السؤال المتكرر هذه الأيام.. وماذا عن الرئيس الأمريكى القادم؟ وهل استمرار دونالد ترامب فى رئاسة بلاد العم سام صار أمرًا محسومًا لا جدال فيه؛ خصوصًا أن الحزب الديمقراطى لايزال يتخبط فى اختيار المرشح المنافس أو صار منقسمًا حول ما تراه فرق الحزب المختلفة والمتصارعة حول أولويات وتحديات الواقع الأمريكى وسُبل معالجة أو حل هذه القضايا؟. الكل يراقب باهتمام وقلق وخوف!! وعام الانتخابات الأمريكية- كما جرت العادة- هو مناسبة سياسية أو تقليد سياسى يتكرر كل أربع سنوات لإعادة النظر فى كل ما يخص الأمريكى فى حياته اليومية. وأيضًا لإعادة تقييم وتحليل كل ما قيل وما يقال فى المَشهد السياسى. إنها فترة كشف المستور أو إسقاط الأقنعة بما تحمله من تبعات وعواقب سوف تعيشها أمريكا ومعها باقى دول العالم فى السنوات المقبلة!! التساؤلات كثيرة والإجابات لها عديدة ومتناقضة وغير حاسمة أكثر من أى وقت مضى. وتزيد من ضبابية المشهد. ترامب لولاية ثانية؟! هل أمريكا مستعدة لفترة ثانية من حُكم ترامب؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف سيكون ترامب وهو يتولى زمام الأمور فى ولاية ثانية بعد أن فرض أسلوبه المنفرد وتويتاته الطائشة وقراراته الفردية على عملية اتخاذ القرار منذ بداية ولايته الأولى فى يناير 2017؟. وترى من سيكون فى إدارته المقبلة؟ بعد أن طفّش أغلب من كانوا معه من قبل، وترامب ضرب رقمًا قياسيّا فى أرقام من تركوا الإدارة (أو أرغموا على تركها) أو من تخلص ترامب منهم ومنهن طالما لم يكونوا على هواه.. أو تمرّدوا بشكل أو آخر على مواقفه وسياساته. ولا شك أن قيام مجلس الشيوخ صاحب الأغلبية الجمهورية بتبرئة ترامب من التهم الموجهة إليه إساءة استخدام السُّلطة وعرقلة عمل الكونجرس سوف يلعب دورًا مُهمّا فى خطاب ترامب الانتخابى للحديث المتكرر، ليس فقط عن سوء نوايا الحزب الديمقراطى فى عرقلة عمل ترامب من أجل تحقيق أمريكا أولًا؛ وإنما التذكير بأن الحزب الديمقراطى يعمل ضد مصالح الشعب الأمريكى وحريته فى اختيار رئيسه. هكذا تتم صياغة الخطاب الشعبوى الأمريكى بهدف دفع الجماهير المؤيدة لترامب وتواجهاته للعمل من أجل إبقائه فى البيت الأبيض. ما يُسمى الوصف التفصيلى للعام الانتخابى الأمريكى بكل تعقيداته ضرورة لا مَفر منها لفهم الواقع والمنتظر والمأمول. فما تتم تسميته عادة بالسباق الانتخابى لا يمكن الاكتفاء بالتعامل معه كسباق خيل.. ومحاولة التنبؤ أو التكهن بمن سيصل إلى خط النهاية وينال لقب الفائز أو المنتصر. فالعملية الانتخابية أعقد وأخطر من مجرد سباق؛ خصوصًا أن هذا السباق الانتخابى وما يثار حوله وبسببه من تبعات وعواقب سياسية واقتصادية وإنسانية وفكرية وأخلاقية وحضارية صار مسألة حيوية ومصيرية تتشكل من خلالها حاضر ومستقبل أمريكا ومن ثم يوم وغد كل مناطق العالم. حدوتة التدخل أو عدم التدخل!! ولا شك أن حدوتة تدخُّل أمريكا أو عدم تدخُّلها (أو ادعاء ذلك) بشكل أو آخر فى شئون العالم وفى شئون منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا فى ولاية ترامب، لا يمكن التعامل معها بمنطق ومفهوم العقود السابقة من التعامل مع صاحب القرار الأمريكى والبيت الأبيض. فدبلوماسية ترامب لا تعترف بخبرة وحنكة الدبلوماسيين. كما أن سياسة ترامب الخارجية تتعامل مع قضايا العالم بمفهوم إيمانه هو الصفقات. واشنطن وتل أبيب وكل عواصم دول المنطقة تدرك وتعى أن قواعد اللعبة قد تغيرت أو اللعبة نفسها قد تغيرت. ونظرة لخريطة المنطقة وقراءة أولية لعناوين الأخبار الرئيسية الخاصة بأحداث وتطورات المنطقة دولة وراء دولة تكشف حجم التغييرات الآنية والقادمة التى شهدتها أو قد تشهدها المنطقة. بالمناسبة يجب التذكير هنا بأننا فى أغلب الحالات لسنا بصدد خرائط جديدة لتقسيم الدول بل بصدد خرائط لتقسيم نفوذ دول دولية أو إقليمية داخل الحدود الرسمية لدولة ما فى المنطقة. وهذه التغييرات المتلاحقة والمتلاهثة لا يمكن التعامل معها بمنطق التشاؤم أو التفاؤل فقط. فالحواديت بدأت ومستمرة وتأخذ مسارات غير متوقعة أو محسوبة من قبل وغالبًا لا تلتزم بالتسلسل المنطقى.. ولذلك من الصعب الانتهاء منها بالقول إياه خلصت الحدوتة.. حلوة ولّا ملتوتة!! الحزب الديمقراطى إلى أين؟ فى المشهد الانتخابى الأمريكى الحالى لا شك أن التساؤل المُلح والمتكرر حول ما يسمى البديل الديمقراطى لترامب سوف يسيطر على أجواء النقاش والجدل الدائر؛ خصوصًا أن ترامب فى نهاية المطاف واضح وصريح ومحدد وغير دبلوماسى وغير متذبذب وأيضًا متشبث ومتمسّك فى مواقفه ووعوده وتويتاته بالطبع. وهذا هو خطورته وسرّ شعبيته لدى مؤيديه. صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية وهى تتناول المنافسين الديمقراطيين لترامب قالت إن كلّا من برنى ساندرز ومايكل بلومبرج لهما توصيفهما المختلف والمتباين لمطالب وتطلعات وآمال الديمقراطيين فى عام 2020. وحسب الصحيفة الأمريكية ساندرز يعتقد بأن الديمقراطيين على استعداد للإطاحة بالنظام القائم. أمّا بلومبرج فيرى أن الديمقراطيين يريدون ببساطة هزيمة ترامب. ساندرز (78 عامًا) بخياراته الاشتراكية (كما يقال) يتمتع بشعبية هائلة وسط الأجيال الجديدة ولدى التيار اليسارى المتشدد فى الحزب الديمقراطى. فى حين أن الملياردير مايكل بلومبرج (وتقدّر ثروته بأكثر من 62 مليار دولار) يوصَف بأنه الرأسمالى الديمقراطى (وعمره 78 عامًا). وكان بلومبرج عمدة مدينة نيويورك من 2002 إلى 2013. ولا شك أن الناخب الديمقراطى رُغم اتفاقه على ضرورة مواجهة ترامب وعدم إبقائه فى البيت الأبيض؛ فإنه يفتقد حتى الآن الإجماع حول مرشح يعبر عنه ويستطيع إطاحة ترامب فى الانتخابات المقبلة فى شهر نوفمبر المقبل. الناخب الديمقراطى يَعرف ويُدرك أن الانقسام حول مرشح ما بعينه له عواقب سلبية فى المواجهة المقبلة مع ترامب. إلّا أن تمسكه بمواقفه من القضايا الاجتماعية والمالية على وجه الخصوص يزيد من الانقسام الواضح.. وفى رأى البعض المتنامى أيضًا وسط صفوف الديمقراطيين. وهنا تأتى لحظة مواجهة الذات ومحاسبتها فى تقدير المواقف وحساب معادلات التوافق والاتفاق حول المرشح المطلوب والمأمول لمواجهة ترامب. ولم تتحدد بعد وبوضوح ملامح ميول وخيارات الأقليات الأمريكية العديدة. ومنها على وجه الخصوص الأمريكى الأسود وأيضًا الأمريكى اللاتينى. فالأقليات أو من يمثلون القطاع العريض والمتنامى من المجتمع الأمريكى لهم قول (أو يجب أن يكون لهم قول) حول مستقبل أمريكا.. مستقبلهم فى أمريكا الغد.. أمريكا التنوع والتعدد وقبول الآخر والمساواة وعدم التراجع عمّا تحقق فى هذا التوجه.. عبر سنوات التاريخ الأمريكى. مهمة الصحافة الصعبة! ومثلما أقول وأحكى دائمًا فان الإعلام الأمريكى والصحافة الأمريكية لهما دور حيوى فى متابعة المَشاهد الأمريكية المتتالية مَهما كان رأيها فيما يحدث أو يقال؛ خصوصًا أن التيارات الشعبوية والغوغائية تحاول التقليل من شأن دور الصحافة الكبرى وتسعى إلى التشكيك فى مصداقيتها والتسخيف من أدائها المهنى. الصحافة الأمريكية فى هذا التوقيت تحديدًا تقوم بما كانت تقوم به من قبل أو عليها أن تقوم به فى كل الأوقات. فالهدف ليس المعارضة أو التأييد بقدر ما هو فهم الواقع بتفاصيله وحماية ما حدث من تقدُّم وتحضُّر سياسى اجتماعى على مَرّ العقود. وأيضًا المساهمة فى زيادة وعى الأفراد والمجتمع ومساعدتهم فى التمييز والاختيار. وسائط التواصل الاجتماعى تويتر وفيسبوك وأخواتهما لها النفوذ والتأثير السلبى والإيجابى معًا لذا تتعامل معها الصحافة الأمريكية بحذر وحكمة وبجدية.. وتغربل هذا الطوفان من الآراء والمواقف الطائشة وتميز بين الصادق والكاذب.. وتحاول أن تساعد الرأى العام على أن يقوم بنفسه بهذا التمييز والتصنيف.