أثار قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على نقل المقتنيات الأثرية، من المساجد الأثرية إلى وزارة الآثار حفاظا عليها من السرقة، الكثير من الجدل بين مؤيد للقرار، حماية للآثار، وبين معارض له، حفاظا على روح الأثر التاريخى وقيمته الفنية. لكن الجدل أخذ مناحي أخرى، بعد أن نشر وسائل الإعلام للقرار، وصوراً لمنبر مسجد أبو بكر مزهر، الذى نقل طبقا للقرار، ومعروض الآن بمتحف الحضارة بعد ترميمه وصيانته. فالبعض يرى أن نقل هذه المنابر يضيع هيبة الدولة، والبعض يرى أن هناك علاقة بين نقل المنابر وبين ما يدور داخل متحف الحضارة. • صباح الخير فتحت الملف بعد قرار رئاسة الوزراء، حدد قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، أنواع وأعداد «الآثار المنقولة» بالمساجد والتى سيتم نقلها إلى مخازن متحف الحضارة، وعمل مستنسخات لها بالشراء أو بالتصنيع بمركز الحرف الأثرية التابع للقطاع، بأكثر من 100 قطعة، من مشكاوات ومقاعد المقرئين وتنانير و55 منبرا أثريا. لكن أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، د. جمال عبدالرحيم، يؤكد أن عدد المنابر ذات القيمة الفنية والتاريخية المراد نقلها، خوفا من السرقة، ليست 55 منبرا كما جاء فى طلب الوزارة من مجلس الوزراء، ولكنها 13 منبرا فقط. ويضرب عبدالرحيم المثل بهذه المنابر، بمنبر السلطان لاجين، بجامع أحمد بن طولون، و4 تنانير من جامع الرفاعى، مصنوعة من البرونز سنة 1804، ومجموعة مشكاوات جامع الرفاعى، وهو الوحيد الذى ما زال يحتفظ بالمشكاوات الأصلية له، والتى تعرضت للسرقة، ثم أعيدت مرة أخرى بتتبع السارقين، ومخزنة بدولاب بالجامع الآن. ويلفت إلى أن بعض المشكاوت فى المساجد الأخرى كالسلطان حسن، نقلت فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى إلى متحف الفن الإسلامى، حفاظا عليها، والبعض الآخر فقد، كما أمر الخديو نفسه بنقل منبر مسجد الأميرة تتر الحجازية بنت السلطان محمد بن قلاوون، إلى متحف الفن الإسلامى، كما يوجد منبر لجامع السلطان شاه معروضا فى متحف برلين بألمانيا. ويدافع عبدالرحيم عن قرار النقل لمتحف الحضارة، بأنه يتمنى نقل تلك المنابر للمتحف، لحين توافر إمكانيات لحمايتها فى مكانها الأصلى، ووقتها يمكن إعادتها لأماكنها الأصلية، على اعتبار أن القيمة الأُثرية والفنية لأى أثر تنبع من كونه موجودا فى مكانه الأصلى. • خفراء المساجد أحد الألغاز وفى نفس الجانب يؤيد أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة القاهرة، والمستشار سابقا لوزير الآثار الأسبق، د. مختار الكسبانى، قرار نقل المقتنيات الأثرية من المساجد، بعد توالى سرقات لمنابر وأجزاء وحشوات من منابر، كما حدث مع منبر قانيباى الرماح الذى سرق بكامله، ومنبر مسجد جانم البهلوان، الغاية فى الروعة. ويلفت الكسبانى إلى خلل فى توزيع أعداد خفراء وزارة الأوقاف المسئولين عن حماية المساجد الأثرية، كما لا توجد مسئولية جنائية عليهم، فبعض المساجد لا يوجد بها سوى خفير واحد، بينما مسجد مثل السلطان حسن، يحرسه ما يقرب من 100 خفير، وهو المسجد الموقوف عليه كل ريع الأراضى الزراعية بمدينة قها، بحسب الكسبانى. ويتذكر الكسبانى أنه خلال فترة عمله بوزارة الآثار، عرض وزير الآثار الأسبق زاهى حواس على وزارة الأوقاف، أن يختاروا خفراء متميزين لحماية المساجد التاريخية، على أن تتحمل وزارة الآثار نصف رواتبهم، بشرط أن يكون هناك اتصال بينهم وبين أقسام الشرطة، خاصة فى أوقات السرقات «من بعد العشاء وحتى الفجر»، لكن الأوقاف رفضت. • بما يمكن من استردادها من الخارج: تسجيل مقتنيات المساجد لأول مرة يرجع مفتش الآثار بإدارة التوثيق الأثرى بوزارة الآثار، على ضاحى، تبنى البعض لنقل المنابر من المساجد للمتحف إلى حدوث سرقات للمحتويات الأثرية خاصة الخشبية ببعض المساجد، فهذه القطع لم تكن مسجلة أو موثقة فى سجلات الوزارة، مما يصعب استردادها إذا تعرضت للسرقة. ويستدرك ضاحى: «بدأ قطاع الآثار الإسلامية منذ 2017 بتسجيل كافة المقتنيات الموجودة بالآثار الإسلامية، ومنها المساجد التاريخية، مثل المنابر والثريات والمشكاوات ومقاعد المقرئين، والتنانير، وهو التسجيل الذى يمنح الوزارة الحق فى استرجاع أى من هذه القطع، وفقا للاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر فى هذا الشأن». ويرى ضاحى أن الأفضل من نقل المنابر من المساجد إلى المتاحف، هو توفير الحماية لها داخل المسجد عن طريق وضع كاميرات مراقبة، وزيادة ورديات مفتشى الآثار، وتحمل وزارة الآثار لهذه المسئولية. •تقليل من قيمة الأثر التاريخى وتقليل من قيمة القطع الأثرية ويعترض د. محمد حسام، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس، على فكرة نقل المنابر وغيرها من التحف المنقولة، مؤكدا أن قيمة الأثر فى كونه موجودا داخل المكان الأصلى أو الذى أنشأ فيه. ويحذر حسام من فكرة توفير بدائل أو مستنسخات للآثار الأصلية لتوضع بدلا منها، لأنها تقلل من قيمة الأثر التاريخى، «المنبر المنقول، والمسجد ككل»، لأن الأصل أن يوضع فى المتاحف المقتنيات التى فقدت بعض أجزائها أو منشآتها هدمت، أو القطع التى وجدت خلال حفريات أو ما شابه، ومجهولة المصدر، ولا يعرف مكانها الأصلى. ومن خلال خبرة عمل د. حسام بوزارة الآثار خلال فترات سابقة، يلفت إلى افتقاد الوزارة إلى إدارة تدير الموارد البشرية، خاصة مفتشى الآثار الذين تم تعيينهم بعد 2011، ويمكن الاستفادة منهم للعمل كورديات حماية للمناطق الأثرية على مدار 24 ساعة. •حماية الآثار مسئولية الدولة ووراء نقلها لمتحف الحضارة «سر» يصف الرئيس الأسبق للجهاز القومى للتنسيق الحضارى، سمير غريب، قرار نقل المنابر إلى متحف الحضارة الإسلامية، بأنه «فضيحة بجلاجل» لأنه يعنى أن الدولة التى تحارب الإرهاب فى أنحاء مصر، لا تستطيع حماية آثارها من السرقة، مع العلم أنه يمكن معرفة السارقين بسهولة فى منطقة محددة كالقاهرة التاريخية، وهى مسئولية الدولة وليس المجتمع المدنى. ويلفت غريب إلى أنه قد وقع برتوكول تعاون مع لجنة التراث العالمى باليونسكو، لوضع مشروع حماية لآثار القاهرة التاريخية، خلال عمله كرئيس لجهاز التنسيق الحضارى، بعد تحذير من اليونسكو بحذف القاهرة الفاطمية من التراث العالمى، بسبب الإهمال وقلة الحماية والتعديات. وتساءل غريب «هل يوجد متحف متخصص يوضع به 55 منبرا من نفس نوع القطعة الأثرية، فى الوقت الذى يحتوى فيه المتحف الإسلامى بباب الخلق على منبر واحد؟» ويتوقف غريب عند قرار مجلس الوزراء 110 لسنة 2018، الذى يوافق على نقل ال55 منبرا، إلى وزارة الآثار وتوفير مستنسخات بديلة لها، بالعبارة المذَّيل بها القرار فى شكل تنبيه بما نصه «مراعاة عدم الإعلان عن هذا الموضوع»، فيما يدل فى رأى غريب على وجود تنازع بين جهات حكومية، لم يجد له القرار حلا سوى أن تكون المهمة «سرية»، بدلا من وضع حل لهذا التنازع. ويرجح غريب أنه ربما كان السبب وراء نقل المنابر، -التى يمكن أن تكون خطوة يتبعها خطوات لنقل المزيد من مقتنيات المساجد الأثرية - هو ملء متحف الحضارة الكائن بالفسطاط، الذى يعتبر فارغا من المقتنيات، بالمقارنة بمساحته الكبيرة وتكلفة تشغيله وصيانته التى تتكلف الملايين سنويا، فى مقابل عدد زائرين لا يذكر، مع ملاحظة أن وزير الآثار الحالى، كان مديرًا سابقًا لهذا المتحف.