* 55 منبرا تاريخيا سيجرى تفكيكهاوتخزينها بحجة حمايتها من السرقة..والمسئولون يرفضون التعليق !! * مدير المكتب الفنى لقطاع الآثار الإسلامية: المنابر سيتم عرضها فى متحف الحضارة وخبيرة ترد:هل تتحمل قاعة عرض 55 منبرا ؟! * الحكومة قررت نقل المقتنيات ووزارة الآثار وضعت القائمة وحددت العدد * المنبر الجميل قبل تفكيكه * المنبر بعد أن تحول إلى قطع تنتقل إلى المخازن * جانب من المنبر أثرى فى الشارع * توثيق قطع المنبر قبل نقلها
فى التاسعة صباحا تحرك رجال وزارة الآثار من فنيين وموظفين واثنان من قيادات قطاع الآثار الإسلامية ليبدأوا مهمة لن تنتهى سوى مع نهاية العام ..المهمة التى كان يفترض حسب التعليمات الرسمية ألا يتم الإعلان عنها,هى اقتلاع 55 منبرا من أعظم وأجمل منابر القاهرة الإسلامية من أماكنها وتخزينها فى مخازن متحف الحضارة لحين إعادة عرضها وفقا لما ستقرره اللجان فيما بعد !! ووفقا لقرار يحمل رقم 110 لسنة 2018 لن تكون المنابر وحدها هى الهدف بل أيضا ستين قطعة أخرى موزعة بين مشكاوات وكراسى مقرئين وثريات .. أما الهدف وكما قال رجال وزارة الآثار ل «الأهرام» فهو حمايتها من عمليات السرقة !!وإعادة عرضها فى أماكن أخرى , وما بين الحماية وإعادة العرض تبقى حقيقة أن مساجد القاهرة التاريخية ستبقى فارغة من محتوياتها المعمارية والأثرية المتميزة كما يؤكد خبراء الآثار بل ربما يكون من المستحيل إعادة تركيب تلك المنابر بعد تفكيها لتتحول لمجرد أرقام لعهدة فى مخازن مغلقة يموت فيها التاريخ. «الأهرام» حضرت عملية تفكيك واحد من أجمل منابر القاهرة المملوكية « منبر مسجد ومدرسة «أبو بكر مزهر» وطرحت التساؤلات التى لم تكن الإجابة عنها سوى بجملة واحدة «هذا قرار مجلس وزراء» بينما هذا القرار نفسه وما تبعه من قرارات يحوى الكثير من علامات الاستفهام، ليس اقلها هل يعرف المسئولون قيمة ما يتم التعامل معه من آثار أصلا. الواقع يؤكد انه على مدى خمسة عشر عاما تعرضت حوالى 17 منبرا من منابر مساجد القاهرة التاريخية لحوادث سرقات ما بين سرقات أجزاء صغيرة مرورا بسرقة أجزاء مهمة وبنفس الوتيرة تعرضت نفس المساجد لسرقة أشياء أخرى لها قيمة مالية متميزة عند عرضها للبيع فى المزادات وأهمها المشكاوات وكراسى المقدم وغيرها من الأجزاء التى يسهل اقتناصها من تلك المساجد ودائما كان الفاعل مجهولا ودائما أيضا كانت الاتهامات بالإهمال والمسئولية متبادلة بين وزارتى الآثار والأوقاف الآثار بحكم مسئوليتها الأدبية والقانونية عن حماية تلك المقتنيات والمبانى والأوقاف بحكم ملكيتها القانونية وإدارتها لتلك المساجد بين من يملك ومن يحكم كانت الضحية هى المساجد ورغم ذلك ,ظلت ثروة مصر من مساجدها الأثرية كنزا صامدا معلنا تفرده بما يضمه من كنوز متراكمة على مدى 700 عام. وبينما كانت انجلترا وقبل اقل من شهر، قد أعلنت دعمها لترميم وحماية منابر القاهرة المملوكية الأكثر جمالا وإبداعا, عبر ترميمها وتوثيقها فى مشروع مهم يستمر لمدة عام كامل يغطى أكثر من 25 منبرا فى حاجة للحماية أعلن أن وزارة الآثار شريك كامل فيه , خرج فى هدوء تام قرار يعلى مبدأ بمبدأ (الباب الذى يأتى لك منه الريح أغلقه واستريح). أول أبواب الريح التى سدت كانت منبر مسجد ومدرسة أبو بكر مزهر بحارة (برجوان) والتى يرجع تاريخ بنائها إلى عام 1480 ميلادية وتنسب إلى زين الدين أبو بكر محمد بن احمد بن مزهر المعروف بابن مزهر ناظر ديوان الإنشاء فى عهد المماليك الجراكسة.. والمسجد من أجمل مساجد المماليك الجراكسة كما تقول دكتورة أمنية عبد البر المتخصصة فى العمارة المملوكية حيث تقول «ان منبر المسجد تحديدا هو تحفة جميلة بما يحويه من أشغال خشبية وصدفية شديدة الدقة والجمال ويتميز أيضا بضخامة حجمه ودقة صناعته , كما أن المسجد بشكل عام يعتبر تحفة من تحف البناء خاصة فى استخدام السقوف الخشبية والأعمدة الرخامية ومن الأمور النادرة فى هذا المسجد أن اسم الصانع الذى قام بأعمال الزخرفة والنقوش للمحراب والمنبر كتب بجوارهما» عمل عبد القادر النقاش «ربما اعترافا بروعة ودقة العمل الذى قام به». هذا المكان المتميز تحول فجأة صباح أمس الأول إلى ثكنة من العمال ورجال وموظفى قطاع الآثار الإسلامية , حيث جرت بسرعة غير معهودة عملية تفكيك منبر المسجد الضخم بالكامل فى الثانية عشرة ظهرا تقريبا كانت «الأهرام» وكانت عملية تفكيك المنبر قد انتهت.. المشهد كان صادما، سلالم المسجد على الأرض وأجزاؤه المختلفة تم وضعها بشكل يوحى بالترتيب بينما وبسرعة كبيرة يتولى احد مرممى وزارة الآثار بمساعدة بعض العاملين تغليف القطع بورق البلاستيك وألواح من الإسفنج وربطها معا وكانت هناك عملية توصيف وتصوير عرفنا أن من يقومون بها متخصصون من المؤسسة المصرية لحفظ وحماية التراث وهى مؤسسة مدنية ,مع توثيق سريع أخر يجرى من رجال وزارة الآثار ورغم الاعتراض على وجودنا والارتباك الشديد الذى حدث بمجرد اكتشافهم لوجود محررة «الأهرام», استطعنا أن نكمل عملنا وأكد لنا الدكتور أبو بكر عبدا لله مدير المكتب الفنى والمشرف على مناطق آثار القاهرة عندما سألته عما يحدث أن هذا قرار مجلس وزراء باقتراح من وزارة الآثار على حد قوله مضيفا: «المساجد أصبحت كوارث , ونتوقع كل يوم أن تحدث عملية سرقة ولن نستطيع أن نوفر حراسة لكل مسجد خاصة مع تراخى وزارة الأوقاف التى تمتلك تلك المساجد وتديرها بينما وزارة الآثار مطلوب منها حمايتها والحفاظ على ما بها «وأين ستذهب تلك المنابر بعد تفكيكها ونقلها؟ اسأله ويجيب :«ستذهب إلى مخازن متحف الحضارة استعدادا لعرضها فى قاعة الخشبيات بخلاف مشكاوات وكراسى وغيرها». 55 منبرا يتم عرضها فى قاعة واحدة ؟؟ اسأله ولا يعلق ويطلب أن أتحدث لمساعد الوزير لقطاع الآثار الإسلامية الدكتور محمد عبد اللطيف الذى تواصلنا معه بالفعل تليفونيا إلا انه رفض الإجابة عن تساؤلاتنا لأنه فى طريق سفر إلى رشيد - كما قال - وطلب إعادة الاتصال به بعد ساعتين للإجابة عن تساؤلاتنا إلا انه لم يجب على التليفون بعد ذلك. وهذه التساؤلات كانت عن الهدف من إصدار القرار؟ وما هى المنابر تحديدا التى سيتم نقلها؟ وكيف سيتم التعامل معها تخزينيا أو كعرض متحفى؟ ثم ألا ترى أن تفريغ المساجد التاريخية من محتوياتها يفقد هذه الآثار من محتواها الأثرى والجمالى؟ نعود للمشهد المدهش لعملية حدث أثناء فك المنبر وشحنه للمخازن حيث دخل اثنان من المشايخ للمكان قالا إنهما وكيلا وزارة الأوقاف, ارتفع صوتهما مطالبين بتفسير ما يحدث فى المسجد وعندما اخبرهم مسئولو الآثار بقرار مجلس الوزراء الذى يتم تنفيذه اعترضا لكون الوزارة لم تخبر الأوقاف ولم تستطلع رأيها وحدث جدال شديد بين الطرفين الأوقاف تعلن أنها لم تعلم بالأمر والآثار تصر على أنهم اخطروا الأوقاف قبل يومين بالقرار. وانسحب رجال الأوقاف سريعا مهددين باتخاذ الإجراء المناسب للتعامل مع القرار وبينما كنا نحاول اللحاق بهما كان المشهد الصادم فى الشارع الجانبى للمسجد حيث فوجئنا بوجود جانبى المنبر الضخم وقد تم سندهما على باب إحدى الورش المجاورة!!!! ( قراءة فى قرار مبهم ) نخرج من مشهد المسجد الشديد الارتباك والالتباس أيضا لنعود للقرار الشهير الذى أصبح يلعب دور البطل فى تلك القصة ,القرار وكما تقول الأوراق الرسمية وصيغته التى حصلنا على نسخة منها صدر أولا بناء على مخاطبة وزارة الآثار لمجلس الوزراء للموافقة على ما أسمته نصا (نقل المقتنيات الأثرية من المساجد إلى وزارة الآثار حفاظا عليها من السرقة) وبالتالى لم يتم تحديد هذه المقتنيات لا من حيث النوع أو العدد, وبناء على الطلب وافق مجلس الوزراء على إصدار قرار يحمل رقم (110) بتاريخ 20/2/ 2018 وجاء فى نص القرار بعد مخاطبة وزير الآثار والموافقة على الطلب (أن تتولى وزارة الآثار توفير مستنسخات بديلة لهذه المقتنيات بمعرفتها وان يتم ذلك من خلال لجان مشتركة ومحاضر رسمية). أما المدهش فهو البند الثانى من القرار والذى كتب كالآتى: (مراعاة عدم الإعلان عن هذا الموضوع) !!.. هكذا جاء قرار رئيس مجلس الوزراء ليضيف مزيدا من التساؤلات حول الهدف من المشروع ولماذا التأكيد على سرية الموضوع أصلا إذا كان القرار بهدف حماية الآثار ونقلها لتخزينها كما يشير القرار؟؟ القرار الذى ظل سريا كما نبه مجلس الوزراء، ذهب لمكتب دكتور محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية الذى أحاله للجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية المنعقدة فى 4 ابريل الحالى مصحوبا بمذكرة فيما يختص بالإجراءات اللازم اتخاذها لتنفيذ القرار وهى المذكرة التى قررت بشكل واضح ما هى المنقولات الأثرية، نوعيتها وعددها والجدول الزمنى لعملية النقل, وجاء فى المذكرة التنفيذية ما يلى: (إن أعمال توثيق وتسجيل المقتنيات جارية بالآثار الإسلامية بشكل مكثف وقد تم الانتهاء خلال فبراير الماضى من تسجيل 117مشكاة بمسجد الرفاعى ونقلها لمخازن متحف الحضارة)!! وهو ما يعنى ببساطة أن عملية النقل ربما تمت قبل صدور قرار مجلس الوزراء أصلا. وتشير المذكرة أيضا أن ما اسمته (استمارة المنقولات) مدرجة بها 17 نوعا من القطع وانه بمراجعة تلك القطع تم الاستقرار على أربعة أنواع لها أولوية باعتبارها قابلة للنقل وذلك بالتشاور مع مساعد الوزير للشئون الفنية, وتضم قائمة النقل حسب قرار اللجنة ومذكرة السيد مساعد الوزير ما يلى (المشكاوات وكرسى المقرئ أو كرسى المصحف والثريات أو التنانير والمنابر عالية القيمة الفنية والتاريخية), وتكمل اللجنة عملها كما يبدو بتأكيد انه تم عمل حصر لتلك القطع الموجودة بالمساجد الأثرية بالقاهرة وبلغ عددها 115 قطعة موزعة على 58 مسجدا.. وهى كالآتى: المشكاوات 19 مشكاة بخلاف مشكاوات مسجد الرفاعى طبعا يتم الانتهاء من نقلها نهاية ابريل الحالى وبالنسبة لكرسى المقرئ فهو 15 كرسى ينتهى من نقلها فى نهاية مايو المقبل أما الثريات وعددها 13 ثريا فيتم الانتهاء من تسجيلها نهاية يونيو على أن تنقل لمخازن متحف الحضارة مع نهاية أغسطس وأخيرا المنابر وعددها 55 منبرا فيتم الانتهاء من تسجيلها نهاية أغسطس, وحسب الجدول فان كل القطع سيتم انجاز توثيقها وتفكيكها ونقلها نهاية العام . أما الفراغ الذى ستتركه عملية إفراغ المساجد ونقل محتوياتها تلك فستنتظر اعتماد المبالغ المالية المطلوبة لشراء أو تصنيع بدائل أخرى حديثة حسب نص القرار. نعود للدكتورة أمنية عبد البر لنسألها عن تأثير عملية نقل المنابر تلك وتحديدا منبر أبو بكر مزهر فتقول: «هذا المنبر يصل لنفس مكانة منبرى (قجماس الاسحاقى) و (الاشرف قايتباى) فى أشغالهما الخشبية كما أن منبر مدرسة القاضى أبو بكر بن مزهر يعد واحدا من أهم المنابر المملوكية نظرا لقيمته الفنية والتاريخية والجمالية.كما أنه مشهور عالميا ومعروف فى جميع دوائر المختصين بالفن الإسلامى. وهو قطعه رائعة وفريدة تجسد عظمة الصانع المصرى فى العصر المملوكى. كما أننا نعلم اسم الصانع من المصادر التاريخية وهى حالة نادرة. كما ان منبر مزهر مازال محتفظ بحالته الأصلية مما يجعله واحدا من أندر المنابر فى مصر والمنطقة نظرا لأنه لم تطله إلا أعمال ترميم ثانوية وكان حاليا يحتاج فقط إلى القليل من عمليات الترميم من أجل تثبيت حالته. مدرسة القاضى بن مزهر بها واحدة من أندر المجموعات الخشبية التى بحالتها منذ القرن الخامس عشر. فالزخارف الموجودة على المنبر مكررة على الأبواب والضلف الأخرى، لذا وجب إبقاء المنبر فى موقعه الأصلى حيث إنه جزء لا يتجزأ من هذه المنشأة الأثرية. وتضيف: «والمشكلة هنا ما يتعلق بإعادة تركيبها لو كانت هناك فعلا نية فى عرضها فى المتحف الكبير وهو أمر مدهش تماما أن يعرض 55 منبرا فى قاعة واحدة وهو ما لم يحدث فى أى متحف فى العالم.. وسؤال آخر عن تخزينها وكيف سيتم تحديدا لان هذه المنابر من الخشب وهى مادة تحتاج إجراءات شديدة التعقيد وشديدة الدقة ولا نعرف إذا كانت تتوافر لدى وزارة الآثار أصلا».