من منا لم يختبر فى جلسات ليلية، حديثًا عن الأشباح وأفعالهم، فى ظل تأكيد الرواة مشاهدتهم وسماعهم، وسط أجواء يشوبها الخوف، ويملؤها الغموض، وتؤججها الإثارة، والناس بين مصدق مرتعد، وآخر يراها مزحة ويستدر المزيد لالتماس مشاعر التجربة الحقيقية من خلال محاكاتها المتخيلة _مع الاحتفاظ بالأمان_ كونها تجربة غير مُعاشة، مما يحقق بدوره انتصارًا جزئيًا، أو ربما يحرره من قيد مشاعر الخوف الواعية . ويظل هذا الأمر للمغامرين فقط!. نويل كارول، فيلسوف أمريكى معاصر، أسس واشتهر بما يعرف فى الفلسفة بفلسفة الرعب فى كتابه الذى يحمل ذات العنوان. يتناول فيه ما يسميه «جماليات الرعب الخيالى» فى الأعمال الفنية والأفلام . لمحاولة فهم سر استمتاع الناس بمشاهدة واختبار الرعب الذى قد يذهب بعقولهم، سواء بمشاهدة أفلام أو تجارب الألعاب المتهورة أو بيوت الرعب التى يتسابقون فى ارتيادها! ولماذا يحوز هذا النوع كل تلك الشعبية الواسعة، مفارقة إنسانية نفسية فى الهروب من الهلاك والإسراع نحوه.! يجىء كارول فى فلسفة الرعب بنظرية يسميها «نظرية الفكر»، مفادها أن مشاعرنا حيال ما نسميه رعبًا حقيقيًا، ليس بسبب واقعية الحدث، وإنما لتخيلنا للذى قد يحدث نتيجة أن الحدث وقع فعلًا. يهدف هذا النوع الخاص جدًا من الفن «فنون الرعب» من خلال تشابكات كثيرة لإثارة شعور الخوف، وهو قديم قدم اكتشاف الإنسان للخوف الناجم عن صراعه مع الطبيعة، كما يظهر فى الأساطير والحفريات. وقد وصف أرسطو استمتاع الناس بقصص الرعب والمسرحيات التى تحتوى أحداثًا عنيفة دراميًا، على أنه جزء من حاجاتهم للتنفيس عن مشاعرهم السلبية. ويقول هيوم: «إنه قد يحصل المتفرج على متعة لا تحصى من الحزن والرعب والقلق والمشاعر الأخرى فى مأساة كتبت جيدًا، مشاعر فى ذاتها غير مقبولة وغير مريحة، كلما لامست مشاعر المتفرج ابتهج بالمشهد؛ وفى الوهلة التى تتوقف فيها تلك المشاعر غير المريحة تنتهى القطعة الفنية». الإنسان كائن خوّاف ويرى باحثون أن الخوف مرتبط بجينات المرء، والطبيعة التى ينشأ فيها أو ما يمكن تسميته بالفطرة، فأول أشكال الوعى البشرى التى ظهرت فى الحفريات كانت هواجس الإنسان القديم، بأن يجد نفسه قد تحول إلى فريسة لغيره من الكائنات، مما جعل منه كائنًا خائفًا وحذرًا . واستفادت السينما وغيرها من الفنون من إيمان الناس بمثل تلك الحكايات فى صياغة أشكال جديدة من الفن تحفز مشاعر الخوف، بل الخوف الشديد الذى يقترب من الهلع، وبتكرارها واعتيادها شيئًا فشيئًا أصبحت غير كافية، ولم يعد كل الذى يخيف مخيفًا، مما استلزم استحداث مزيد من المخاوف، والذهاب بعيدًا لاكتشاف مناطق أخرى، مثل الزومبى «الموتى الأحياء»، ومصاصى الدماء، أو تحويل مصادر البهجة لمصادر رعب، مثل المهرج والدُّمى وتحويلها لعناصر رعب تتغذى على البشر. تحفز أفلام الرعب وحكاياه تفاعلًا يحاكى النتائج المشابهة للتعرض للخطر والمطاردة والافتراس، وتحفز عمل مناطق معينة فى الدماغ تتعلق بالمشاهدة والتحليل، بسبب التوتر المصاحب للغموض وارتباط المتفرج بما يحدث أمامه، مع إدراكه لأن كل ما يجرى ليس حقيقيًا. ومن الطريف ربما، والجدير بالذكر أنه إضافة إلى الفوائد النفسية للتعرض لنوبات الرعب المتخيلة، فى التحرر من الخوف وغيرها من الأبعاد المركبة، وهناك دراسة جديدة تؤكد أن مشاهدة أفلام الرعب ليست بالأمر الضار، بل قد تكون جيدة من أجل الصحة، يتعلق الأمر هنا بكمية السعرات الحرارية التى تفقدها خلال مشاهدة هذا النوع من الأفلام تحديدًا، تقول الدراسة: «إن مشاهدة فيلم رعب يعادل فقدان السعرات الحرارية التى يسببها قالب صغير من الشوكولاتة »!. وبذلك فإن خريطة مشاهدة جيدة قد تغنى عن الذهاب للنادى!.•