على مدار الأربع سنوات الماضية، كان السؤال الأهم الذى يُوجّه لأعضاء البرلمان ورئيس البرلمان لماذا لم يناقش المجلس أى استجواب خلال دور الانعقاد الفائتة، وكانت دائمًا الردود تنحصر فى إجابتين عدم سماح المرحلة الراهنة بذلك؛ حيث إن الاستجوابات أداة خشنة سياسيًا لا تتسم مع المواءمات السياسية والإجابة الأخرى عدم استيفاء الاستجوابات المقدمة للشروط. لكن مؤخرًا، قرر المجلس استخدام هذه الأداة البرلمانية المعطلة منذ أربع سنوات فى جلسة عاصفة حظيت باهتمام برلمانى وإعلامى عقب تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن الاستجوابات لا بد أن تتم دون حساسية من المسئولين فى إطار مسئولية ودور مجلس النواب. وقد تقدم النائب محمد الحسينى باستجواب ضد وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد بخصوص تهالك مستشفى بولاق الدكرور العام، وتم عرض فيديو للمستشفى صوره بنفسه من داخله. وقد شهدت الجلسة مداخلة ساخنة من النائب المخضرم أحمد كمال عميد البرلمانيين والذى اعتبر أن استجواب الحسينى لم يكن استجوابًا بالمعنى المتعارف عليه، الذى مارسه النواب من قبل فى دورات برلمانية سابقة، فلم يحمل اتهامًا مباشرًا للحكومة كما هو المتعارف عليه فى الاستجوابات وافتقد كثيرًا من الجوانب الفنية. وبغض النظر عما أسفرت عنه النتيجة وسقوط الاستجواب بسبب عدم وجود عدد من مقدمى الطلب فى الجلسة العامة؛ حيث تشترط اللائحة الداخلية للمجلس حضور جميع مقدمى طلب سحب الثقة للتصويت عليه، وهو ما يعتبر تنازلًا منهم عن الطلب، وإخلالًا بالنصاب المطلوب للتصويت. إلا أن فتح باب الاستجوابات يعد تطورًا مهمًا فى أداء المجلس. فقد أعطى البرلمان جرس إنذار للحكومة كما قال رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال خلال الجلسة العامة. مؤكدًا أنه سيحسب للمجلس مناقشة الاستجواب بشكل ديمقراطى. كما أقر المجلس سابقة برلمانية جديدة وهى إمكانية استخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة كأدوات إثبات فى الاستجواب. استجواب النائب محمد الحسينى ليس الاستجواب الأول ولن يكون الأخير. فقد قام عدد من النواب من قبل بتقديم عدد من الاستجوابات المهمة، من بينهم النواب (مصطفى بكرى - عبد الحميد كمال - شيرين فراج - أحمد البرديسى - ومحمد فؤاد- محمد عبد الغنى - محمد البدراوى).
• تحوُّل مهم
فى البداية يقول النائب مصطفى بكرى: تقدمت باستجواب من قبل ضد وزير التموين خالد حنفى بمستندات موثقة، لكن الحكومة اتخذت قرارها بإقالة الوزير قبل مناقشة الاستجواب وقدمت استجوابًا عن إغلاق الشركة القومية للأسمنت ولم يناقش، وآخر عن مشكلة الحديد والصلب بحلوان ورغم استيفائه للوثائق وما نصت عليه اللائحة من مستندات وغيره، فإن ذلك الاستجواب لم يناقش أيضًا، وأتمنى أن يناقش الفترة القادمة، ولكن فى كل الأحوال مناقشة الاستجوابات هو أمر يمثل نقطة تحول فى تاريخ البرلمان الحالى، حتى وإن كان مع دور الانعقاد الأخير، ولكن هذه أداة رقابية نص عليها الدستور ونصت عليها لائحة البرلمان، وعندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن غياب الاستجوابات كان ذلك يؤكد على ضرورة تفعيل الأدوات الرقابية للمجلس كاملة، ولذلك أتوقع أن يكون هناك مزيد من الاستجوابات تناقش خلال الفتره المقبلة وأن تحضر الحكومة هذه الاستجابات وأن تذاع على الهواء مباشرة، فمن حق المواطن أن يشاهد ذلك، ومن حق صاحب الاستجواب أن يعرض استجوابه أيضًا. وأشار بكرى إلى أن مناقشة الاستجواب جاءت متأخرة، خاصة أن المبررات التى كان تبرر عدم مناقشة الاستجوابات خلال دور الانعقاد الماضية بسبب حساسية الفترة الراهنة ليست صحيحة؛ لأن مصر تشهد استقرارًا كبيرًا فى كل النواحى، وأن الأوضاع كانت تستوجب مناقشة الاستجوابات، ولكن ما يحمد له من الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس أن مناقشة الاستجواب الخاص بالنائب محمد الحسينى ضد وزير الصحة تحدث فيها 80 نائبًا، وهذا يدل على الديمقراطية داخل القاعة فقد أعطى 80 نائبًا حرية الكلمة فبات كل منهم وكأنه يقدم استجوابًا مستقلاً. وحول انسحاب الأعضاء الموقعين على سحب الثقة قبل انتهاء الجلسة، أوضح بكرى أنه فى برلمان (2005-2010 ) قدم 8 استجوابات وأنه لم يحدث من قبل فى مجالس سابقة انسحاب للأعضاء قبل نهاية جلسة الاستجواب، وكان لا بد أن يستمروا فى الجلسة وكان من الأولى لهم أن ينتظروا لأن استمرارهم كان سيساعد فى طرح الأمر والتصويت عليه.
• 6 استجوابات
النائبة شيرين فراج تقدمت ب 6 استجوابات خلال السنوات الأربع الماضية لم يناقش أى منها تقول: 4 استجوابات كانت ضد وزيرة البيئة واستجواب خاص بالإسكان بخصوص إهدار مال عام فى هيئة المجتمعات العمرانية والآخر خاص بالصحة بشأن مخالفة المادة 168 من الدستور، وتعريض حياة المواطنين للخطر وإصابتهم بمرض الالتهاب الكبدى الوبائى بمستشفى حميات بنى سويف، حيث شهد المستشفى إصابة مرضى الغسيل الكلوى بفيروس سى من جراء إهمال الوزارة والمستشفى فى آليات مكافحة العدوى، وحدوث وفيات بشأن إهمال مكافحة العدوى وإهمال الوزارة المتابعة والإشراف على المستشفيات والمنشآت الصحية الخاصة والعامة. وأوضحت فراج أنها تنتظر مناقشة الاستجوابات التى تقدمت بها، حيث يعتبر الاستجواب أداة رقابية مهمة والمجلس بدأ فى استخدامها ويحسب له ذلك. مشيرة إلى أنها عازمة على بذل قصارى جهدها فى ممارسة دورها الرقابى والتشريعى من أجل المصلحة العامة والحفاظ على مكتسبات الدولة.
• أمان وظيفى
محمد فؤاد، عضو مجلس النواب قال: إن عدم مناقشة الاستجوابات خلال أدوار الانعقاد الماضية منح الوزراء أمانًا وظيفيًا وتسبب فى إهمالهم فى القيام بدورهم. مشيرًا إلى أنه تقدم ب(5) استجوابات خلال الأدوار الانعقاد الماضية، ولكن لم يتم عرض أى منها للنقاش، لكنه أكد أن الفترة المقبلة هى مرحلة جديدة للبرلمان وهذا اتضح بعد مناقشة استجواب النائب محمد الحسينى. وعن الاستجوابات التى قدمها النائب قال: منها استجوابات لوزير التعليم عن تدنى منظومة التعليم، وآخر لوزير الشباب والرياضة بسبب تقاعس الوزير فى اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة تجاه تعديات اللجنة الأوليمبية وسيطرتها على الاتحادات وإهمال إدارته. أيضًا كان هناك استجواب آخر موجه لوزيرة التضامن الاجتماعى، بشأن عدم تفعيل قانون ذوى الإعاقة، رقم 10 لسنة 2018.
• قدرات النواب
وعلى جانب آخر، أبدى بعض النواب تخوفهم من أن يكون هذا الاستجواب هو الأول والأخير، وأنه قد يكون أعطى انطباعًا غير صحيح عن قدرات النواب على الاستجواب وهو ما أكده النائب عبد الحميد كمال. مؤكدًا أن توقيت الجلسة لم يكن مناسبًا، حيث جرى العرف أن يكون الاستجواب فى أول الجلسات ولا يكون هناك انتقال لجدول الأعمال. كما تضم الجلسة كل الأمور المتعلقة بالموضوع محل الاستجواب؛ بمعنى ضم الأسئلة وطلبات الإحاطة فى نفس الموضوع كى يكتسب الاستجواب بُعدًا قوميًا وليس محليًا، كما حدث فى استجواب مستشفى بولاق الدكرور، فعلى الرغم من أهمية الموضوع فإن حال المستشفى هو حال مستشفيات كثيرة جدا على مستوى الجمهورية. وهذا الخطأ يرجع للإعداد الفنى للجلسة حيث تمت مناقشة الاستجواب فقط من دون باقى طلبات الإحاطة والأسئلة فى الإطار ذاته. النائب عبدالحميد كمال، تقدم بخمسة استجوابات مهمة: مشكلات البطالة - حوادث الطرق ومخاطرها على الضحايا والمصابين والاقتصاد الوطنى - مطار السويس الدولى وأسباب تأخيره، فضلاً عن الحادث المفجع لقطارات محطة مصر وخسائر السكة الحديد، الذى راح ضحيته 24 مواطنًا، تأخير مشروع تنمية شمال غرب خليج السويس الذى صرف عليه أربعة مليارات ونصف المليار ولم يحقق التنمية والمخطط كاملا. وأوضح كمال أن الاستجواب الذى تم مناقشته كان بمثابة تبرئة ذمة للمجلس، لكن هناك استجوابات أخرى لها بًعد قومى لم يتم مناقشتها ولم ترد هيئة المكتب حتى الآن حولها. وأكد كمال أن الاستجواب سيظل أداة مهمة متمنيًا ألا يكون هذا هو الاستجواب الوحيد فى هذه الدورة. فتاريخ الاستجوابات فى مصر ممتد عبر سنوات طويلة منذ أيام الملك فؤاد وحتى الرئيس مبارك. وقد شهدت التقاليد النيابية فى بلادنا أول استجواب قدمه النائب موسى فؤاد عام 1924 منذ حكم الملك فؤاد الأول. وقد وجّه الاستجواب إلى رئيس الحكومة حول سداد مصر للعجز فى موازنة الحكومة السودانية بمبالغ وصلت 914 ألفًا و318 جنيها. وشدد كمال على أن الاستجوابات هى حق لأعضاء مجلس النواب طبقًا للمادة 130 من الدستور، فضلاً عن القانون رقم 1 لسنة 2016 المعروف باسم اللائحة الداخلية لمجلس النواب أفرد ثمانى مواد لتنظيم حق الاستجوابات.