واحدة من أحدث تطبيقات التكنولوجيا، لكن تنفيذها ترتبت عليها أزمة، فقد قامت الشرطة البريطانية بعملية تجريبية سرية لاختبار نجاح هذه التكنولوجيا، بوضع كاميرات متابعة للأشخاص فى واحدة من أكثر محطات القطارات اللندنية عراقة وازدحاما، وهى محطة «كينجز كروس» دون إخطار أحد. ومعروف أن العاصمة البريطانية لندن تحتل المركز الثانى فى العالم بعد العاصمة الصينية بكين فى عدد الكاميرات التى تنتشر فى كل مكان فيها، حيث قدرعدد الكاميرات التى ترصد حركة الناس فى الشوارع والمولات والمنشآت الحكومية والخاصة والبنوك والمتاجر الكبيرة والصغيرة ومحطات السكة الحديد.. وداخل كل وسائل المواصلات العامة.. سنة 2017 بنحو420 ألف كاميرا!. أما فى بكين فيزداد العدد بنحو 50 ألف كاميرا أخرى. • عملية تتم بدون قانون يحكمها وتمت التجربة أيضا فى أماكن أخرى، مركز تسوق فى مدينة مانشستر، متحف فى مدينة ليفربول ومركز تسوق آخر فى مدينة شيفيلد. مباراة كرة قدم، احتفال سنوى بالشهداء، كرنفال سنوى يقام فى قلب لندن ويقدم فنون أبناء الأقلية السوداء. لكن ذلك تسبب فى أزمة كبيرة فى الوقت الذى لم يوضع لاستخدام تكنولوجيا قراءة الوجوه أى تشريع قانونى. وقالت الشركة المسئولة عن إنتاج معدات هذه التقنية إنها فقط تعمل من أجل مساعدة البوليس فى منع ومراقبة الجريمة، وأنه ليست لديها أى مصلحة تجارية فى هذه التجارب التى تجرى منذ عام 2016 وحتى الآن. وتدخلت مفوضية مراقبة المعلومات وهى جهاز رقابى مستقل، فى الأمر.. كما أعلنت جماعة معنية بحماية خصوصية الأفراد تطلق على نفسها «الأخ الأكبر يراقب» إدانتها للتجربة واعتبرتها «وباء» كما لقيت التجربة انتقادات أخرى حذرت من أن استخدام تقنية قراءة الوجوه يعتبر اعتداء على حقوق إنسان أساسية. • عملية تشبه الاغتصاب! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أقام أحد الأفراد اسمه «إد بريدجز» وعمره 36 سنة دعوى قضائية اتهم فيها قوة بوليس إقليم ويلز بمطاردته بهذه التكنولوجيا بينما كان يتسوق قبل أعياد الكريسماس سنة 2017 وكذلك خلال مظاهرة سلمية ضد تجارة السلاح شارك فيها فى السنة التالية، وعرضت قضيته على المحكمة العليا، وهى أول قضية من نوعها تنظرها محاكم بريطانيا. وقال صاحب الدعوى وهو من العاملين فى جامعة كاردف أنه شعر كما لوكان قد تعرض لعملية اغتصاب، فالإنسان لديه توقعات معقولة حول حقه فى الخصوصية، وعلى الدولة أن تساند هذا الحق، وليس أن تعتدى عليه. وقالت المحامية التى استعان بها من منظمة حقوق الإنسان المعروفة «ليبرتى» أن استخدام تقنية قراءة الوجوه يثير المخاوف حول حرية التعبير، ونحن نعتقد أنه من الخطأ أن نجعل الناس يغيرون أساليب حياتهم ليحموا أنفسهم من المطاردات البوليسية غير المرخص بها من النيابة العامة. من جهة أخرى تلقى تقنية قراءة الوجوه المثيرة للجدل ترحيبا شعبيا كبيرا وتأييدا لاستعمالها وفق استبيان قامت به إحدى مؤسسات استطلاع الرأى العام، مطلع العام الحالى،حيث أيد أكثر من 80 % ممن تم استطلاع آرائهم، استعمال البوليس لهذه التقنية. وعند استعمالها يقوم البوليس بوضع «قائمة مراقبة» لمن يرغب فى متابعته من المشتبه فيهم. وتقوم كاميرات المطاردة بتحويل ملامح وجوه الأشخاص العابرين تحت مراقبتها، إلى بيانات رقمية الكترونية، ثم تتم مقارنة هذه البيانات مع بيانات قائمة المراقبة، فإذا تم رصد تشابه قوى،يقوم البوليس بعملية تفتيش. وبالنسبة إلى الدعوى القضائية الأولى من نوعها، فقد قررت المحكمة العليا رفضها بعد أن تبين لها أن «قائمة المراقبة» كانت تستهدف «بوضوح» أشخاصا مشتبها فى تورطهم فى أعمال إجرامية. لكن صاحب الدعوى قرر استئناف الحكم. وحذرت مفوضة المعلومات فى بريطانيا «إليزابيث دنهام» من أن المفوضية لن تقبل سوء استعمال هذه التقنية، وطالبت السلطات المعنية بأن تخفف من تطوير وتوسيع نطاق استعمال تقنية قراءة الوجوه، كما طالبت بضرورة الإسراع فى وضع إطار قانونى يحكم أساليب استعمالها. أما قيادة بوليس لندن التى تواصل تجربة التقنية المثيرة للجدل فأعلنت عبر الانترنت أنه من حق أى إنسان أن يرفض عملية رصده بواسطة هذه الكاميرات، مضيفة أنها لا تعتبر تجنب بعض الأفراد للكاميرات، جريمة أو تعطيلا لعمل البوليس. • انقلاب فى العلاقة بين الدولة والمواطن لكن أحد المحامين المتخصصين فى قضايا حقوق الإنسان، لا يتعاطف مع بيان البوليس، ويضيف أن من يرفضون الخضوع لملاحقة هذه الكاميرات أو يخفون وجوههم عند المرورأمامها، يعامل البوليس تصرفهم هذا كاشتباه، ويلاحقهم! هذه التكنولوجيا تعتبر انقلابا جوهريا فى التوازن القائم بين الدولة والمواطن. وهو يطالب أيضا بوضع سياق قانونى لتقنية قراءة الوجوه، بالإضافة إلى إنشاء وكالة مستقلة لمراقبة أداء البوليس خلال استعماله لهذه التقنية.وأجرت جريدة «إندبندانت» تحقيقا صحفيا تبين لها فيه أن البوليس اعترف بأنه لم تتم عملية قبض واحدة على أى شخص خلال تجربة هذه التفنية فى منطقة تسوق فى ستراسفورد. وأن الغرض من عملية قراءة الوجوه هو التوصل إلى المجرمين الخطرين الذين لم يتم القبض عليهم والذين ارتكبوا جرائم عنف وأيضا منع ارتكاب مثل هذه الجرائم بالتعرف على من يشتبه فى خطورتهم على المجتمع. وقالت «هانا كوتشمان» من منظمة «ليبرتى» المعنية بحقوق الإنسان إنها حضرت تجربة التقنية الجديدة فى أحد المواقع وأنها شاهدت خلال ساعتين وجود تشابه واحد فقط بين أحد المارة وبين صورة من قوائم المراقبة، وهو شاب أسود. وتم إخطار رجال البوليس المتواجدين فى المكان فقاموا بتوقيف المشتبه به، وفتشوا حقيبته وتبين أنه تلميذ لا يثير أى شبهات، فأطلقوا سراحه وسلموه كتبا فيها تعريف بعملية «قراءة الوجوه» وأهدافها. وأضافت أنه لم يتم إعلان الناس فى هذه المنطقة بإحراء العملية وإخطارهم بأنهم سيخضعون للكاميرات.. وكشفت الجريدة عن أن 98 % من نتائج عمليات قراءة الوجوه هذه لم تحقق الغرض منها. وبينما يرى المعارضون لهذه العملية التى يقوم بها البوليس أنها فاشلة تماما، وأن لها تأثيرا سيئا على المجتمع، يؤكد المؤيدون أنهم يرونها قادرة بقوة على مساعدة البوليس فى مطاردة المجرمين وحماية المجتمع من أخطارهم.. وما زال الجدل حول استعمال تقنية «قراءة الوجوه» مستمرا.