ولم يكن سوى واحدٍ اصطادهُ النهرُ فصار بائعَ سمكٍ يخرجُ من النَجمَةِ حاملاً صنارته ومقطفهُ والميزان يجالسُ الصبرَ.. وكلَّ يومٍ يعودُ كلَّ يومٍ يغطى رصيفَ شارعنا؛ الصنارةُ على الحائط، والسمكُ فى مقطفٍ، والميزانُ فى الأرض. صار علامةً؛ إذا قصدت الحيَّ.. عند السمَّاك إذا أردت الحظ.. عند السمَّاك إذا طلبت الصبرَ عند السمَّاك.. السعادةُ السمَّاك؛ كان يبيعُ السمكَ مرةً.. ويبيعُه السمكُ مرات! صار سرَّ شارعنا.. يَخبُرُ عنه بدقةٍ؛ «الفتاة ُ التى تزوجت ليلةَ أمس/ الأرملةُ التى خلعت ثوبها لتغطى أطفالها فى صقيع الشتاء/ المَعيْلةُ التى تعلَّمت جسدها كى تعيشَ آمنة ً/ المعوزةُ/ الضالةُ/ الثريَّة». يعرفُ ذلك وأكثرَ.. ولا أحدَ يعرفُ عنه سوى أنه سمَّاك؛ صنارة على حائٍط، وسمكٌ فى مقطفٍ، وميزانٌ على الأرض! ولم يكُنَّ سوى نسوةٍ يترددن عليه إذا غاب انتظرنه فى شغفٍ وإذا حضر التففن حوله؛ يتضاحكن.. ويقلّبنَ فى البُلطى والقراميط ولم أكن سوى ساكٍن يستدلُّ على بيته بروائح السمَّاك.. بالأمس كدتُ أضل؛ غامت الروائحُ، فانحسر الشارعُ فى كردون الرصيف ولأول مرةٍ.. الصنارةُ عالقةٌ بالمقطف، والسمَّاكُ على الأرضِ؛ عيونه طاسةٌ والدمعُ زيتٌ والسمكُ يبكي.