لم تكن مبالغة من مجلة تايم الأمريكية أن تختار صورة غلافها وموضوعها الرئيسى ترامب كملك.. ترامب كصاحب القرار الوحيد الأول والأخير الذى اختار أن يدير شئون أمريكا ومعها أمور العالم بمنطق ومفهوم وأسلوب الملك الذى يأمر فيجب أن يطاع.. والذى فى لحظة ما قد يقرر أن يغير رأيه.. فيطلب من الآخرين وخصوصًا من كبار مستشاريه أن يشيدوا بحكمته وحنكته فى إعادة النظر وترتيب الأمور من جديد.. وبالطبع الحديث عن مرونته فى التعامل مع المتغيرات الدولية. أهل واشنطن وهم يتابعون مواقف وقرارات ترامب فى الفترة الأخيرة لفت انتباههم بالتأكيد التصريحات المتضاربة والمتناقضة بشأن قمة سنغافورة، وما يمكن تحقيقه من نزع للسلاح النووى الكورى الشمالى. ولم يتردد خبراء كوريا والتسليح النووى فى القول بأن ما يُقال يثير القلق. لأن رغبة الرئيس الأمريكى فى تحقيق انتصار سياسي وإعلامي قد لا يعنى على الإطلاق نزعًا للسلاح النووى فى واقع الأمر. ترامب الملك، إذا جاز التعبير لا يريد أن يعترف بأى فشل وهزيمة ويرى بل يشدد دائمًا بأن الإعلام لا يريد أن يرى ترامب قادرًا على الإنجاز والانتصار. لذلك يسعى ترامب كل يوم أن يشوه الإعلام ويقلل من مصداقيته ويشكك فى حرصه على قول الحقائق. وهل من جديد فى هذا الأمر؟. لا بالطبع ولكن الأمر يزداد انتشارًا وتنوعًا وبالتأكيد يزيد من مخاوف السياسيين والمراقبين. على أساس أن الأحداث تتوالى والقرارات الملكية تتزايد ولكن لا أحد يعرف بالضبط إلى أين يسير بنا الملك ترامب؟! لا داعى للقلق طالما أنك مع الملك ومملكته. هكذا يقول كبار مستشاريه أو محاميه. وقد انضم إليهم منذ فترة رودى جوليانى المحامى والسياسى الشهير والحاكم السابق لمدينة نيويورك والبالغ من العمر 74 عامًا. جوليانى صار الكلب المنقض والمهاجم كما يوصف فى الحياة السياسية الأمريكية من أجل الدفاع المستميت والمستمر عن ترامب وما يفعله وما يقوله.. وعما يمت إليه مهما كان. كما أن أهل واشنطن وهم يتابعون الملك ترامب واستفراده بالقرارات لاحظوا أن جون بولتون مستشار الرئيس للأمن القومى ربما تعلم الدرس ممن شغلوا منصبه من قبل. وبالتالى آثر الصمت وعدم الاعتراض وقبل الخضوع تماما (علنا على الأقل) لتصورات ومواقف ترامب. وانعكس هذا التوجه أيضًا فى أنه صار يجتمع بترامب دون حضور آخرين من فريق الأمن القومى حتى لا يحدث تصادم فى الآراء فيغضب الملك.. والأهم حتى لا يحدث تسريب يصف أو يهول التخبط والتردد المنتشر فى إدارة البيت الأبيض. وإذا كان أهل واشنطن فى حيرة.. فما بال أهل العالم برمته. خاصة أن ترامب (رئيسًا كان أو ملكًا) لديه سلطات كبرى يمكن أن يستعملها كيفما شاء. ما شاهده وعايشه حلفاء أمريكا من دول الغرب فى الفترة الماضية أثار بلا شك لديهم العديد من التساؤلات والإنذارات بخصوص المستقبل وبشأن العلاقات والشراكات التى تربط بين أمريكا وحلفائها. أيها القارئ العزيز تأكد بأنك لست وحدك حائرًا وقلقًا وغاضبًا بما يفعله الملك ترامب. فأهل واشنطن وخاصة من يعرفون كيف تدار الأمور فى مطبخ السياسة الأمريكية فى حيرة من إدارة البلاد والاهتمام بشئون الأمريكيين. البعض يقول بأنه أصابه اليأس والإحباط وقد فاض بهم الكيل.. إلا أن البعض الآخر.. وربما فى محاولة لتفادى اليأس والإحباط يقول إن خريف الغضب الأمريكى قادم لا محالة منه.. وإن عرش الملك ترامب سوف يهتز كثيرًا فى الشهور المقبلة. كذب المحللون السياسيون ولو صدقوا!! • أنطونى بوردين.. وأشعر أننى فقدت صديقًا هذا الوصف الأخير.. أشعر أننى فقدت صديقًا.. صديق لم ألتق به كان الأكثر استعمالًا من أغلب من علموا برحيله عن عالمنا وهو فى ال61 من عمره. أنطونى بوردين الذى علمنا الكثير عن الأماكن والبشر من خلال الأكل ووجباتهم الشعبية وعربات الأكل فى الشوارع. بوردين من خلال حلقاته المميزة المذاعة عبر شبكة سى إن إن استطاع بعشق وصدق أن يعطى لنا معانى كثيرة لأكلات يستطعمها شعوب العالم على امتداد العالم. تذوق الأكل بلا حدود وبلا قيود وبلا عقد ثقافية أو قلاقيع سياسية تحد من تواصل البشر عبر الأكلات.. حلقته من إيران كانت مثالًا لذلك.. نعم أعطى لنا هذا الشيف والمتذوق المتميز للأطعمة والشراب بكل أنواعها مذاقًا خاصًا لحياتنا.. لزياراتنا لدول العالم والتعرف على أكلاتها وشعوبها بتاريخهم وعاداتهم وعلى حرص تلك الشعوب على الاستمتاع بكل هذا مهما كانت قسوة الحياة من حولهم. بوردين ولد فى نيويورك وفى صباه غسل الأطباق فى المطاعم وكان سعيدًا حسب وصفه.. ومن ثم ارتبط بالمطاعم والمطابخ والطبيخ..فصار شيفًا لا يكتفى بالطبخ بل يريد أن يعطى معنى للأكل ومن يأكله.. ومذاقًا للحياة والذاكرة والصحبة. لم يترك مكانًا وزاوية فى العالم وإلا قام بزيارة هذا المكان والاستمتاع بالحديث عن أكلاتها وطعامة ولذة ومتعة هذه الأكلات. منذ سنوات قدم حلقة عن مصر وأكلاتها من الكشرى والكوارع والفول المدمس إلى آخره.. وهو مستمتع بالحديث مع المصريين عن الأكلات المصرية. يبدو أن أنطونى بوردين أنهى حياته بنفسه.. أى أنه انتحر. وكان بالطبع أمرًا صادمًا لمن شاهدوا حلقاته واستمتعوا بحواراته الشهية واللذيذة عن الأكل والطبخ ومائدة الطعام والتلذذ بتفاصيل الوجبات.. كيف يمكن أن يقرر شخص مقبل على الحياة بهذا الشكل وشخص قادر على إثارة رغبة الحياة لدينا أن ينتحر وأن يودع دنيانا بإرادته؟؟ تساؤل طرحنا من قبل عندما قرر الممثل العبقرى روبن ويليامز القرار نفسه.. وكان ما كان.•