، ويسعد بتلبية طلباتهم ووصف الأكلات لهم، وهناك بعض الأطفال الذى يلعبون معه وبفكاهة يسألونه عن سبب تغير ملامحه عنهم. وأكد يوهان أن المطعم يهتم بتعقيم أرضيات المكان والترابيزات وأماكن تجمع الزوار باستمرار، كما أن للمطبخ منظفات خاصة يحضرونها يوميًا ويستخدمونها بعد الانتهاء من إعداد كل صنف، كما أن عناصر الطعام ذاتها، يتم غسلها جيدًا وتطهيرها وطبخها بطريقة صحية تمامًا، ويقدم المطعم أكلات healthy لمحبى أكلات الدايت الخفيفة، «كورونا لم تؤثر علينا والمصريين جامدين أوى»، بفكاهة قالها يونج. حبيت الأكل بالعصيان وبالحديث مع رواد المطاعم الصينية، قالت سلمى صلاح أنها تحب تجربة كل ما هو جديد منذ صغرها، وتحب الأكل الحار والصوصات المختلفة ذات المذاق غير المعتاد، خاصة بعد دخولها كلية الآداب قسم صينى واختلاطها بالأساتذة الصينيين، الذين كانوا يصطحبون الطلبة فى بعض الأحيان لأحد المطاعم لتناول الأكل سويًا كنوع من أنواع التقارب، وباختلاطها معهم أحبتهم وأحبت لغتهم وأحبت أيضًا مذاق الأكل الصينى وطريقة تناوله التى كانت مرهقة بالنسبة إليها فى البداية كما وصفت. «حبيت قوى المطاعم الصينية والأكل فيها وطريقة أكلهم، ده غير ديكور أى مطعم آسيوى أو صينى بيكون مختلف وعلى جدرانه لوحات كلها حروف من اللغة الصينية .. بطبيعة دراستى كنت مستمتعة وأنا قاعدة فى المطعم لأنى قادرة أفسر الحروف وأقرأها وأفهم بتقول إيه»، هكذا قالت سلمى. إنجى: المطاعم الصينية عليها أمم «موضوع كورونا مش فارق مع الناس خالص، فى عربية سوشى فى شارع 9 فى المعادى كل الناى بتعدى تأكل من عليها وأنا لسة جايبة منها من يومين جبت كذا قطعة، ده غير مطعم Wok and walk اللى موجود فى نفس الشارع، عليه أمم كل يوم وناس قاعدين بياكلوا ولا هاممهم»، هكذا تصف إنجى سالم مهندسة البترول، التى تهوى الأكل الصينى، موضحة أن العاملين بهذه الأماكن يعملون بمصر قبل ظهور الفيروس بعدة سنوات، فليس هناك داعٍ للقلق أو الخوف، غير أن غالبية العاملين بهذه المطاعم مصريون. وأكدت إنجى أن جميع المطاعم الصينية التى تعرفها تعمل بكفاءة حتى الآن وبنفس نسب الإقبال عليها، باستثناء مطعم واحد وهو «مورى...» نظرًا لارتفاع أسعاره منذ افتتاحه وليس لفيروس كورونا. مريم: الاحتياط واجب «بصراحة بدأت أخف من مرواحى لأى مكان ممكن يتواجد فى صينيين.. بحب أكلهم جدًا وطريقة كلامهم والأصناف الجديدة اللى بيقدموها، لكن الاحتياط واجب»، هذا رأى مريم هانى مدرسة اللغة الإنجليزية، فبعد انتشار فيروس كورونا، حذرتها والدتها من الاقتراب من المطاعم الصينية أو الاختلاط بمن فيها أو تناول أى عناصر غذائية من الممكن أن تكون حاملة للفيروس، فمن يدريها أن تكون هذه المكونات غير مستوردة من الصين؟!، هكذا قالت بخوف.