بعد أيام قليلة ينطلق المسح القومى للكشف عن فيروس سى، ليشمل 45 مليون مواطن مصرى، وبهذا الرقم يعتبر أكبر مسح طبى فى العالم، تنفيذًا لمبادرة الرئيس السيسى للقضاء على الفيروس. خطوة مهمة وغير مسبوقة، لتنفيذ الخطة القومية للقضاء على الفيروس اللعين، الذى كان يودى بحياة الآلاف سنويًا، بعد معاناة مع الفيروس وتأثيره على الكبد وعلى نشاط المصاب، وآلام أسرته. وتأتى هذه الخطوة عقب وصولنا –عالميًا- إلى نسب غير مسبوقة فى علاج المصابين بالفيروس، بعد أن وصلت نسب الشفاء خلال الأربع سنوات الماضية إلى 50 % من الحالات التى يتم علاجها حول العالم، فوفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية يوجد ثلاثة ملايين شخص تم علاجهم على مستوى العالم حتى آخر عام 2017، منهم 1.8 مليون تم علاجهم في مصر، ولهذا ينظر إلى مصر الآن باعتبارها صاحبة تجربة فريدة من نوعها فى العلاج. عن المسح وأحدث طرق العلاج وأماكن تقديمه ومتابعته، وتجارب من تلقوا العلاج مؤخرًا، فى السطور التالية. القفزة التى حققتها مصر فى العلاج، جاءت فى عام 2014، عندما تمكنت الدولة من الحصول على العلاج الأصلى للفيروس بسعر%1 من السعر الدولى، لتكون أول دولة تحصل على هذا السعر، وتم السماح فى نفس التوقيت للشركات الوطنية بتصنيع هذا الدواء، حتى وصل عدد الشركات إلى 19 شركة مصنعة للدواء بعضها يعتمد على المواد الأصلية وينتجها بنفسه، والآخر يقوم باستيرادها من الخارج، حتى وصل سعر العلاج حاليًا إلى واحد على الألف من ثمنه فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتقول الدكتورة منال حمدى السيد، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية: إن كورس العلاج فى مصر، يبلغ 84 دولارًا وبعد المسح سيتم الوصول إلى نصف هذا الثمن، فى حين يصل فى أمريكا إلى 84 ألف دولار. من الانتخابات إلى المسح الطبي وتشرح د.منال لماذا تم تحديد المستهدفين من المسح ب 45 مليون مصرى،: «وفقًا لقاعدة بيانات اللجنة الوطنية للانتخابات، عدد من تخطوا ال 18 عامًا، يبلغ 50 مليون مواطن، وهى البيانات التى وصلت إلى وزارة الصحة، ومن ثم استبعدت الأشخاص الذين تم علاجهم من قبل، وبلغوا خمسة ملايين مواطن، ليصبح المستهدف 45 مليون مواطن، والهدف الأكبر هو العثور على المصابين لعلاجهم، ويتوقع أن يكون عددهم بين 3 إلى 4 ملايين شخص فى المرحلة الواحدة من مراحل الفحص الثلاث. المرحلة الأولى تشمل 9 محافظات، والثانية 11 محافظة، والثالثة 7 محافظات، وفقًا لقاعدة البيانات والتوزيع الجغرافى، بحيث تشمل كل مرحلة محافظات حدودية وحضارية وساحلية وريفية. المرحلة الأولى تبدأ بعد أيام فى أول أكتوبر، وتستهدف مسح 17 مليونًا، والثانية ستبدأ فى ديسمبر 2018 إلى فبراير 2019 وبها القاهرة، التى تحتوى على نقاط كثيرة تحتاج إلى التغطية وتستهدف 15 مليون مواطن، والأخيرة تستهدف 13 مليونًا فى المحافظات المتبقية. المسح المعتمد من منظمة الصحة العالمية، عبارة عن تحليل يشبه تحليل قياس نسبة السكر فى الدم «شكة دبوس» فى الإصبع الرابع، والإبرة يتم استخدامها لمرة واحدة، ولن تصلح للاستخدام مرة أخرى، وفقًا لطريقة عملها، وتم تدريب حوالى 1000 من الممرضين والأطباء خلال الفترة الماضية؛ ليدربوا بدورهم 14 ألفًا آخرين، على يد أفضل مدربة فى العالم، وجاءت خصيصًا من جنوب أفريقيا لهذه المهمة. وتراقب جودة العمل منظمة الصحة العالمية كل ثلاثة أشهر مع صندوق تحيا مصر كممثل للمجتمع المدنى، ويشمل التحليل كشفًا عن مرض السكرى وقياس الوزن وضغط الدم، ومن سيثبت أن لديه اشتباهاً فى أى من الأمراض السابقة سيتم توزيعه على المستشفيات الخاصة بكل مرض، والأقرب لكل مواطن، بحسب د.منال. إبراهيم: «يوم اكتشافى للفيروس اسودت الدنيا فى عينى» خلال السنوات الأربع الماضية خاض الكثير من المصابين تجربة العلاج، ولم يكن الكثير يعتقد أن العلاج من هذا الفيروس ممكن، خاصة إذا كانوا قد عاشوا مع أقارب أو جيران تجربة الإصابة وتطور المرض وآلامه. إبراهيم علي، ممرض بمستشفى جامعة القاهرة للطلاب، حينما بلغ من العمر 45 عامًا، منذ ثلاثة أعوام، شعر بتوعك شديد وخسر الكثير من وزنه، فهرع لإجراء التحاليل بعد الكشف لدى الطبيب وصُدم حينما أكد له طبيبه أنه أصيب بفيروس سى، وقال إبراهيم «أعتقد أن العدوى انتقلت لى عن طريق أحد المرضى الذين أتعامل معهم عن طريق الدم، فمهنتنا صعبة ومحاطة بالمخاطر دائمًا». وأضاف: «صعقت فى البداية حينما أخبرنى الطبيب أننى مصاب بفيروس سى، فأخى توفاه الله منذ سنوات بسبب المرض نفسه، بعد سنوات من الألم والتعب، وفى النهاية وجد السرطان اللعين طريقًا لجسده النحيل وتضاعف ألمه مرات ومرات». إبراهيم كان يخشى أن يواجه نفس مصير أخيه، ليس لأنه يخاف الموت، ولكن لأن أبناءه مازالوا صغاراً أولا يريد تركهم وحيدين «اسودت الدنيا فى عينى، لكن الدكتور طمنى أنى ممكن أخف خلال شهور، من العلاج المكثف»، لم ينتظر إبراهيم حتى يحصل على العلاج من أقرب مستشفى عام له، بل اشتراه بأمواله الخاصة، مستفيدًا بالتخفيض الذى توفره له البطاقة الصحية الخاصة بمستشفى جامعة القاهرة كونه أحد موظفيها. تعافى إبراهيم بعد علاج دام ثلاثة أعوام، «الدواء اللى أخدته كان بيتعبنى وبأحس بالهبوط، لكن كنت مُصّر على متابعة كورس العلاج بشكل سليم، وبأنصح المصابين بالبعد عن أى شخص جريح، ويأكلون الطعام الصحى والذى لا يحتوى على نسبة عالية من الدهون». سعيد: «عرفت بالصدفة.. والعلاج أخذ 3 شهور بس» أما سعيد علام، مهندس زراعى بالمعاش، فكان يعمل بأحد مصانع الأغذية المحفوظة، اكتشف مرضه عبر الصدفة البحتة، فحينما كان بمستشفى دمنهور العام للكشف إثر وعكة صحية بسيطة، استوقفه الطبيب المكلف بعمل تحليل Elisa، للكشف على الأجسام المضادة لفيروس«سى» للمواطنين، لمعرفة إصابتهم بالفيروس من عدمه. بعد عدة أيام من التحليل تلقى اتصالًا من المستشفى يخبرونه بضرورة حضوره لتلقى علاج مرض فيروس سى، لأنه كان مصابًا به ولم يكن يعلم، ولحسن الحظ أنه تم اكتشاف المرض بشكل مبكر للغاية؛ حيث تعافى تمامًا بعد خضوعه لكورس علاج مكثف لمدة ثلاثة أشهر. علام كان يحصل على العلاج كل شهر مجانًا من المستشفى بالإضافة إلى التحاليل الدورية التى كان يخضع لها، وحتى بعدما تعافى مازال يذهب لمستشفى دمنهور العام حيث يهتم الأطباء هناك بمتابعة حالته حتى لا تتدهور صحته مرة أخرى ولا يصيبه الفيروس مجددًا. شوقي: «فرصة عمل بالسعودية عرفتنى..والتحليل الأخير رجع لى شبابى» ومن الشرقية يحكى شوقى محفوظ، 50 سنة: عملت موظفًا بعد التخرج فى الجامعة لمدة 10 سنوات وبعدها قررت السفر للعمل فى السعودية، تركت عملى وتقدمت لفرصة العمل وبعد الكشف الطبى ظهرت إصابتى بفيروس سى». ضاعت فرصة السفر وبدأت مشقة ودوامة التحاليل والأطباء والعلاج، مشقة وتكلفة عالية جدًا حتى بمقاييس وقتها، وعدت لعملى، ورغم أن التحاليل أثبتت أن الفيروس كامن، لكن مع مرور الوقت نشط الفيروس أو هكذا أثبتت التحاليل، ولم أكن أرى أمامى إلا حالات متأخرة، منهم العم والخال والصديق والقريب، مروا بنفس الخطوات، انحناء ظهر وسوء حال، ثم الألم الذى يتمنى معه المصاب الموت ثم الغيبوبة المتكررة ومهانة الانتقال إلى المستشفيات، وكل مصاب وما يقدر على دفعه ثمنًا لسرير فى العناية المركزة، وبين جدران البيوت والمستشفيات يصبح الموت رحمة للمريض وأهله». يكمل شوقى : «عشت أجمل سنوات عمرى بهذا الكابوس وكأنى أنتظر المصير نفسه، وعندما أعلن عن حملة علاج مصابى فيروس سى لم أهتم، فقد كنت أتصور أنه لا أمل، لكن بعد نجاح حالات كثيرة وإلحاح أسرتى تقدمت للعلاج وخضعت لكل مراحله، حتى أثبت التحليل الأخير سلامتى، مش قادر أوصف فرحتى، وكأنى أسترد سنوات القلق والخوف واليأس، وكأن شبابى رجع لى مع الحياة من غير الفيروس اللعين». أماكن العلاج للمصابين ويقول د.هانى دبوس، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، إن المسح الذى يبدأ فى أكتوبر، مرتبط بالعلاج للمصابين أيضًا: «تشارك فى المسح 1400 وحدة صحية فى المرحلة الأولى، بحيث يستطيع سكان القرى الوصول لأقرب نقطة لإجراء التحليل، وتم الاتفاق مع مشايخ القرى ووحدات التضامن الاجتماعى والجمعيات الخيرية لمساعدة المواطنين فى الذهاب لإجراء التحاليل، فى مركز التحليل بالوحدة الصحية». وتابع: كل مركز سيخدمه طبيب وممرض ومدخل بيانات، لتسجيل بيانات الشخص فور ظهورها على قاعدة البيانات، ومن تظهر نتائج تحليله وجود أجسام مضادة للفيروس، يتم نقله إلى أقرب مستشفى لإجراء التحاليل والفحوصات الكاملة لتجهيزه للعلاج، بحيث يأخد العلاج سواء من الوزارة أو مركز علاج الفيروسات الكبدية. ووصلت نسب الشفاء إلى %96 من المرضى الذين تعرضوا للعلاج مؤخرًا، ونسبة من لم يستجيبوا له قليلة نتيجة حدوث طفرات جينية للفيروس بداخل الخلايا المصابة، وكورس العلاج ثلاثة أشهر، وأحيانًا يمتد لستة أشهر فى حالة مرضى زراعة الكبد، وتكاد تكون الآثار الجانبية منعدمة، وهناك متابعة دقيقة للمرضى خلال وبعد فترة العلاج.•