كان الزيتُ ماءَ الفَخَّار، وذات يومٍ نَفدَ الزيتُ.. فقعَدَ صانعُ الفَخَّار على دولابه.. حاسرَ الرأسِ؛ ينعى العطلةَ والصنْعةَ والأرزاق. كانت الحسرةُ أكبرَ من الألم؛ كيف تخونه الصنعةُ وهو المُخْلص.. ماذا سيقول لعمالِ «الفاخورةِ» وهم ينادونه: «يا مْعلِّم» كيف سيقنعُ البقراتِ أن يَخرُجن من حوضِ الثرى، ويعُدن إلى زريبة اللبّان ماذا سيقول ل«العجّان» و«الملافى» وكيف بعد كلِّ هذا العمرِ يُخبرُ التنورَ أنَّ النارَ أسطورة؟! كانت الحيرةُ أقسى من الحسرة، والأفكارُ تتقاطعُ؛ تذكَّرَ الأطفالَ والأحلامَ وغازلةَ الصوف تذكّرَ الضيوفَ.. ورأى مصيره فى شبح راعٍ فقد غنماته فى غفلةٍ فكان الهلع.. أقوى من الحيرةِ والحسرةِ والألم، وكان أروعَ من المصير. تشقّقَ صانعُ الفَخَّار، ونظرَ زوجَه تحتضنُ الشقفاتِ فأدركه الشجن وكان البكاء؛ الدمعُ سالَ، وبلَّلَ عجينةَ الفَخَّار، فدار الدولاب.. وكانت الطبيعةُ.