ماذا لوقدر لفنان الشعب "سيد درويش" أن يعيش بيننا حتى اليوم؟ المؤكد أنه ما كان سيغني "القلل القناوي" باعتبارها رمزًا لصناعة وطنية تنتمي مباشرة لأرض مصر وطينها، فالقلل القناوي التي تغنى بها درويش منذ حوالي القرن، باتت صناعة تشكو البوار.. وأصبحت مفتقدة في عقر دارها. في مدينة قنا، مهد صناعة القلل انحسرت "الفواخير" أو مصانع القلل من 600 إلى اثنين فقط.. والسبب يشير إليه "هاشم أبوالفضل أمين" صاحب إحدى "الفاخورتين" المقاتلتين، والقابضتين على جمر هذه الصناعة حتى اليوم. يقول "هاشم" إن صناعة الفخار تنحسر، بسبب اتجاه الناس للثلاجات وكولديرات المياه، والمهنة هجرها أصحابها.. فيما ما زال والد هاشم وفيا لمهنته، ومبقيا على الفاخورة حتى اليوم. يجيب هاشم عن تساؤلنا عن زبائنه اليوم، فيقول إنهم قلة قليلة جدا قياسا بالماضي، يجمعهم الاعتقاد بأن شرب المياه من الأواني الفخارية صحي أكثر من نظيره المبرد بالثلاجات، لذلك فإن هناك شخصيات على مستوى علمي واجتماعي عال يقبلون على منتجاتهم الفخارية من قلل وأزيار. يكشف هاشم - ل "المشهد"- بعضا من سر الصنعة، فيقول إن هناك مواصفات للطين المستخدم في القلل أو الأزيار أو أواني الطهو كالطواجن والبرام، فهي تأتي من أماكن معين تكون قريبة عادة من مصادر المياه الطبيعية، وهي النيل وروافده من الترع، ولابد أن تكون "طينة" نظيفة ليس بها شوائب من رمال أو غيره، مضيفا أن الطين نوعان، أبيض وأسمر، يستخدم الأبيض في القلل، وفي الأزيار مع بعض الطين الأسمر، أما الطواجن والبرام فيستخدم في صناعتها الطين الأسمر فقط. يضيف هاشم أن صناعة القلة أو الزير تمر بعدة مراحل، تبدأ بصناعة القاع، الذي يترك ليجف في الشمس عدة أيام، ثم يضاف له قطعة أخرى صنعت في مرحلة مستقلة، وهكذا حتى تكتمل، ثم توضع القطع المكتملة في الفرن أو التنور لحرقها، ويتكون التنور من جزءين الأسفل لوضع البوص والمحروقات، فيما يتم وضع الفخار في الجزء العلوي، ويتم إغلاق التنور عند إشعال النار التي تستمر مشتعلة 3 ساعات كاملة قبل إطفائها، وترك الفخار حتى يبرد ويتم إخراجه ويصبح جاهزا للاستخدام.