منذ سنوات ينادى الفنان التشكيلى الكبير عز الدين نجيب، باعادة فتح متحفى «الجزيرة للفن العالمى، ومحمد محمود خليل للفن الأوروبى، وبعدم استخدام متحف الفن المصرى الحديث فى غير وظيفته، وهو ما تكرر قبل أيام، حين استخدم المتحف لإقامة بينالى القاهرة الدولى للفن التشكيلى. فنادى الفنانين والأدباء عبر صفحته على فيس بوك، لرفع الأمر لرئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، عبر بيان يوقع عليه الفنانون والمثقفون، «حفاظًا على حرمة المتاحف وعلى الكرامة الوطنية». وبدأ أصدقاؤه الفنانون والمثقفون بمطالبته -عبر الصفحة- بصياغة مشروع البيان، وهو ما فعله عز الدين، وبدأ رواد الصفحة بالتوقيع عليه حتى وصل عددهم إلى 360 مثقفًا. على الجانب الآخر، نشر قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، بيانًا يرد فيه على بيان الفنانين، أيضًا عبر صفحة القطاع على الإنترنت، تحت عنوان «بيان حول ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعى من أكاذيب وشائعات بشأن قطاع الفنون التشكيلية. وبين البيانين دارت أحاديث وتعليقات كثيرة، من بينها ما كان مع نقابة الفنانين التشكيليين، كل هذا حاولنا استيضاحه من صاحب القضية عز الدين نجيب. بيان الفنانين والمثقفين بشأن إغلاق المتاحف وإخلاء متحف الفن المصرى الحديث لإقامة بينالى القاهرة الدولى، جاء تحت عنوان «حفاظًا على حُرمات متاحفنا وكرامتنا الوطنية»، وجاء فيه.. «نحن الفنانين التشكيليين والسينمائيين والمسرحيين والأدباء والشعراء والصحفيين والمثقفين، نبدى استياءنا ورفضنا لما آلت إليه أوضاع متاحفنا الفنية بين الإغلاق والإهمال أوالانتهاك بإخلائها لإقامة أنشطة وقتية، ونؤكد أن يومًا تنطفئ فيه أنوار المتاحف، تنطفئ معه رموز الحضارة......، وقد استمرت هذه الأوضاع بين الهدم والإغلاق والانتهاك ثلاثة عقود زمنية، تدهورت خلالها المتاحف بوجه عام، وأغلقت متاحف «الجزيرة للفن العالمى» و«محمد محمود خليل للفن الأوروبى» و«الفن المصرى الحديث»، الذى تعرٌض مؤخرًا لانتهاك حُرمة مبناه لثانى مرة هذا العام، بإخلائه من مقتنياته الفنية لرواد الإبداع المصرى على مر الأجيال، لتُعرض بدلًا منها أعمال بينالى القاهرة الدولى الثالث عشر، ما يشير إلى هَوَان تراثنا الإبداعى فى أعين القائمين على الثقافة، دون أن يضعوا خططًا زمنية لإعادة هذه المتاحف لتأدية رسالتها. ويمضى البيان مشيرًا إلى طلب مسئولين بوزارة الثقافة إعانة مالية من بعض الجهات الخيرية العربية لإقامة أحداث فنية بداخل متحف الفن المصرى الحديث، «فيفقد ما يتحصن به من حُرمة وخصوصية، وتبدو مصر وكأنها تتسول وتتنازل عن كرامتها الوطنية...، وكان المنطقى أن يظل المتحف مفتوحًا أمام زوار مصر الأجانب لو أقيم البينالى فى مكان آخر، لتكون أعمال الفنانين المصريين فى مناظرة حضارية مع الفنانين الأجانب من شتى دول العالم.....». ثم يؤكد البيان «ونظرًا لاعتياد القائمين على الثقافة على مشهد هذه المتاحف مطفأة الأنوار سنين طويلة، دون أن يضعوا مهمة إصلاحها على أجنداتهم..، نعلن إصرارنا على أن تتبوأ هذه المتاحف الأولوية المطلقة للإصلاح، لتعود أنوار الفن والثقافة والوعى الحضارى لمواجهة ظلام الجهل والتطرف والإرهاب وبلادة الذوق والحس، ونطالب رئاسة الدولة ورئاسة حكومتها بأن تأمر الأجهزة الثقافية بعدم المساس بأى متحف بما يغير من وظيفته، وأن تكاشف الشعب بخطط الإصلاح ومواعيد افتتاح المتاحف المغلقة، وبنتائج التحقيقات حول ما تعرضت له بعض المتاحف من سرقات أو محاولات للسرقة أو اتهامات بتزوير أعمال فنية، وأن تمنع منعًا باتًا استجداء أى معونة خارجية حفاظًا على الكرامة الوطنية وهى عمود ارتكازنا وعزة شعبنا. عاشت مصر منيرة بمبدعيها، حاضنة للفن والحضارة، شامخة الرأس عن كل ما يخدش كرامتها». أسباب غامضة • أسال عز الدين نجيب: ما الذى أصاب المتاحف الثلاثة بالضبط؟ - متحف الجزيرة متوقف بناؤه منذ أربعين سنة، ويضم 4000عمل فنى عالمى، ومتحف محمد محمود خليل، أغلق منذ أن سرقت منه لوحة فان جوخ الشهيرة قبل10 سنوات، ومتحف الفن المصرى الحديث، مغلق منذ سنوات بعيدة لأسباب غامضة. ومؤخرًا عقد بينالى القاهرة للفنون التشكيلية فى عدد من القاعات الفنية بمتحف الفن المصرى الحديث، دون مراعاة لحرمة واستقلال المتحف كذاكرة لإبداع قرن من الزمان بدءًا من جيل الرواد حتى الأجيال الأخيرة بالحركة الفنية، وهو التزام تحرص عليه كل الدول المتحضرة، ولا يجوز استبدال وظيفته بوظيفة أخرى مهما كانت أهميتها. • لكن بيان قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة أوضح أن البينالى أقيم من ميزانية الوزارة، وأن المتاحف المغلقة لأسباب تعود إلى ثورة يناير وما تلاها من أحداث فوضى وفراغ أمنى، فأغلقت حفاظًًا على مقتنياتها، وإخضاعها لخطط تطوير وتحديث شاملة. يجيب عز الدين: ما نراه هو تقاعس الوزارة عن توفير المال اللازم لتطوير هذه المتاحف وإعادة فتحها، وهناك ملفات شائكة لا تزال مفتوحة تخص المتاحف، فمتحف الفن الحديث تعرض لسرقة خمس لوحات للفنان الرائد محمود سعيد، بخلاف اتهامات بتزوير عدد من أعمال لرواد آخرين من بين ما يقرب من20000عمل تضمها مخازن المتحف بغير ضمانات كافية لسلامتها، نجد أن ملف المتاحف فى مجمله، منذ سرقت لوحة «زهرة الخشخاش» لفان جوخ. وأصبح متحف الفن الحديث بمثابة فناء خلفى احتياطى لإقامة الأنشطة التى لا تتوفر لها أماكن لدى الوزارة، آخرها قبل شهور من افتتاح البينالى هو احتلال قاعاته العليا لإقامة المعرض العام السنوى للفنون التشكيلية، وهو حدث محلى يقام كل عام أو اثنين، وهناك مكان مخصص له وهو قصر الفنون بالأوبرا، لكن تسرب مياه الأمطار من سقفه فى الشتاء الماضى جعلهم يعتبرونه خارج الخدمة، وكان يمكن تأجيل المعرض عدة أسابيع حتى يتم الترميم بنفس المبالغ التى أنفقت على تجهيز المتحف للعرض. •جاء أيضًا فى بيان قطاع الفنون التشكيلية أن البينالى يقام منذ سنوات طويلة فى المتحف، فلماذا لم تنتقدوا هذا من قبل. يجيب عز الدين: بدأ انتهاك المتحف من قِبَل وزارة الثقافة، منذ عام 92-93 فى عهد الوزير الفنان فاروق حسنى حين أمر بفتحه وتفريغه من معروضاته لإقامة الدورة الرابعة لبينالى القاهرة، وكان المتحف آنذاك فى تمام لياقته، وفاروق حسنى بحكم إقامته لمدة 17عامًا متصلة بين فرنسا وإيطاليا مسئولًا ثقافيًا، يدرك جيدًا التقاليد الصارمة للمتاحف، مما جعلنى أكتب مقالًا وقتها نشر فى مصر بعنوان «متحف فى مهب الريح» ومقالًا آخر نشر فى جريدة الشرق الأوسط اللندنية بعنوان «بينالى القاهرة وقطار الغرب السريع»، وقلت فيه: هل يستحق الأمر أن تخلى الوزارة المتحف وتعصف بمقتنيات 80 عامًا من الإبداع المصرى لتوضع مكانها أعمال متوسطة وضعيفة المستوى أتت إلينا بقطار الغرب السريع لتعصف بهويتنا الفنية؟ كتبت ذلك وأنا موظف مرءوس للوزير فاروق حسنى! وفى يناير الماضى نشرت مقالًا بجريدة «أخبار الأدب بعنوان «دفاعًا عن الرمز...المعرض العام والمتحف المستباح»، هاجمت فيه انتهاك المتحف بإقامة المعرض العام فيه، وقلت هذا فى محاضرة مسجلة صوتًا وصورة أقيمت بصحن المتحف فى 10يناير الماضى ضمن البرنامج الثقافى المصاحب للمعرض العام، وأكدت خلال المائدة المستديرة التى أقيمت أيضًا بصحن المتحف لمناقشة التوصيات التى ستصدر حول المعرض العام القادم، على أن يكون من بينها توصية بعدم المساس بالمتحف مستقبلًا لإقامة أى معارض فيه، وتم ذلك بمشاركة عدد كبير من الفنانين والصحفيين والنقاد، إلا أن القطاع دفن التوصيات فى الدرج. • وما موقف نقابة الفنانين التشكيليين من مشروع البيان؟ تحدثت مع النقيب الفنان حمدى أبو المعاطى فى الأمر، ورأى أن يعيد صياغة البيان فرفضنا، وتم الاتفاق على أن يصيغ بيانًا بنفس المضمون باسم النقابة يرفعه إلى وزيرة الثقافة. ومن بين الموقعين على مشروع البيان الذى صغته، الفنانون حلمى التونى، د.عصمت داوستاشى، د.محمد عرابى، محمد عبلة، د. رضا عبدالسلام، عبدالرازق عكاشة، د. أحلام فكرى، مصطفى بط، د. أحمد عبدالعزيز، ومن الأدباء:سعيد الكفراوى وإبراهيم عبدالمجيد ومحمد رفاعى. ومطلب كل هؤلاء الذين وصل عددهم إلى 360 مثقفًا حتى الآن، هو فتح متحف الفن الحديث أمام الجماهير، لسنا ضد أحد فى وزارة الثقافة، وإذا كانت ميزانية الوزارة لا تكفى لتمويل إعادة فتح المتاحف المغلقة، فليفتحوا الباب أمام المساهمات المصرية، لتقوم هذه المتاحف بدورها التنويرى وإبعاد الناس عن التعصب والإرهاب والفكر الضال، فالمتاحف أمن قومى، ورفعة الفن والفنانين قضية الوطن. •