تعتبر السينما إحدى وسائل الاتصال الجماهيرى فى شتى البلدان، وهى الأكثر تأثيرا فى الرأى العام، ويشترك معها فى عملية الإنتاج مجموعة من الفنون، والمؤثرات مثل التصوير، المونتاج والجرافيك، الصوت والرقص، المكياج والأزياء، فالسينما تعتبر وسيلة مهمة لنقل الرسائل إلى أى مجتمع أينما كان. كانت السينما الفلسطينية وستظل سينما نضالية بمعنى الكلمة «معاناة، الآم، طموحات» وبالفعل فقد استطاعت أن توصل رسالتها رغم كل الظروف والمعوقات الفنية والمادية، إجمالا نستطيع القول بأن السينما الفلسطينية تاريخيا كانت تلبى حاجات آنية لأهداف سياسية دون أن تتطرق إلى البعد الثقافى والحضارى والتاريخى المهم. وقبل أن نتطرق إلى نشأة وتطور السينما الفلسطينية لا بد أن نؤكد أن السينما الفلسطينية الآن تطورت وخطت خطوات متعددة باتجاه العالمية السينمائية، فهى الآن تعتبر نتيجة تفاعل بين مادة الشكل السينمائى المكون من خمسة عناصر هى «الصورة والنص المكتوب والموسيقى والحوار والمؤثرات الصوتية» وبين مادة المضمون التى تكمن فى صراع شعب يعيش تحت الاحتلال والقهر./ كان أول عرض سينمائى أقيم فى فلسطين قام به رجل إيطالى يدعى كولارا سلفاتوروعرض فيلم «يوميات محاكمة درايفوس» الذى أخرجه جورج ميليه فى مدينة القدس عام 1900، أما أول دار سينما فى فلسطين فقد افتتحها مصريون من اليهود فى القدس، عام 1908، وهى دار «أوراكل» ثم سينما «عدن» عام 1914. الدكتورأحمد صدقى الدجانى يقول فى مذكراته: «إن أول فيلم شاهده كان فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبد الوهاب فى دار «سينما الحمراء» فى «يافا».. وكانت فلسطين قد عرفت، منذ مطلع القرن العشرين، زيارات فنية عديدة فقد زارت أم كلثوم مدينة يافا عام 1928، وزاريوسف وهبى مع فرقته المسرحية يافا أعوام 1920 – 1930، كذلك فرقة جورج أبيض والريحانى ورمسيس وأمين عطا الله، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة على الكسار، ونعود إلى السينما لنؤكد أن فيلم «قبلة فى الصحراء» هو من إنتاج الأخوين «إبراهيم وبدر لاما»، وهما مغامران سينمائيان من أصل فلسطينى قدما من تشيلي. وعقب عام 1948 ظهرت إلى السطح عدة شخصيات سينمائية فلسطينية، إذ أنجز الشاب المخرج «عبد الوهاب الهندي» فيلميه «تفاح حتى التحرير» و«الطريق إلى القدس» وهما فيلمان روائيان طويلان يتحدثان عن القضية الفلسطينية، وفى تلك الفترة هاجر السينمائى الفلسطينى «محمد صالح الكيالي» إلى القاهرة لينجز عددًا من الأفلام التسجيلية الوثائقية مثل «قاعدة العدوان» عام 1946، وبعد هجرته إلى سوريا تمكن من إنجاز فيلم بعنوان «ثلاث عمليات داخل فلسطين» فى العام 1969وهو فيلم روائى طويل.. وفى الوقت ذاته، عمل سينمائيون فلسطينيون آخرون أمثال: عمر العلى وإبراهيم الصباغ ويوسف شعبان محمد وفوزى العمرى فى السينما العربية، وفى عام 1973أنجز المخرج الفلسطينى غالب شعث مشواره السينمائى بفيلم الظلال على الجانب الآخر وفى العام 1967قام السينمائى إبراهيم أبوناب بالمشاركة فى كتابة سيناريو فيلم المفتاح الذى أخرجه غالب شعث لصالح مؤسسة صامدا لفلسطينية.. ليعود عام 1983 لإنتاج وإخراج فيلم بعنوان العروس والمهر يتحدث فيه عن نكسة يونيو. ميلاد سينما فلسطينية بدأ ميلاد السينما الفلسطينية، بل العربية بقدوم الأخوين إبراهيم وبدرلاما فى العام 1926 إلى الإسكندرية قادمين من تشيلي، وكان الأخوان لاما ابنين لوالدين فلسطينيين هاجرا من بيت لحم إلى تشيلى فى مطلع القرن العشرين، وهذان الشابان إبراهيم وبدر اتجها عام 1926 نحو فلسطين لإنشاء صناعة سينمائية فى الوطن الأم وكانا قد أحضرا معهما معدات التصويروالتحميض وغيرها من لوازم صناعة السينما وعلى ما يبدو فإنه بسبب الأوضاع والغليان الجماهيرى والسياسى فى فلسطين فى ذلك الوقت، فإن الأخوين لم يكملا رحلتهما إلى الهدف فلسطين بسبب توقف الباخرة فى الإسكندرية، وشجعت الظروف وامكانيات النشاط الثقافى المكثف فى الإسكندرية الأخوين على البقاء وممارسة هذا النشاط السينمائى فى مصر. إبراهيم وبدر لاما دشنا الفيلم الأول فى تاريخ السينما العربية، وذلك بفيلمهما «قبلة فى الصحراء» عام 1927 الذى عرض فى سينما كوزموجراف، وكانت فلسطين أيضًا أرضا خصبة لصناعة السينما، حيث الاهتمام الكبير، ودليل ذلك انتشاردور العرض السينمائية والمجلات والصحف الفلسطينية المتخصصة بذلك، الأمر الذى شجع الأخوين لاما على العودة إلى مسقط رأس الآباء والأجداد فلسطين، رغم أنهما لم يستطيعا تحقيق الهدف فى الاستقرار فيها. أسس الأخوان لاما فى الإسكندرية «نادى مينا فيلم» السينمائي، وبعد ذلك شركة «كوندور فيلم» والتى كان من إنتاجها أول فيلم عربى «قبلة فى الصحراء» الذى عرض فى مايو 1927 كما تمكنت شركتهما من إنتاج 62 فيلمًا طويلًا حتى العام 1951. «ماذا بعدعام 1948 ؟» لجأ العديد من أبناء شعبنا الفلسطينى إلى دول الجوار نتيجة اغتصاب فلسطين والمجازر المتكررة ، وظلت السينما لا وجود لها حتى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 وبعد هذا التاريخ بدأ يتبلورميلاد سينما فلسطينية وذلك من خلال قسم صغير للتصويرالفوتوغرافى، يقوم بتصوير بعض المواد الخاصة بالثورة، واستمر هذا الحال إلى ما بعد «معركة الكرامة»، حيث قام الفنان التشكيلى «إسماعيل شموط» بكاميرا سينمائية، بتصوير مواقع الكرامة وقواعد الفدائيين ومشاهد تشييع الشهداء من خلال فيلم اسماه «معركة الكرامة لنا الكرامة» فى أواخر عام 1969. بعدها، أنتجت الثورة فيلمًا سينمائيًا تحت عنوان «لا للحل السلمي» والذى جاء ردا على مشروع روجرز الأمريكى ثم فيلم «بالروح بالدم» أعقاب أحداث أيلول، وكان الحضور الأول للسينما الفلسطينية فى المهرجانات من خلال مهرجان دمشق الأول لسينما الشباب عام 1972 وقد حققت المشاركة نجاحا كبيرا من خلال فيلم «بالروح بالدم» والذى حصل على إحدى جوائز المهرجان. بعد ذلك توالت المشاركة للسينما الفلسطينية رسميا فى المهرجانات السينمائية داخل الوطن العربى وخارجه ونالت الأفلام الفلسطينية جوائز قيمة وقد عبرت أفلام السينما الفلسطينية عن صمود الشعب الفلسطينى أينما تواجد. يعد من أشهرما أنتجته السينما الفلسطينية «لا للحل السلمي» عام 1968، فيلم «ليلة فلسطينية، النداء الملح عام 1973، وأيضا فيلم الطريق إلى فلسطين عام 1984 فكرة وإخراج ليالى بد ويعتبر أول فيلم فلسطينى يعتمد على الصور المتحركة. وبما إن ولادة السينما الفلسطينية هى ولادة وثائقية بامتياز بحكم الواقع الفلسطينى أثناء الثورة الفلسطينية إلا أن السينما الفلسطينية تغيرت بعد عام 1982 وكان أول فيلم روائى مجتمعى بعنوان «ثلاث جواهر مفقودة» للمخرج الكبير ميشيل خليفة «فيلسوف السينما الفلسطينية» وهو من استطاع تحويل السينما الثورية إلى سينما اجتماعية.