أن يطلق أحد الأطفال النكات أو السخرية على زميل فى المدرسة أو النادى، فتبدأ باقى المجموعة فى التقاط طرف الخيط والاستمرار فى إطلاق التهكم المستمر على هذا الزميل، ما قد يدفع الطفل ضحية التهكم والسخرية إلى الانزواء والعزلة الاجتماعية وعدم الرغبة فى الاختلاط أو ممارسة أى عمل جماعى. هذا هو ما بدأ يعرف عالميًا بمصطلح «التنمر»، والتنمر فى تعريفه البسيط هو إطلاق الأحكام على الآخرين، بهدف التشويه، والانتقاد لكل ما هو مختلف فى شخصية الشخص أو الطفل ضحية التنمر، بداية من التهكم على طريقة كلام أونطق مختلفة للحروف نتيجة اختلاف ثقافى أو مشكلة فى نطق الكلمات. الفستان الأزرق أول قضية تنمر عالمية فى تسعينيات القرن الماضى كانت قضية العشرينية المتدربة فى البيت الأبيض، مونيكا لوينسكى التى اشتهرت بفضيحة الفستان الأزرق فى البيت الأبيض، هى أول قضية تنمر عالمية، رغم عدم انتشار شبكات الإنترنت وقتها بشكل كبير، ولم يكن يعرف العالم السوشيال ميديا. لكن وكالات الأنباء والصحف العالمية أطلقت عجلة التنمر تجاه مونيكا، لتكون أول واقعة تنمر على مستوى عالمى، نتيجة الأبعاد السياسية لهذه الواقعة وارتباطها برئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بيل كلينتون وما يدور حوله من صراع سياسى. وألف البعض كتبًا فضائحية عن القصة، ودفعت تكنولوجيا الإنترنت عجلة الإذلال العام الذى تعرضت له مونيكا إلى أقصى حد ممكن. مونيكا تكافح التنمر وبعد مرور أكثر من 15 عامًا ظهرت مونيكا من جديد كناشطة حقوقية فى مجال مكافحة التنمر فى ملتقى «تيدكس» لتروى قصتها، فى خطاب مؤثر، يحكى تفاصيل الفضيحة، وكيف تحول العالم أجمع مشاركًا فى إذلالها. وقد تجاوز عدد مشاهدات حديثها نحو 12 مليون متابع حول العالم. خبرة لوينسكى التى مرت بها وكانت حالة فريدة من نوعها، تحولت اليوم إلى ممارسة شبه يومية لدى البعض، خصوصًا فى ظل وسائل التواصل الاجتماعى وتكنولوجيا الإنترنت، حيث زادت حالات الفضح والإذلال العلنى. حكاية مونيكا واحدة من الحكايات التى انتهت نهاية سعيدة إذ إنها فى النهاية استطاعت التغلب على الأزمة، والخروج إلى العلن مجددًا هذه المرة مدافعة عن الحريات. كيف تجوزت الإذلال العالمى لوينسكى أعطت لمتابعيها روشتة العلاج التى تتلخص فى «الرحمة والتعاطف»، وقالت إن «مقدار الرحمة والتعاطف من أقاربها وأصدقائها وحتى بعض الغرباء ساعدها كثيرًا على تجاوز محنتها». وطالبت مستمعيها بتقديم التعاطف مؤكدة أن التعليقات التى تحمل التعاطف تساعد فى انحسار السلبية. وقالت: «علينا أن نتواصل على الإنترنت برحمة». ورغم أن تعبير التنمر والإذلال العام ما زال جديدًا على المجتمع المصرى، فإن وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت تعج بملايين المشاركات؛ ليست إلا وصما لأشخاص ربما لا نعرفهم، ولا تجمعنا بهم أية صلة، فهذه شكلها يدعو إلى الضحك، وذاك كتب عبارات عفوية وجد فيها البعض سببًا للضحك، أو تسربت أحد أسراره الشخصية إلى العلن، وصارت مثارًا للنميمة العلنية. وصار العالم أجمع واعيًا بمخاطر التنمر التى قد تفسد على الضحايا حياتهم إلى الأبد، أو تدفعهم إلى قتل أنفسهم، أو العيش تعساء موصومين، لذلك بدأت جمعيات المجتمع المدنى وبعض الحكومات فى تنفيذ خطط لمواجهة ثقافة التنمر، وأصبح فى العالم ما يعرف بالناشطين فى مجال مواجهة التنمر، ينشرون الوعى حول هذه القضية ويساهمون فى تأهيل الضحايا ببعض الحيل النفسية التى يمكن أن تساعدهم على تجاوز الأزمة، أو مواجهة المتنمرين. صناعة التنمر لجنى الأرباح لا يغيب عن المشهد البعد الاقتصادى الذى صار مرتبطًا بجنون حصد المشاركات، وجنى الإعجابات على صفحات الفيس بوك الكبيرة، وهى وسيلة مثالية لجنى الأموال عبر الإنترنت من خلال نسبة المشاهدات والقراءات، وظهرت سوق جديدة لا أخلاقية تعتبر الإذلال العلنى سلعة وفضح الآخرين وإفشاء أسرارهم صناعة لها جمهور وتضخ الأموال. فأصبحت هناك مواقع وصفحات على السوشيال ميديا، أنشئت خصيصًا للبحث عن هذا النوع من الفضائح والتنمر سواء على مستوى الأفراد داخل المجتمع الواحد بين المجتمعات المختلفة وبعضها البعض، والهدف هو جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين والقراء ما يضمن لأصحاب هذه المواقع أرباحًا شهرية ضخمة على حساب ضحاياهم.!