«من قبل جيلين تقريبًا كان الحكى أمرًا عاديًا فى بيوتنا، تحكى الجدات وتحكى الأمهات للأطفال، واستمر الأمر حتى السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ثم بدأ البعض يتعالى على حكاياتنا الشعبية، ويقولون إيه الكلام الفاضى ده، لا تحكوا للأطفال عن أمنا الغولة حتى لا يتربوا على الخوف، مع إننا كنا أطفالا ولم نخف من أمنا الغولة، وأصبحت الأم تطلب من الجدة ألا تحكى مثل هذه الحكايات للأبناء، فى حين تتركهم دون مراقبة أمام التليفزيون ثم الإنترنت فتعرضوا لمشكلات أكثر». تشرح حكاءة الأطفال، الكاتبة صفاء عبدالمنعم، مديرة مدرسة الزمالك المشتركة الرسمية، لماذا احترفت «الحكى للأطفال» هى وبعض الكتاب والكاتبات. وتتابع صفاء: لم يعد الأطفال يلعبون فى الشارع زى زمان، لعب الشارع لعب جماعى، لا يشعر الأطفال بالعزلة، حتى من يعانى من التوحد تذوب لديهم هذه المشاعر ويتفاعل مع الآخرين، فلكل لعبة قوانينها التى تعلم الطفل الالتزام وإزاى يكون عضوًا فى جماعة، وأيضا الشجاعة حين يختار كقائد للفريق أو حكم فى اللعبة، ويتعلم الكثير من المهارات الأخرى للعمل الجماعى، وتساعده على ذلك الأغانى المصاحبة للعبة عادة. الثورة قادتنا للعودة للحكى البداية كانت أثناء ثورة يناير، عندما لاحظنا أن بعض الأطفال تم استغلالهم فى الميدان لرمى طوب على مجموعة ضد أخرى، ومجموعة أخرى تم استغلالها لتحمل لافتات مكتوبًا عليها أشياء لا يدركون معناها، كنت وقتها مديرة مدرسة أبو الفرج التابعة لإدارة غرب القاهرة التعليمية، والتى تقع بمنطقة بولاق أبو العلا، فاقترح علىّ موجهى الأنشطة أن ننظم ورشًا للحكى للأطفال وورشًا لتدريب الموهوبين فى الرسم والكتابة وغيرهما. وبالفعل نظمنا لقاءات الحكى أثناء اليوم الدراسى نفسه «من 10-12 صباحا» بمشاركة الطلاب من الابتدائى وحتى الثانوى، وبعض أولياء الأمور أقبلوا على الحضور بشكل لم نتوقعه، كما شارك طلاب من مدارس أخرى. وبدأت الفكرة تتطور تحكى الحكاية فى الأساس للتسلية، ثم للقيم والرسائل التى تحملها. لم يعد الحكى مقصورا عليّ، بل دعونا كتابا آخرين ليحكوا قصصهم ومنهم كتاب أدب الأطفال، ولا يقتصر اللقاء على حكى القصص فقط، بل ذكريات الكاتب عندما كان طفلا، ومناقشات أخرى، ونوزع هدايا كتب على الأطفال، سواء من كتب الكاتب أو لغيره. ولم يقتصر دور الأطفال على الاستماع والمناقشة فقط، بل أيضًا الغناء والعزف والرسم، وكتب بعضهم قصصًا، ومنهم طالب كان فى الصف السادس الابتدائى، اسمه «بيشوى وليم» جمعت له قصصه فى كتاب، وطبعته على نفقتى فى إحد دور النشر، تشجيعًا له وتحفيزًا لباقى زملائه. ثم توسع النشاط الى قصور ثقافة 6 أكتوبر والقناطر، وعلى استعداد لأن أذهب إلى أى قصر ثقافة أومركز شباب يدعونى فيه للحكى للأطفال. الفرق بين الكتاب والحكى غرفة فارغة مغلقة ليسهل السمع بعيدًا عن الضوضاء، ومقاعد وطاولة يلتف حولها الأطفال، أو من دون طاولة، هذا كل ما تحتاجة لورشة للحكي فى أى مكان، مدرسة أو قصر ثقافة الطفل أو مركز شباب أو مكتبة عامة أو مكتبات الطفل أو غيرها. «لو أنت هتكتب الحكاية دى هتنهيها إزاى، طيب ممكن تكتب لى عن شخصية من شخصيات القصة ورأيك فيها» بطريقة عملية تشرح صفاء الفرق بين قراءة الكتاب، وبين الاستماع للحكى والمشاركة فيه، «إن الكتاب مش بياخد ويدى، لكن فى الحكى الحكواتى بيأخد ويدى مع الأطفال، ويخلى الطفل يشارك فى الحكاية، وبعدها نلعب كلنا لعبة جماعية، نتعلمها ونمارسها». تتمنى صفاء أن يكون لديها مؤسسة خاصة، لتنظم فيها ورش حكى للأطفال باستمرار، يقضى فيها الطفل ساعتين، كأنه فى السينما، يسمع ويشارك ويكتب، ويعزف ويرسم ويغنى. الحكاءة الأولى تعلمت صفاء الحكى من جدتها، التى تعتبرها الحكاءة العظيمة، وتسترجع أغلب قصصها فى حكاياتها، لكن صفاء لم تتوقف عند حكايات الجدة فقط، بل درست تقنيات الحكى فى معهد الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، كارتفاع الصوت فى مناطق من الحكاية وخفضه فى مناطق أخرى مع حركات أخرى للجسم معبرة عن مواقف الحكاية. فى المعهد أيضا رجعت صفاء للكثير من مصادر الحكايات الشعبية التى جمعها الباحثون من بعض محافظات مصر، «بأخذ المضمون وأغير فى طريقة سرد الحكاية حسب الجمهور، يعنى لو أطفال فى ابتدائى، أحكى القصة على لسان الحيوانات، ولو لطلاب فى الثانوى أحكيها على لسان شخصيات بنى آدمين». حكياتنا الشعبية فى خطر تطالب صفاء الدولة بمؤسساتها الثقافية بالاهتمام بجمع حكاياتنا الشعبية، فما تم جمعه من الباحثين مقتصرعلى محافظات بعينها وبجهد فردى من الباحث، «إحنا فى حاجة لمشروع قومى لجمع حكاياتنا الشعبية، تراثنا وحكمتنا، من كل المحافظات، قبل أن يندثر الجيل الذى مازال يتذكر هذه الحكايات، ممن بلغوا الخمسين والستين فأكثر، الكثير من الدول العربية أصبحت تهتم بتراثها من الحكايات وتحكيه للأطفال فى المدارس، كما يحدث فى الإمارات، ويتبناه مهرجان الشارقة لكتب الأطفال، الذى يجوب مع الكتاب فى المدرس ليحكوا حكاياتهم». وتتابع صفاء: لا أحد ينكر قيمة سندريلا والأميرة النائمة وسنو وايت والأقزام السبعة، وغيرها من القصص الشعبية التى جمعها الألمانيان «الأخوان جريم» اللذين درسا القانون، وأرادا أن يجمعا التراث الألمانى فى القرن الثامن عشر، فقابلا الجدات والأقارب وبدآ يجمعان منهم القصص الشعبية، التى أصبحت فيما بعد مشروعًا قومًيا لجمع التراث الألمانى، وأصبح الكثير منها قصصًا عالمية ومثلت فى أفلام عالمية نالت شهرة واسعة، وتتمنى أن يكون لدينا مثل هذا المشروع القومى. التربية الأخلاقية رانيا حسين أمين، كاتبة أطفال واختصاصية نفسية، عملت فى تخصصها بالكثير من المدارس واقتربت من الأطفال من مرحلة من ماقبل المدرسة وحتى الثانوى، واحدة من حكاءات الأطفال المشهورات الآن، ويلتف حول حكاياتها الكثير من الأطفال فى مكتبات الطفل الشهيرة. تحكى عن بداية احترافها للحكى: «قبل ما أفكر فى الحكى، كنت بأفكر فى التربية الأخلاقية، إزاى أعلم الأطفال القيم، وابنى شخصيتهم، لقيت عندى قصص وكمان قصص لكتاب تانيين، بدأت أحكى القصة ونتكلم عنها ونتناقش، عشان الأطفال توصل لهم قيم معينة ويفهموها». تعلل رانيا العودة إلى الاهتمام بفن الحكى، إلى أن هناك احتياجا للتواصل أكثر بين الناس، لأن الحكى بيقرب الناس من بعضهم، والأطفال تتعلم أكثر من القصص، والأمهات ليس لديهن الوقت للتواصل مع أطفالهن وفى نفس الوقت يدركن أن الاستماع للحكاية من أسعد اللحظات لدى الأطفال، ولهذا يسرعن باصطحابهم إلى مكتبة أو قصر ثقافة ينظم ورشا أو لقاءات للحكى. رانيا معجبة بحكاءات أخريات للأطفال، مثل سهى عبد القادر، ودينيس سعد، فهمى تحيكان بشكل ممتع ملىء بالتشويق والإثارة والاندهاش، وعن نفسها تقول «لما بحكى حكاية سواء قصتى أو قصة كاتب آخر، لازم أكون بحبها، وتكون مليئة بالمشاعر المؤثرة، لكى أستطيع أن أوصلها للأطفال، لكن عموما أحب الكتابة أكثر من الحكى، لأنى أحب أن أراقب الناس وأحلل شخصياتهم وأفكر وبعدها أكتب عنهم».