لم يعد السؤال الوحيد المطروح عليك: ماذا تأكل؟ بل أضيفت أسئلة أخرى تعد ضرورية ومهمة فى تحديد مسار الأكلات ومصيرها فى حياتك. كيف تأكل؟ ثم ماذا تعرف عن نشأة الأكلة التى تأكلها؟ ثقافة الأكلة (كما توصف) وعن كيفية إعدادها وطبخها؟ ثم يأتى السؤال عن طريقة تقديمها وأيضا الأجواء العامة التى تحيط بك وأنت تأكل. نعم، الأجواء التى يجب أن تفتح نفسك وتثير شهيتك وتزيد من إقبالك على تذوق الأكل والتلذذ بما تأكله. اللقمة الهنية والطعمة واللذيذة والممتعة واللى تظل فى البال. •عيد الشكر.. والديك الرومى بما أن أمريكا احتفلت بعيد الشكر يوم الخميس 28 نوفمبر 2019 فإن ديوك الرومى والكرم الغذائى والأكلات المتنوعة وبكميات ضخمة هيمنت على المشهد الأمريكى وموائد العطاء والمشاطرة والتعاطف الإنسانى. أجواء حميمة ودافئة تتشكل كل عام فى هذا التوقيت وحسب المعتاد أمريكيا فإن الأكل وأخواته لهم كل الاهتمام والاحتفاء فى الفترة الحالية وأيضا فى الفترة المقبلة والتى تمتد إلى أعياد الكريسماس ورأس السنة. لا شك أن الأكل اسماً وفعلاً ومفعولاً به هو الحديث المفضل والأرضية المشتركة التى تشمل الكل وتسعده أو على الأقل تنجح ولو لحين فى ضم شمل الكل. وطبعا النصيحة التى تقدم مع موسم موائد عيد الشكر إلى حفلات رأس السنة ما بلاش نتكلم فى السياسة! أو أبعد عن السياسة وغنيلها! وأكيد أنت الكسبان أكلا ومرحا وبهجة وراحة للدماغ ولوجعه المتجدد مع الواقع وهمومه! بعيدا عن زن من حولك! •ثقافة الأكل.. ثروة معرفية لذيذة مع الاحتفال بصدور الطبعة التاسعة من كتاب Joy of Cooking متعة الطهى أثير من جديد النقاش حول كيف تطور وتنوع مذاق الأمريكى ومزاجه مع الأكلات والوصفات التى كانت أو تلك التى تم تبنيها مع التغيرات الثقافية والاجتماعية التى واكبت تغير التركيبة السكانية فى الولاياتالمتحدة. المطبخ الأمريكى صار بلا شك موقع تلاقى وتلاحم.. حيا ونابضا بالتنوع الأثنى أو التعدد المذاقى الذى تشهده البلاد. ناشر الكتاب كان حريصا على التذكير بأن الطبعة الجديدة تضم 600 وصفة جديدة وأكثر من 4 آلاف من الوصفات القديمة المفضلة لسنوات طويلة بعد أن تمت مراجعتها وتحديثها. وهذا الكتاب الشهير يعد من كلاسيكيات كتب الطهى فى أمريكا وفى العالم كله. يمكن وصفه بأنه كان ككتاب أبلة نظيرة فى حياة ومطبخ الأمريكان. الطبعة الأولى ظهرت عام 1931. البداية كانت مع امرأة تدعى إيرما رومباور وهى فى ال54 من عمرها فقد زوجها الثرى أمواله مع انهيار سوق المال ومن ثم انتحر. الزوجة التى كانت تعتبر سيدة مجتمع تعشق السهرات الاجتماعية ولم تكن طاهية فكرت فى أن تجد وسيلة لتخرج منها من مأساتها الإنسانية بكل تبعاتها. فانكبت على كتاب للطهى بمفهوم ومنطق أنه من الضرورى إعداد طعام يخرج من المطبخ ويتم وضعه على المائدة لكى تعود الحياة من جديد لمسارها الطبيعى.. إيرما بهذه الوصفات كانت تريد أن تكون امرأة تساعد امرأة أخرى وأن تكون بجانبها وهى تسعى لوضع الوجبات أمام أفراد العائلة. وظهر الكتاب (وبه 300 وصفة) وانتشر ونجح بشكل ملحوظ لأنه كان مختلفا وبسيطا وحميما فى تقديمه للوصفات ونصائح الطبخ أو الطهى. الكتاب وزع على مدى السنوات الماضية منذ عام 1936 أكثر من 20 مليون نسخة. وفى حديث تليفزيونى عن من بدأت الفكرة والمبادرة الطبخية لم يتردد أحد أبناء أحفادها أن يتحدث عن الجدة الكبرى (إيرما) بكل اعتزاز وفخر وهو يسترجع مع حياتها التركيبة الجينية كما يقول لتطور الكتاب ومفهوم الوصفات عبر السنوات. وأذكر هنا أيضا أنه حسب تصنيف مكتبة نيويورك العامة فإن كتاب متعة الطهى يعد واحدا من ال150 كتابا الأكثر نفوذا فى القرن العشرين!! •مطعم التنوع على بعد خطوات من البيت الأبيض الإقبال على أكلات الآخرين جغرافيا واثنيا وتاريخيا أصبح سمة منتشرة وسط الأمريكيين والأمريكيات خصوصا لدى الأجيال الجديدة - أجيال العولمة والانفتاح على العالم. كما أن القدرة والرغبة فى معرفة الآخر والتواصل معه صار هدفا بشريا يسعى إليه الإنسان أينما كان. وفى الآونة الأخيرة التردد على عربات الأكل أو المطاعم الصغيرة التى تقدم الأكلات الشعبية المختلفة بات نوعًا من اتخاذ موقف المعارضة والمواجهة لما يمكن تسميته بالمد العنصرى السياسى.. والمتمحور حول توجهات وتغريدات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. والتى تستهدف على وجه الخصوص المهاجرين والآخرين القادمين من دول أخرى. من هذا المنطلق جاء مطعم Immigrant Food طعام المهاجر للوجبات الصغيرة والسريعة فى موقع فريد لا يبعد كثيرًا عن العنوان الأشهر فى العاصمة الأمريكية 1600 شارع بنسلفانيا أى البيت الأبيض. وبالتأكيد ما لفت الانتباه أن شركاء المطعم الثلاث لهم خلفية هجرة والتعامل مع التعددية الأمريكية . فبيتر شيشتر (60 عاما) صاحب مشروعات استثمارية عديدة فى واشنطن يعد أمريكيا كجيل ثان من أب وأم هاجرا من دول أوروبية إلى أمريكا وحصلا على الجنسية الأمريكية. بيتر نفسه ولد فى روما ويتحدث ست لغات وأسرته عاشت لسنوات فى أمريكا اللاتينية وجاءت الى واشنطن وكان بيتر فى ال15 من عمره. الشريك الثانى والشيف اسمه إنريك ليماردو. ويبلغ من العمر 44 عاما وقد جاء إلى الولاياتالمتحدة قبل خمس سنوات من موطنه فنزويلا. أما الشريك الثالث فهو إيزيكيل فازكيز جير البالغ من العمر 32 عاما والآتى من الأرجنتين يعد اسما معروفا فى عالم المطاعم. ومطعمه «سفن سيزونز» فى واشنطن تم اختياره من جانب أكثر من مجلة أمريكية ليكون فى قائمة أفضل المطاعم فى أمريكا. مع افتتاح «طعام المهاجر» سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأضواء على هذا المطعم الجديد ومؤسسيه وأيضا خياراته وتوجهاته فى تقديم الأكلات والوجبات للمترددين عليه. فقائمة الطعام تضم أطباقا تجمع مذاقات مختلفة تلاقت بسبب الهجرة. فمحتوى طبق أو بتعبير أدق محتوى سلطانية «كريكو ميلانو» مستوحى من المهاجرين اليونانيين والإيطاليين. أما محتوى سلطانية «بيروت وما بعدها» فحسب قائمة الطعام مستوحى من مهاجرى الشرق الأوسط وإيران وشمال أفريقيا. ويجب القول هنا بأن السلطانية بشكل عام فى المزاج السائد فى أمريكا فى السنوات الأخيرة ولدى الأجيال الجديدة تحديدا صارت وعاء الطعام المفضل والعملى بشكل عام على أساس أنها قادرة على أن تضم الكل من المحتويات المتعددة ومن السهل حملها من مكان لآخر . وقد نبهت «واشنطن بوست» بأن هذا المطعم لا يقدم لزبائنه قائمة الطعام وحده.. من أكلات مميزة تحمل ثقافة الشعوب فى التذوق والاستمتاع بالأكل. بل يضم أيضا قائمة أخرى لنشاطات متعددة يمكن أن يساهم أو يشارك فيها الزبون (بماله أو وقته أو خبرته) فى مجالات تخص المهاجرين وتحدياتهم العديدة فى أمريكا فى التحدث باللغة الإنجليزية وفى التعامل مع الأوراق الرسمية وفى التأهيل للعمل والعيش فى الأراضى الأمريكية. كما أن المطعم ذاته له موقع إلكترونى وإصدار شهرى باسم Think Table مائدة التفكير لتثقيف الزبائن وتوعيتهم بملفات الهجرة التشريعية والاقتصادية والاجتماعية. وكافة ما تعمق معرفتهم بهذه القضية الحيوية. إن هذا المطعم وهذا الاختيار(كما قيل) يحتفى بالتركيبة الجينية ومكونات الإرث الثقافى التى يحملها المهاجرون فى هذا الوطن الجديد من خلال المطبخ وأساليب الطبخ التى استجدت وتطورت عبر السنين. والأمر الأهم كما يذكر أصحاب المطعم الثلاث شكرا لمجيئك إلينا.. اطلب أكلك ودعنا نلتقى ونتحد حول المائدة.