المعركة الانتخابية الرئاسية تزداد حدة وضراوة .. وأيضا تزداد غموضا وقلقا. خاصة أن "دونالد ترامب" بعد أن ضمن نجاحه في انتزاع ترشيح الحزب الجمهوري لا يزال متمسكا بلغته السياسية الغوغائية في التعامل مع كل من يراه عائقا أمام تقدمه الى البيت الأبيض. وفي المعسكر المقابل الحزب الديمقراطي يبدو أن "بيرني ساندرز" بشعبيته الكاسحة خصوصا لدى الأجيال الجديدة لا يريد أن يتراجع في معركته ضد "هيلاري كلينتون" مهما كانت نتائج الانتخابات التمهيدية, كما أن أغلب مؤيديه لا ينوون أن يعطوا أصواتهم لهيلاري في نوفمبر المقبل في الانتخابات الرئاسية. وتشير أغلب استطلاعات الرأي الى أن الناخب الأمريكي بشكل عام لم يحسم بعد أمره. وقد أصبح لافتا للأنظار ومثيرا للانتباه والقلق معا تقلص حجم ونفوذ القيادات الجمهورية المعارضة لترشيح ترامب مع مرور الأيام وزيادة عدد الذين "يهرولون اليه" ويواكبون الموجة الصاعدة أو يركبون تيار ترامب المندفع والكاسح بلا تردد. اعلان "بول راين" رئيس مجلس النواب تأييده لترامب خلال الأسبوع الماضي أثار كثيرا من علامات الاستفهام والتعجب حول "غموض" ما يحدث وراء الكواليس، وفي صفقات مع "ترامب" باسم الحزب الجمهوري وأيضا عن مستقبل الحزب العريق. ومهما قيل بأن "ترامب" في نهاية المطاف قد يلتزم ببرنامج الحزب الجمهوري فان ما يحدث الآن في رأى المراقبين أن "ترامب" يشكل أو "يشوه" الحزب على مزاجه وحسب مقاسه. ولذلك لم يكن بالأمر الغريب أن تعلق صحيفة "واشنطن بوست" على تأييد راين لترامب في افتتاحية لها بالقول:" انه يوم حزين للحزب الجمهوري ولأمريكا". ولا شك أن "ترامب" مع مرور الأيام لم يبدل أو يهذب أسلوبه "الأهوج" في المخاطبة أو التلاسن، وأيضا في تويتاته المتلاحقة. كما أنه "لم يرتفع بعد" الى مستوى المرشح للرئاسة كما نوه بعض المعلقين وبالتالي عليه أن يقوم بتحسين أدائه والاستماع الى نصائح مستشاريه. وبالطبع أن يستعين بالأفضل منهم اذا لزم الأمر ذلك. ولم تتوقف التكهنات حول الأسماء المرشحة كنائب للرئيس بالنسبة لترامب وان كان أحد مستشاريه ذكر منذ أيام أن المرشح غالبا سيكون من له أو لها - دراية ومعرفة بادارة الأمور في واشنطن ومن له صلات طيبة مع الحزب وقياداته. ولا جدال فى أن"هيلاري كلينتون" المرشحة الديمقراطية بخطابها الخاص بالأمن القومي والسياسة الخارجية نجحت في الحديث عن مخاطر تسليم أسرار وأزرار الأمن القومي لترامب. اذ شرحت كلينتون بأمثلة محددة ما قاله ترامب من تصريحات وتهديدات تجاه أزمات عالمية. وبينت ما قد يكون عواقب جهله وتجاهله لأساسيات ومتطلبات التعامل مع العالم الخارجي ومواجهة تحدياته.الخطاب الذي استمر 35 دقيقة كان تقديم "كشف هيئة" لترامب ..الذي صار فى حاجة الى "أطباء نفسيين" بكل التأكيد حسب قول كلينتون. والمرشحة الديمقراطية بلا شك بخبرتها في العمل العام وادراكها لمتطلبات صناعة القرار وادارة شئون البلاد تعد الأقدر والأكثر دراية الا أنها ما زالت في موضع التشكيك تجاه نواياها وصدقها. بالنسبة للانتقادات الموجهة لكلينتون فانها في الغالب تنحصر في القضايا التالية: أولا أنها كذبت وتكذب وتواصل كذبها سواء كان الأمر متعلقا بملف الايميلات أو ملف بنغازي أو علاقاتها الممتدة بأصحاب المصالح والنفوذ. وأنها في كل هذه الأمور اما كذبت أو تفادت قول كل الحقيقة. وثانيا: انها ليبرالية جدا في أفكارها ومواقفها وبالتالي ستكون هكذا في اختياراتها السياسية وترشيحاتها للقضاة، مما يمثل تهديدا للقيم والمبادئ المحافظة التي يدافع عنها بشراسة اليمين الأمريكي المتشدد في الحزب الجمهوري. أما الانتقاد الأشمل والمتكرر بشدة على لسان أغلب المعلقين الجمهوريين هو "لا يمكن أن نقبل بوجود فترة ولاية ثالثة لأوباما" على أساس أن كلينتون في حالة انتخابها ستواصل مسيرة أوباما وستتمسك بما أنجزه من تشريعات وما أختاره من سياسات كانت وما زالت تعد كارثية (هكذا يقولون) بالنسبة للحزب الجمهوري ولأمريكا بشكل عام. ولا يتردد أغلب المراقبين للمشهد الانتخابي في ابداء تخوفهم تجاه ما قد يحدث داخل صفوف الحزب الديمقراطي. بحيث يفشل الحزب في نهاية المطاف في ضمان وصول مرشحه للبيت الأبيض ويصبح "ترامب" رئيسا للبلاد. أمر قد يكون واقعا في الخريف المقبل. "سيناريو كابوسي" محتمل ووارد يثير الفزع والهلع داخل أمريكا بشكل عام. ما قاله "ترامب" في وقت ما عن طرد المهاجرين المكسيكيين والآخرين واقامة سور عال بين أمريكا، والمكسيك، وأيضا بما لوح به من منع قدوم المسلمين الى أمريكا وشعارات أخرى عنصرية كريهة وغوغائية مخيفة لم يتراجع عنها. بل ظل يتباهى بها ويؤكد أنه اذا تسلم السلطة فإنه سيعمل على تحقيق هذه الشعارات .. حتى تصبح أمريكا كما كانت من قبل الأقوى والأعظم!.