لا يمكن للقوة السائدة أو الولاياتالمتحدة أن تقف ساكنة وهى تشاهد الوكيل الإيرانى الذى يعمل لصالح خصمها الصينى يتحرك بحرية على الساحة الدولية دون رد مؤلم وواضح يجعل الوكيل يرتدع عن مايفعله ويحيد نفسه فى الصراع الأمبراطورى الدائر وألا التدمير الكامل للوكيل حتى تتعطل خطط من يحركه تعلم الولاياتالمتحدة جيدا أن القوة المؤثرة على الأرض التى تنفذ الخطط هى الحرس الثورى بأذرعه الداخلية والخارجية لذلك لم يكن من المستغرب كما ذكرنا سابقا فى هذه السلسلة أن تتجه مباشرة الى الرأس المحرك وتصنفه كتنظيم إرهابى يعتبر هذا التصنيف فى حد ذاته جديد بالنسبة الى العقوبات التى قد تفرضها الدول تجاه بعضها البعض فرغم أن الحرس الثورى فى شكله العام أقرب الى الميليشيا من كونه جيش نظامى ألا انه قوة معلنة وتنتمى الى دولة مستقلة وليس يعمل فى الخفاء وتعلن عنه إيران كجيش نظامى يخدم فى قواتها المسلحة. كانت الصدمة كبيرة بالنسبة للنظام الإيرانى ففجأة تحولت قوة نظامية بالنسبة لنظام الحكم فى إيران الى تنظيم إرهابى يتساوى مع داعش والقاعدة ويعامله المجتمع الدولى بنفس قواعد تعامله مع التنظيمات الإرهابية . لم تجد القوة الحاكمة فى إيران سوى الرد بالمثل وهى تصنيف الجيوش الأمريكية كتنظيمات إرهابية ولأول مرة تتبادل دولتين تصنيف قواتهما المسلحة كمليشيات غير معترف بها . بالتأكيد هناك فارق ضخم فى حجم الضرر الذى يسببه كل من التصنيفين فالقرار الإيرانى فى تأثيره لايوازى حجم القرار الأمريكى لفارق القوة بين الطرفين لصالح الأمبراطورية الأمريكية . عندما ننظر الى القرارالإيرانى فهو مجرد رد فعل لحفظ ماء الوجه أمام الرأى العام الداخلى أما الخارج فيعلم جيدا أنه بلا تأثير لكن القرار الأمريكى فله أبعاد مختلفة وشديدة الخطورة على وجود النظام الحاكم فى إيران وهو قد أستشعرها منذ لحظة صدور القرار . تحليل التصنيف الأمريكى تجاه الحرس الثورى يقودنا الى فهم حجم الصراع الدائر والذى يتصاعد الى درجة الحرب التى قد تستخدم فيها الولاياتالمتحدة القوة الكاملة تجاه إيران ليس لأنها إيران بل لأنها تحولت الى مركز متقدم يخدم القوة الصاعدة ويهدد الوجود الأمبراطورى الأمريكى . لم تكتفى إيران بالمركز المتقدم بل تعمل فى أكثر المناطق خطورة بالنسبة للصراعات الأمبراطورية فهى تساعد فى تحرير وتأمين خطوط المواصلات البرية والبحرية لصالح أمبراطورية صاعدة وتعمل معها على بناء الشبكة العصبية لها ممثلة فى هذه الخطوط . تدرك الولاياتالمتحدة أن اللحظة التى تصل فيها الصين الى التحرر الكامل من السيطرة الخارجية على خطوط مواصلاتها ويصبح التدفق السلعى الصينى الخارج منها والقادم أليها حرا تماما ففى لحظة الحرية تلك تكن الولاياتالمتحدة خارج النادى الأمبراطورى الذى لايضم سوى عضو واحد هو امريكا نفسها . صدر قرار تصنيف الحرس الثورى كمنظمة إرهابية وهويحمل فى طياته بعد غاية فى الخطورة على الوجود الإيرانى بشكله الحالى والمستمر منذ العام 79 عام أشتعال الثورة الإيرانية بقيادة الخمينى فقد جاء التصنيف وهو يحمل داخله قرار ألغاء لهذا الوجود . جاءت رسالة التصنيف واضحة وقاسية فالولاياتالمتحدة نزعت عن حاكمى إيران شرعية وجودهم فى المجتمع الدولى فحكام إيران لم يعودوا دولة أو حتى نظام سياسى بل مجرد عصابة تقود مليشيات تخريبية تسمى الحرس الثورى . يحقق هذا الألغاء لفكرة وجود الدولة أو النظام السياسى فى إيران هدف اول وهام للولايات المتحدة فهى أن قررت الذهاب الى الحرب فأمام المجتمع الدولى هى لا تذهب لمحاربة دولة أو نظام سياسى طبيعى بل تذهب لتأديب عصابة إرهابية تقيم على الأراضى الإيرانية وتتسبب هذه العصابة فى أحداث أضرار تلحق بهذا المجتمع وخاصة فى أحتياجاته من الطاقة كما يحدث الأن. يأتى هدف ثانى من القرار وهوتعطيل هذه المنظومة المسماة بالحرس الثورى وعلى رأس عملية التعطيل تأتى الشبكة المالية المعقدة للحرس والتى تحولت الى ذراع يحقق أهداف القيادة فى طهران التى رأت أن مصلحتها الرهان بكل ماتملك على القوة الصاعدة أو الصين . تراقب الولاياتالمتحدة منذ فترة عمل هذه الشبكة والتى تمتد من امريكا الجنوبية الى أسيا الوسطى كان يمكن للولايات المتحدة ان تغض النظر عن ماتقوم به هذه الشبكة أو قد تتعاون معها كما حدث فى ثمانينيات القرن الماضى فى حالة أن الشبكة تخدم إيران كقوة أقليمية تطمع فى مزيد من النفوذ فى محيطها الأقليمى الطبيعى والمجاور لها . وجدت الولاياتالمتحدة أن الشبكة المالية للحرس الثورى الإيرانى تتقاطع وتتماهى مع أهداف القوة الصاعدة فى العالم وكمثال من ضمن أمثلة كثيرة وصل الأمر أنها تمول بشكل كامل النشاط العسكرى للمليشيات الشيعية التى تحارب وجود المقاتلين الأيجور المنتمين للحزب الأسلامى التركستانى الذى يطالب بأنفصال أقليم شيجيانج فى أقصى الغرب الصينى وهو البوابة البرية لمبادرة الحزام والطريق ،وبالتأكيد ليست الولاياتالمتحدة ببعيدة عن فكرة الأنفصال تلك لتعطيل الصعود الصينى . تتحرك هذه الشبكة المعقدة وفق خريطة النفوذ الصينى فى المناطق التى يتواجد بها ولا تهدف الشبكة هنا المشاركة فى العمل الظاهر الخاص بالأستثمارات الصينية المعلنة بل هى تتحرك كوكيل من أجل الحماية حتى لاتظهر القوة الصينية بشكل مباشر فيستفز ظهورها الولاياتالمتحدة وهو ما لاترغب فيه الصين الأن. أدركت الولاياتالمتحدة بعد أستعراض كافة المعلومات أنها لاتواجه قوة أقليمية طامعة فى مزيد من النفوذ كما كان يحدث سابقا فى الصراع الأمريكى الإيرانى وفى نفس الوقت فأن المتواجدين فى إيران حاليا أتخذوا قرارهم بالأبتعاد عن السيد الأمريكى الذى تواطئ معهم ليحصلوا على سلطة الحكم فى إيران وأصبحوا بكامل أرادتهم وكلاء للقوة الصاعدة التى تهدد الوجود الأمبراطورى الأمريكى . يحيلنا التصعيد الحادث فى الخليج حاليا أو مايمكن تسميته بحرب تخريب الناقلات الى نقطة الألة الدعائية الأمريكية التى تضخم الحدث لكى يكن هناك سبب مباشر من أجل أن تتحرك الجيوش لايمكن أستبعاد الفعل الدعائى الأمريكى ولكن لايمكن أغفال طبيعة العقلية الإيرانية التى تتحكم فى القرار . يبدو الأمر غير منطقى أن تقف إيران وراء الهجمات على الناقلات لأنها هنا تستفز الولاياتالمتحدة وتعجل بالصدام وكان يجب عليها التقليل من التوتر الحادث لكن الملالى فى إيران يتبعون سياسة حافة الهاوية فهم يريدون الوصول بالأمر الى نقطة الذروة معتقدين أن الولاياتالمتحدة لن تدخل الحرب وستأتى لحظة التفاوض وعند هذه اللحظة تكن إيران فى كامل عنفوانها وأثبتت بالطرق العملية أنها تستطيع تعطيل المصالح الأمريكية والدولية فتحصل على مكاسب كبيرة من القوة السائدة بالأضافة الى مكسبها المتحقق كوكيل من القوة الصاعدة الحقيقة أن سياسية حافة الهاوية والطمع فى تحقيق كل المكاسب دون خسائرالتى تتبعها إيران لاتعود فقط الى طبيعة حكم الملالى المتشدد بل لها جذور عميقة فى الشخصية الفارسية وتصور هذه الحالة بوضوح الميثيولجى أو الأساطيرالإيرانية القديمة . تبدو الشخصية الإيرانية على مستوى قرارها السياسى شخصية منقسمة بين البازار البرجماتى أونظرة التاجرالجشع الباحث عن كل المكاسب والبطل الأسطورى الذى يجب أن يحقق كامل الأنتصار حتى لو أدى هذا الى فنائه . نجد دائما القرار الإيرانى لا يخرج عن هذه الحالة الفصامية فمثلا هى تريد أمتلاك سلاح نووى وفى نفس الوقت تريد علاقة كاملة مع الغرب ولا يدخل فى حسابتها فرق القوة لأن فى قناعتها هى بطل أسطورى حتما سينتصر وأيضا تاجر ماهر سيحقق كل المكاسب على حساب خسائر الأخرين . أخطأت الحسابات الإيرانية هذه المرة ولن تنجح القرارات الفصامية فهى خرجت من دورهها الأقليمى الطامع فى مزيد من النفوذ الذى كانت تتقبله الولاياتالمتحدة وأن تعارض أحيانا مع مصالحها فى المنطقة وأنتقلت الى تهديد الوجود الأمبراطورى للقوة السائدة أمريكا نتيجة عملها كوكيل رئيسى لحساب القوة الصاعدة الصين وعند تهديد الوجود تتحرك الجيوش وتكن الحرب حتمية .