«أدركت قيمة الجمال والثقافة والفن لما دخلت كلية الفنون الجميلة، واندمجت مع مجتمع الفنانين التشكيليين اللى مكنتش هقدر اندمج فيه فى مجتمعى النوبى». جاء التحاق ابنة «الشيمة» النوبية بأسوان ميرفت الشاذلى، بالفنون الجميلة، بعد تفوقها فى القدرات الفنية فى الثانوية العامة، وشعورها بأن رسمها فى المدرسة كان مقبولاً، وكان يشعرها بسعادة لم تجدها فى ممارسة أى شيء آخر، ومتعة تنسيها كل ما يؤرقها فى مجتمعها المنغلق. اكتشفت ميرفت الشاذلى، موهبتها وأشاد بها زملاء وأساتذة كليتها بعد أن قدمت مشروع تخرجها «بورتريهات من أسوان» وحصلت على أعلى الدرجات فيه، « التميز يبدأ من الذات، ملامحى وشخصيتى اتكونت من بيئتى ومالقتش افضل من أسوان بملامح ولادها أصورهم وارسمهم واقدمهم مشروع فنى للناس». بعد التخرج بدأت ميرفت فى البحث عن وظيفة تناسب موهبتها ومجالها لكنها لم تجد. وكانت العودة للدراسة هى الطريق الذى رأت أنه سيعيد إليها سعادتها،»رجعت للدراسة تانى لأنها كانت سبيلى الوحيد للعالم اللى حابة أعيش فيه، طلبة فنون جميلة ناس رايقة بتحب الفن والرسم والموسيقى والهدوء، فقررت اكمل دراسات عليا عشان استعيد سعادتى تانى بجانب شغلى، واتوظفت كمعيدة سنتين فى تربية نوعية فى بنها، وكانت فرصة انقل حاجة بحبها للطلبة وكنت بروح الصبح، وبعد الظهر مدرسة رسم فى مدرسة فى بنها بالحصة». لكن ظلت مرفت تشعر بأن موهبتها مازالت محبوسة، «عانيت كتير عشان ألاقى مكان أرسم فيه وأفرغ طاقتى وأمارس موهبتى، مكنش مسموح لى بالخروج والرسم فى الشارع زى كل الفنانين ولا كانت مساحة البيت تسمح انى اقعد براحتى وأرسم فيه، ده غير روايح الخامات والزيت والألوان مزعجة جدا بالنسبة للى حواليا، كل ده سبب لى ضيق وتعاسة لانى لا قدرت اندمج مع المجتمع الخارجى ولا قدرت افرغ طاقتى على لوحة جوة البيت» هكذا تكلمت الشاذلى، عن معاناتها قائلة «مش عايزة حاجة غير انى أرسم ولو رسمت هرسم إيه وأنا فى البيت، هتحول لمجرد طفل عنده هواية وكمان بيتحرم منها». «أول صدمة حصلت لى لما لقيت مشروع تخرجى مركون فى المخزن ومرفوض، ورسومات تانية كتير ماتستحقش هى اللى كسبت وخدت جوائز»، لكن جاءت فرصتها الأولى بعد أن سمعت عن صالون الشباب وقررت الاشتراك فيه بمشروع تخرجها، المرفوض، والذى جعلها تكتشف الفجوة بين ما يتم تدريسه فى الكليات والذى توقف عند فترة الخمسينيات، وبين الواقع العملى وما يقدمه الفنانون بالمعارض والمهرجانات والصالونات الفنية. «الفارق بين ما يقدمه الفنان على أرض الواقع وبين ما درسته»، أصبح موضوع دراستها للماجستير، وأصبح كلام أستاذها زهران سلامة «بتعملى ايه عشان عايزة تبقى فنانة! ولا انتى عشان خريجة فنون جميلة هتبقى فنانة!، مش هتبقى فنانة الا لما تتقنى شيء حقيقى واضح»، تصحيحا لمسار حياتها، جعلها تدرك أنها لابد أن تكتسب الخبرة لترضى نفسها أولا، لكى ترضى الجمهور بعد ذلك. وبمرور الوقت واكتسابها الخبرة والجرأة وتنقلها بين شوارع المدن المختلفة وجلوسها بين الناس ترسم وتصور ما أمامها بإحساسها هى، انتبه إليها البعض وشعروا بموهبة فتاة أتت من الجنوب إلى العاصمة لتصل بموهبتها إلى الجميع، وبدأت فى الاشتراك بالمعارض واحدا تلو الآخر داخل مصر وخارجها ك (أحوال إنسانية، من وحى المشاعر 1، من وحى المشاعر 2، من وحى الجنوب) وغيرها، مصورة أجمل ما تحمل أسوان من مناظر طبيعية وما تحتويه بلدتها «الشيمة» من بيوت قديمة رأيناها فى مسلسل الأطفال «بكار»، ثم عملت بقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة. وحصدت عن لوحاتها المميزة العديد من الجوائز، والتى كانت أبرزها جائزة بينالى سعاد الصباح بالكويت، وذلك عن عمل «حوار الطائر والسمكة». معاناة بنات الجنوب «كنت حابة أوى ارسم معالم الجنوب وبورتريهات تجمع بين الواقع وبين الفن السريالى، مالقتش اهم من المرأة فى الجنوب ممكن ارسمه، ومكنتش عايزة استعرض جمالها ومفاتنها». استخدمت ميرفت بعض الحيوانات لتصاحب المرأة فى لوحاتها، فبعض المناطق فى الجنوب تلجأ المرأة إلى مساعدة زوجها واستخدام الخوص وغيره فى صناعة بعض لوازم المنزل، إلى جانب رسم الحيوانات على البيوت القديمة ومنها السمكة، والتى ظهرت كثيرا فى لوحات ميرفت الشاذلى، «السمكة رمزا للرزق، لذا كانت ترسمها المرأة النوبية دائما على منزلها». «بحاول ارسم حاجة فيها شيء مننا عشان لما الشخص يشوفها يحس انها بتعبر عنه وعن معاناته». •