فيصل شيبانى ناقد فنى جزائرى لا يمكن أن تكفى هذه السطور للحديث عن علاقة يوسف شاهين ببلد اسمه الجزائر، ما لا يعرفه الكثيرون أن شاهين كان أول من أخرج فيلمًا حول الجزائر إبان حرب التحرير الوطنية، كما أن فيلمه حول «جميلة بوحيرد» ساعد الثورة وساهم فى التعريف بالقضية الجزائرية، نظرًا للصيت الكبير الذى حققه الفيلم ولارتباط الفيلم باسمين كبيرين الأول هو المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد والثانى لأن العمل من توقيع المخرج المصرى الذى ولد كبيرًا يوسف شاهين، هذا الأخير كان يود أن يقدم المزيد للقضية الجزائرية وكان يعتبر فيلمه حول «جميلة» بمثابة الفيلم النضالى. جميلة بوحيرد ويوسف شاهين «جميلة» الفيلم الذى نال شهرة كبيرة عبر كل الأقطار العربية، للعلم تعود فكرة إنجازه إلى السيدة ماجدة التى تعاطفت مع الثورة الجزائرية، لذا أنفقت من مالها الخاص لإنجازه، وقد كلفت المخرج عز الدين ذو الفقار للقيام بذلك، إلا أنه مرض فعوضه يوسف شاهين الذى أكمل إنجازه رغم أنه لم يكن يعرف الأشياء الكثيرة عن الجزائر وقتها. بعد خروج الفيلم وعرضه للجمهور سنة 1958، هنا تتوتر العلاقة بين يوسف شاهين والمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، فى أحد لقاءاتى معها بادرتها بالحديث عن الفيلم فردت مستغربة «عن أى فيلم تتحدث؟» فقلت فيلم «جميلة» للمخرج يوسف شاهين فقالت لى هذا الفيلم لا يمثلنى، بل أساء إلىّ ولم يعجبنى إطلاقًا، كما أن المخرج يوسف شاهين لم يوجه لى حتى الدعوة لحضور العرض الأول للفيلم، ومن هنا ندرك أن جميلة بوحيرد لم تكن راضية عن العمل الذى قدمه يوسف شاهين رغم الشهرة التى نالها الفيلم وساهم فى التعريف بالقضية الجزائرية وقصة نضال هذه السيدة التى عانت ويلات المستعمر الفرنسى. ويقول الفنان الكبير الراحل سيد على كويرات -أحد أبطال فيلمى «عودة الابن الضال» و«المهاجر»- أن فيلم «جميلة» لم يعجبه، ولا يليق بسمعة جميلة بوحيرد ولا بسمعة شاهين، مضيفًا أن الفيلم لم يقترب من حياة جميلة إلا فى الاسم فقط، معتقدًا أن شاهين تاجر بفيلم جميلة وكان هدفه ماديًا بحتًا. «العصفور».. الجزائر تنقذ «جو» بداية احتكاك شاهين بالفنانين الجزائريين كانت بإنتاج الفيلم الأول عام 1972 بعنوان «العصفور»، الذى يسرد من جهة حياة المصريين والعرب بعد نكسة 1967، ومن جهة أخرى يفضح ظاهرة الرشوة التى تفشت فى المجتمع المصرى بصورة مقلقة، هذا الفضح العلنى للأوضاع المصرية المتردية فى تلك الفترة كلفه حصارًا من السلطات، إلا أن هذا الحصار زاد فى تمرده على السلطة، وفى هذه الفترة الجزائر كانت قبلة رواد الفن والسينما، من خلال فتح المجال أمام المخرجين الكبار لمشاريع إنتاج مشتركة تكللت بالعديد من الأعمال السينمائية الخالدة، من بينها فيلم «زاد» للمخرج العالمى كوستا جافراس والذى مكن الجزائر من التتويج بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى سنة 1969 وتسلمها فى تلك الفترة المخرج والمنتج أحمد راشدى، كما فتحت الجزائر أبوابها للمخرج يوسف شاهين لتفكّ عنه الحصار الذى كان يتعرّض له فى مصر بعد منعه من العمل، إذ لجأ إلى الجزائر للبحث عن تمويل لأفلامه، وساهمت فى بسط طريقه نحو العالمية، وكان أحمد راشدى صاحب الفضل نظرًا لعلاقة الصداقة بينه وبين «جو»، حيث كان راشدى مسئولاً، بين عامى 1967 و1973، عن قسم الإنتاج فى الديوان الوطنى الجزائرى للتجارة والصناعة السينماتوغرافية «ONCIC» سابقًا. «عودة الابن الضال».. التعاون يستمر واستمر تعاون يوسف شاهين مع الجزائر، وراح ينجز فيلمه الثانى سنة 1976 بعنوان «عودة الابن الضال» الذى ينتهى باختلاط الأمور على أحد الأسر الثرية المصرية إلى درجة أن الأب يجهز على ابنه، يوسف شاهين أراد من خلال كل هذا توضيح درجة التعفن الذى أصاب البلدان العربية وفى مقدمتها مصر.. وهو الفيلم الذى أدت فيه دور البطولة المطربة اللبنانية ماجدة الرومى ،وشارك فيه من الجزائر الممثل الكبير الراحل سيد على كويرات ، وشارك فى إخراج وكتابة سيناريو وحوار الفيلم - إلى جانب يوسف شاهين وصلاح جاهين - المخرج الجزائرى الراحل فاروق بلوفة، الذى وقع بعدها إحدى روائع السينما الجزائرية بفيلمه «نهلة» الذى يحكى بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وأهمية الحرب اللبنانية فى تاريخ المنطقة العربية، وكيف كانت التيارات السياسية فى كل البلدان معنية بها. قال يوسف شاهين فى أحد تصريحاته إن سيد على كويرات فنّان كبير، وعن هذا يقول سيد على كويرات إنه اعتراف من مخرج عالمى، مضيفًا أن تجربته فى فيلمى «عودة الفيلم الضال» و«المهاجر» ، تعدّ منعرجًا فى مسيرته الفنيّة، رغم امتعاضه من حذف اسمه من ملصق فيلم «عودة الابن الضال»، الأمر الذى جعله يسأل شاهين عن السبب، غير أن الأخير نفى علمه بالأمر وهى الحجة التى لم تقنع كويرات. فى الجزائر بناء على الأرشيف القليل الموجود فى الجزائر سواء فى السينيماتيك أو التليفزيون الجزائرى فقد زار يوسف شاهين الجزائر مرات عديدة، الأولى كانت سنة 1978 لعرض فيلمه «باب الحديد»، بدل فيلم «جميلة» نظرًا للحساسية السياسية فى تلك الفترة التى كانت موجودة بين الرئيس الراحل هوارى بومدين والرئيس السابق أحمد بن بيلا الذى كانت له يد فى فيلم «جميلة». السياسة كذلك كانت سببًا فى توقيف دعم إنتاج فيلم «إسكندرية ليه» فى تلك الفترة، حيث انسحب الجانب الجزائرى بسبب زيارة الرئيس المصرى أنور السادات- آنذاك- إلى القدس. عاد يوسف شاهين إلى الجزائر سنة 1986 على هامش أيام عنابة للفيلم المتوسطى، حيث تم تكريمه هناك، ليعود مرة أخرى سنة 2004 لمناقشة وعرض فيلمه «إسكندرية- نيويورك» بسينماتيك الجزائر. وثائقى مهم لسليم أقار يقدم المخرج الجزائرى سليم أقار فى فيلمه الوثائقى «يوسف شاهين والجزائر» وثيقة سينمائية مهمة عن العلاقة التى ربطت يوسف شاهين بالجزائر منذ سنة 1958 بعد فيلمه «جميلة»، حيث يقول أقار أنه تمكن من إنجاز هذا العمل الوثائقى على مدار 12 سنة من خلال أربع مقابلات مهمة، الأولى كانت فى سنة 2004 مع المخرج يوسف شاهين، والثانية مع الناقد السينمائى المصرى على أبوشادى وكانت سنة 2010، أما المقابلة الثالثة فجمعته مع الناقد السينمائى الأمير أباظة سنة 2014 وآخر مقابلة كانت سنة 2016 مع المخرج الجزائرى أحمد راشدى. كل المقابلات كانت تصب فى اتجاه واحد وهو علاقة المخرج المصرى يوسف شاهين مع الجزائر قبل وبعد الاستقلال، كما يركز الفيلم على التعاون المشترك بين الجزائر ويوسف شاهين التى أنتجت له أفلامًا مهمة. يقول أحمد راشدى صاحب رائعة «العفيون والعصا» إن آخر مشروع لشاهين والذى لم ير النور كان فيلمًا حول الجزائر وكان مقررًا إنتاجه فى الجزائر قبل أن يباغته المرض والموت ، مضيفًا أن شاهين كان يرغب فى وضع لبنات سينما عربية انطلاقًا من التجربة التى خاضها فى مجال إنتاج الأفلام مع الجزائر. صراع الزعامة السينمائية العربية لا يختلف اثنان على أن السينما العربية أنجبت اثنين من عمالقة الإخراج السينمائى وهما محمد لخضر حمينة من الجزائر ويوسف شاهين من مصر، الأول انتزع السعفة الذهبية الوحيدة للعرب سنة 1975 عن فيلمه «وقائع سنين الجمر»، والثانى كرم باليوبيل الذهبى عن مجمل أعماله فى الدورة الخمسين من مهرجان «كان» السينمائى الدولى سنة 1997. كثيرون لا يعرفون أن علاقة شاهين وحمينة كانت متوترة بعض الشىء، حيث يشكك يوسف شاهين بأحقية محمد لخضر حمينة بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، معتبرًا أن فوزه سياسى أكثر منه فنيًا، وهو الأمر الذى أزعج حمينة كثيرًا، هذا الأخير اعتبر ما بدر من شاهين مجرد غيرة وعجزه عن تحقيق السعفة الذهبية كغيره من العرب الآخرين، مضيفًا أن الفضل بتكريم يوسف شاهين باليوبيل الذهبى سنة 1997 يعود إلى الجزائرية الأصل إيزابيل إدجانى التى ترأست لجنة تحكيم المهرجان فى تلك الدورة. •