«الغارمات» أمهات وسيدات، وضعتهن ظروفهن الاجتماعية، فى أقفاص المحاكم كمتهمات ثم أُلقى بهن فى غياهب السجون، ثمنًا لتزويج بناتهن أو علاج أزواج وأبناء يعولهن، ليتحولن من سيدات مضحيات، إلى «أرباب سجون» وما أقساها من تجارب، كانت دافعًا لتبنى «مؤسسة مصر الخير» برنامجًا إنسانيًا يستحق التقدير والإشادة لتحرير الغارمات، ومساعدتهن على توفير مصدر للرزق ومقومات حياة كريمة. برنامج مؤسسة «مصر الخير» لتحرير الغارمات، نجح حتى الآن فى فك كرب نحو80 ألف غارم وغارمة، منذ إطلاق البرنامج، مع توفير فرص عمل ومشروعات اقتصادية لهم تحسن ظروفهم المعيشية.
حكايات الغارمات تفاصيل إنسانية، تستحق التأمل وترصد «صباح الخير» غيضًا من فيض مآسيهم فى قرية أطفيح بالجيزة، وكيف ساندتهن مؤسسة «مصر الخير» لفك كربهن. «خفت على بناتى وقلت أجوزهم» «جيهان رمضان تمام» 42 عامًا وأم عائلة ل6 من أبنائها، مع زوجها الذى يعانى مرضًا عضالًا، تروى حكايتها قائلة: «اضطررت أمضى على إيصالات أمانة عشان أجوز بنتين عندى، ومضيت على شيك على بياض، وأصحابها طالبونى بسداد إيصال قيمته 18 ألف جنيه وآخر بقيمة 80 ألف جنيه، وزوجى عاجز، فتراكمت الديون علىّ ومقدرتش أسدد الفلوس، واتحكم علىّ بالسجن سنتين ونصف، وبعد 55 يوما بالضبط، تدخل محامٍ من مؤسسة مصر الخير، ودفع لى الدين فى مجمع المحاكم التابع لمحافظة بنى سويف، وتوقف تنفيذ الحكم». تتابع جيهان: بعدها المؤسسة وفرت لى معاشًا شهريًا 700 جنيه لسداد الدين على مدى ثلاث سنوات، أنا مكنتش متوقعة انى هاطلع تانى وأشوف الدنيا، بعد الإهانة اللى شعرت بها فى السجن، وما زالت مساعدات «مصر الخير» لى مستمرة فى توفير العلاج والأدوية لزوجي، واحتياجات أبنائى وإيجار السكن، وهناك إجراءات لفتح كشك قريب من سكنى، حتى يكون مصدر رزق لأسرتى». الحبس ثمن علاج زوجى «أنهار سليمان محمد» سيدة فى العقد الرابع من عمرها، فقدت حريتها بالسجن ثمنًا لإنقاذ زوجها من مرضه بالكبد والكلى، بعد أن اضطرت لاستدانة مبلغ لشراء الأدوية، ووقعت على شيكات بمبالغ أكبر لضمان حق الدائن، وفوجئت بأنها لا تستطيع التسديد، ولعجزها عن السداد قاضاها الدائن وتم الحكم عليها بالسجن 5سنوات. مأساة أنهار تضاعفت بوفاة الزوج، وتحملها مسئولية 5 من الأبناء، ولم تجد أمامها مفرا من توقيع إيصالات الأمانة والشيكات «على بياض»، لتجهيز ابنتها للزواج، وفكرت فى السفر للهروب من قبضة أصحاب الإيصالات، وعدم قدرتها على الإيفاء بقيمة الدين المطلوب، ولكن شكاواهم فى جميع المراكز حاصرتها، وتم القبض عليها. «مصر الخير» ساهمت فى الإفراج عن أنهار بعد أن قضت 25 شهرًا فقط فى السجن. تقول أنهار: «طلعت فى شهر 3 اللى فات، وفتحت لى مؤسسة مصر الخير مشروع دواجن، وقامت بتمويله، وسداد إيجار المكان المخصص لتربية الدواجن حتى بيعها، وأصبح المشروع مصدر دخل لى ولبناتى، ودايما «مصر الخير» بتتواصل معانا فى المواسم والأعياد، ومش مقصرين». ناعسة..اتسجنت ثمنًا لبضاعة خضار ب5 آلاف جنيه بعد أن أصبحت «ناعسة محمد» على مشارف الستين من عمرها، تعرضت للسجن فى حكم بحبسها ثلاث سنوات لعجزها عن سداد مبلغ 5 آلاف جنيه ثمنًا لبضاعة خضراوات.. تحكى ناعسة: «كنت أعمل بائعة للخضراوات، وتعرضت لحادث، تسبب فى فقد بضاعتى، واضطررت إلى استدانة ثمن البضاعة البديلة وهو 5 آلاف جنيه من أشخاص أعرفهم، ولكن تضاعفت فوائد القيمة المالية بمرور الوقت، وطالبونى بسداد 30 ألف جنيه أو السجن، ولأننى لم أستطع السداد، رفعوا ضدى قضية، وتم الحكم علىّ بالسجن ثلاث سنوات، قضيت منها 6 شهور فى السجن، حتى ساعدتنى مؤسسة مصر الخير وخرجت من السجن». اغرورقت دموع ناعسة وهى تتذكر تجربتها المؤلمة ثم تعود للابتسام قائلة: «لدىّ 6 من الأبناء، وأعاننى الله على تزويج 3 بنات وولدين، وزوجى معاشه قليل، وأعمل فى البيوت، لاستكمال المصاريف، ووقعت على نفسى إيصالات أمانة لتجهيز أبنائى، وسددت مصر الخير ديونى وقيمتها 56ألف جنيه وخصصت معاشًا شهريًا لأسرتى بقيمة 500 جنيه شهريا، واستمرت مساعدات مصر الخير لنا من بطاطين وألحفة، ومنحتني10 آلاف جنيه فى حفل عيد الأم، وفى رمضان يعطوننى كرتونة 25 كيلو، ولو احتجت أى شىء أتصل عليهم ولا يتأخرون فى تلبية ما نطلبه». «أمل فتيات الغارمات فى مصنع أطفيح» أمام الأنوال الخشبية، يجلس عدد من فتيات قرية أطفيح بالجيزة والابتسامات وعزيمة التحدى تعلو وجوههن، ينسجن خيوط الكليم اليدوى، وخيوط الأمل لحياة أكثر أمانًا واستقرارًا لأسرهن، وليعدن الروح أيضًا لحرفة تراثية مصرية كادت تندثر. «عزة قرنى - 24 عاما»، تستيقظ فى السادسة صباحًا يوميًا، لتكون على رأس عملها بالمصنع، تتسلم عملها فى السابعة وتعمل حتى الرابعة عصرًا، وأصبح لديها الآن خبرة فى مجال صناعة السجاد اليدوى تتخطى 4سنوات وتحكى عزة: «اشتغلت فى المصنع هنا بعد ما فتح بسنة، وقدمت كل الأوراق المطلوبة، واتصلوا بى بعد أسبوع، وأخذت مدة تدريب قليلة لأن عندى خبرة من الأساس فى الصناعة اليدوية، ولاحظت أن المصنع هنا أحسن من أى مكان لأنه متميز فى توفير كل الإمكانيات للعمل، وراتبى الشهرى 815 جنيها، وفخورة بالحاجات الجميلة اللى بعملها أنا وزمايلى، وبأتمنى ترجع المهنة من تانى، وكلنا نشتغل فيها» «جهاد وعزة – 18و20 عاما» فتاتان أخريان تجلسان على نول خشبى واحد فى المصنع وتقول عزة: «أحب الشغل اليدوى وكل منتجاته، ولم أتردد لحظة فى التقديم للعمل فى المصنع، وحصلت على تدريب مدته شهر واحد، واتعلمت الصنعة بسرعة، وأصعب رسمة سجادة تاخد منى أسبوعين»، فيما تقول «جهاد» إنها حاصلة على دبلوم تجارة، وكانت تحتاج للعمل بشدة لمساعدة أسرتها، لافتة إلى أنها تلقت تدريبًا لمدة ثلاثة أشهر، وتحلم أن تطور من نفسها فى فن الحرف اليدوية وتملك عملًا خاصًا بها فى المستقبل». أما «وفاء أحمد شعبان - 19 عاما»، فتقول إنها تعمل فى المصنع منذ افتتاحه. لافتة إلى أنها عملت فى عدد من مصانع الملابس ولم تشعر بالراحة فى التعامل فيها، لكنها تعلمت من خلال عملها بالمصنع صناعة الشنط والكليم بكل أنواعه، وتحصل على راتب شهرى بقيمة 850 جنيهًا يكفيها لمعيشة أسرتها على حد قولها». تدريب وتشغيل 70 فتاة لإعالة أسرهن أمل مجدى مدير مصنع أطفيح للكليم اليدوى تقول: «مصنع أطفيح هو أحد المصانع التى أقامها برنامج الغارمين بمؤسسة مصر الخير لمساعدة السيدات الأكثر احتياجًا، وتوفير مصدر دخل ثابت لهن، ضمن مبادرة حياة كريمة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى. لافتة إلى أن المصنع فتح أبوابه لأكثر من 70 أسرة ووفر فرص عمل لهم لتمكينهم اقتصاديًا». أضافت: «منذ أن أنشأت مؤسسة مصر الخير، المصنع عام 2017، ساعد عددًا كبيرًا من فتيات القرية فى تعلم حرفة يدوية لصناعة الكليم، إلى جانب تقديم مختلف أشكال الدعم الأسرى من سداد ديون الغارمات، والمساعدة فى شراء الأدوية، وتحمل النفقات المالية فى تجهيز العرائس، وتوفير فصول محو الأمية، وأخرى لتحفيظ القرآن لأهالى القرية». وعن الحرف اليدوية للمصنع ومردودها الاقتصادى، قالت أمل: «نحاول إحياء الحرف اليدوية التراثية، ونحاول جاهدين أن نتميز بإنتاجنا ومطابقته للمواصفات العالمية؛ حيث غطت منتجاتنا أسواقًا عديدة خارجية، وشاركنا فى معارض كثيرة داخل مصر وخارجها، حتى نستطيع التطوير من منتجاتنا، منها معرض الشارقة، وصدرنا منتجاتنا لأكثر من دولة منها أمريكا وعمان، ولاحظنا مردودًا وربحًا اقتصاديًا كبيرًا، حفزنا على الاستمرار وأن نحرص دائما على المشاركة فى معارض القاهرة الخاصة بالصناعات اليدوية، للاطلاع على كل ما هو جديد فى تلك الصناعة للتطوير منها». أشارت إلى أن هناك معايير لاختيار الفتيات العاملات فى المصنع أولها أن لا تقل سن الفتاة عن 18 عاما وتكون فى حاجة فعلية للعمل، ونتأكد من ذلك من خلال دراسة للحالة الاجتماعية، ونستعين بمدربين من مدينة فوة، لتدريب الفتيات لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، حتى يستطعن العمل على الأنوال وإنتاج الكليم بكل مشتقاته، ومنها «الخداديات والشنط والستائر والمعلقات». وعن الخطط المستقبلية للمصنع قالت: «نسعى للتطوير من منتجاتنا وقدرات العاملات داخل المصنع لنضاعف الأرباح ونتوسع، وهناك نية فى التنفيذ والتخطيط لإنشاء ملحق آخر للمصنع بجواره يوفر فرص عمل مساوية لعدد العمالة الموجودة حاليا». تسديد ديون وفرص عمل ومشروعات صغيرة وتدريب جابر رشدى المتحدث باسم برنامج الغارمين فى «مؤسسة مصر الخير» قال : «نسارع فور لجوء أحد أفراد أسرة أو جيران الغارمات إلى المؤسسة، للإبلاغ عن الحالة بتفاصيل الدين، ونرسل على الفور فريق التفاوض المدرب لدينا بالمؤسسة، ليجرى تفاوضًا مباشرًا مع الدائن حول إمكانية تخفيض قيمة المديونية والاتفاق على تسديد 25 % منها، وبعد أشهر قليلة وفور الاتفاق، يتواصل فريق التفاوض مع المحاكم حتى تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة للإفراج عن الغارم، الذى أوقعته ظروفه فى قبضة الديون. أضاف جابر: «عقب خروج الغارمين لذويهم، تتولى «مصر الخير» توفير فرص عمل لهم فى المصانع التى أقامتها المؤسسة فى القاهرةوالإسكندرية وسوهاج، وتتبنى تمويل مشاريع مناسبة لمن يملك أى حرف يدوية فى السجاد أو أى مشغولات يدوية أخرى وقادر على العمل، بالإضافة إلى توفير دخل ثابت شهريًا للأسر الفقيرة لتوفير حياة كريمة للغارمين بعد الخروج من السجن، ويختلف مبلغ الدعم حسب عدد أفراد الأسرة». تدريب داخل السجن أشار جابر إلى أن مؤسسة مصر الخير، افتتحت مصانع السجاد اليدوى للغارمات فى قرية أبيس بمحافظة الإسكندرية، لتوفير فرص عمل لعدد 500 أسرة، إلى جانب مصانع لتعليم وإنتاج المفروشات اليدوية للغارمات داخل سجن المنيا لتأهيلهن وتدريبهن على حرفة صناعة «الكوفرته والشال»، لافتًا إلى أن برنامج الغارمين، تواصل مؤخرا مع محافظة الإسكندرية لإنشاء صرح متكامل لصناعة السجاد والكليم ليكون نقطة انطلاق ولفتح قنوات تصديرية جديدة والتوسع فى المشاركة فى المعارض المحلية والدولية الخاصة بالسجاد والكليم اليدوى.