لم تكن صفقة القرن وهى مشروع ترامب لحل القضية الفلسطينية، كما أطلق عليه، وليد اللحظة بقدوم الرئيس الأمريكى، ولكنه بدأ فى الظهور على الساحة السياسية منذ بداية عام 1954.. ترامب أعلن منذ قدومه عما يسمى صفقة القرن. وبدأ بتنفيذ أولى خطواتها بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وبالمقابل أكد على تمسكه بحل الدولتين! عن أى دولة فلسطينية يتحدث ترامب؟ عاد ترامب إلى مشروع الوطن البديل، الذى سبق أن تم طرحه بصور مختلفة عبر السنوات الماضية، وطن بديل للفلسطينيين عن أرضهم، أغلب تلك المشروعات تتخذ من سيناء المصرية جزءًا أو بكاملها لتوطين الفلسطينيين.. أول تلك المشاريع كان عام 1954، قام به البروفيسور إيتسحاق عيتسيون ودافيد ترسكى تحت مسمى لجنة تأهيل الفلسطينيين، وتعمل اللجنة على توطين الفلسطينيين على 12 ألف كيلومتر مربع بطول رفح العريش حتى أبوعجيبة.. وكان مطلوبًا من مصر تنازلها عن هذا المستطيل، ثم تقام فيه محطة لتحلية المياه لقرى زراعية للتصدير بتكلفة وقتها قدرت بمليارى دولار، فى المقابل تتنازل إسرائيل عن 400 كيلومتر مربع بالنقب المحتلة، وتخلى أيضًا مستوطنات غوش فكيف ويتم ضم غزة إليها.. وفى 1955 كان هناك مقترح آخر لوزير الخارجية الأمريكية دالاس يقوم على عودة جزء من اللاجئين الفلسطينيين، بينما الجزء الأكبر يتم توطينهم فى الدول العربية التى يعيشون بها، بينما يتم توطين 12 ألف أسرة على أراضٍ يتم استصلاحها زراعيًا فى شمال سيناء. جولدا مائير أشهر مشروعات التوطين أما أشهر تلك المشاريع فكان مشروع جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية الذى يعرض انسحابًا من بعض أجزاء سيناءالمحتلة، على أن تكون منزوعة السلاح مع بقاء بقية سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى من أجل توطين الفلسطينيين.. وآخر تلك المشروعات كان قد عرض على الرئيس مبارك، ونشره مركز بيجن فى يناير 2010، يعتمد المشروع على تنازل مصر عن مساحة محاذية لقطاع غزة تضاعفت ثلاث مرات كوطن بديل للفلسطينيين فى مقابل تنازل إسرائيل عن مساحة مقابلة بالنقب المحاذية لحدود مصر الجنوبية، وإنشاء ممر تحت السيادة المصرية، يربط مصر بالأردن. المصريون العقبة أمام صفقة القرن غير أن مبارك رفض وحذر من معاودة الحديث وإلا الحرب بين مصر وإسرائيل، طبقا لما جاء فى دراسة حول الوطن البديل، قام بإعدادها مركز دراسات الاستراتيجية الزيتونة الفلسطينى، وهذا هو السبب الذى جعل أوباما يقيم اتفاقًا مع الإخوان لتمكينهم من حكم مصر، شريطة إقامة الدولة الفلسطينية فى سيناء، وهو ما كان سيتم تنفيذه بالفعل لولا رفض الجيش المصرى والشعب المصرى الذى ثار ضد الإخوان.. كل مشروعات التسوية تعتمد على اقتلاع سيناء من السيادة المصرية وإقامة دولة فلسطينية فى غزةوسيناء أرض التيه لليهود طبقًا للتوراة، وإقامة العاصمة العبرية فى القدس.. وفى الشهر الماضى نشر موقع (الميدل ليست آى) البريطانى عن دبلوماسى غربى - لم يذكر اسمه - أن فريقًا أمريكيًا أعد منذ بداية العام الحالى مشروعًا جديدًا تحت مسمى صفقة القرن، ووصفه بأنه الحل النهائى لقضية الشرق الأوسط لإحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويتضمن الاتفاق ما يلى: 1- إقامة دولة فلسطينية فى قطاع غزة والمنطقة «أ» و«ب» وأجزاء من المنطقة «ج» فى الضفة على أن تؤجل قضيتا اللاجئين والقدس لمفاوضات لاحقة. 2- تجرى مفاوضات سلام إقليمية بالمنطقة والدول العربية مع إسرائيل تقودها المملكة العربية السعودية. 3- تمول السعودية مشاريع استثمارية لإعاشة الفلسطينيين. ودعم اقتصاد الدولة الوليدة، وقد تحمس الملك سلمان ووافق أبومازن، شريطة أن يوضع فى المشروع أن حدود دولة فلسطين هى حدود 67 وأن تمهل الدولة الفلسطينية إسرائيل الوقت الكافى لتنفيذ ذلك فى مرحلة لاحقة. تهور ترامب وكان المفترض إعلان وتنفيذ هذا المشروع مع العام الجديد 2018، غير أن تهور ترامب وإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل رغم رفض الخارجية الأمريكية قلب الأمور رأسًا على عقب. وظهرت تسريبات إسرائيلية على لسان أيوب القران أحد وزراء حكومة نتانياهو لصحيفة «تايمز أوف يسراييل»، عن انعقاد مؤتمر سرى فى العقبة ضم نتانياهو وجون كيرى وزير خارجية أمريكا وضم زعماء مصر والأردن.. وادعى بأن النقاش دار حول توطين الفلسطينيين فى جزء من سيناء بين رفح والعريش ما يقارب نحو 16 ألف كيلو متر مربع.. ورغم أن نتانياهو أكد انعقاد المؤتمر، لكنه نفى مناقشة اقتراح التوطين، وكذلك جريدة هاآرتس التى أكدت على اللقاء دون العرض مرة أخرى، أثير العرض نفسه من خلال تصريح وزيرة التضامن الاجتماعى الإسرائيلى أثناء وجودها فى مصر وعبر تصريح لها بالقناة السابعة الإسرائيلية، وهو ما جعل الخارجية المصرية تقدم تحذيرًا شديد اللهجة للحكومة الإسرائيلية التى نفت أن يكون هذا رأيًا رسميًا لإسرائيل. وكان المتحدث الرسمى للرئاسة السفير علاء يوسف قد نفى أن يكون قد قدم لمصر أى عروض حول وطن بديل فى سيناء، كما نفى الرئيس السيسى هذه الأقاويل فى تصريح له فى عيد العلم. وسواء كان هذا عرضًا حقيقيًا طرح على مستوى «إسرائيلى -أمريكى»، أم بالون اختبار أم شائعة لإرباك الساحة العربية، فإن هناك عدة أسئلة مشروعة يجب البحث لها عن إجابة، وربما تأخذنا تلك الأسئلة لإعداد خطة مواجهة السيناريوهات القادمة، لماذا تم إخفاء أمر مؤتمر العقبة الذى تم منذ عام؟ ولماذا تم النشر وتسريب مناقشاته الآن؟ وتم إعلان القدس عاصمة إسرائيلية من قبل ترامب رغم رفض العديد من الدوائر الأمريكية للقرار ورفض أغلب القوى العالمية؟ يحذر المحللون من سيناريوهات قادمة يمكن أن تفرضها إسرائيل وأمريكا لإرغام العرب والفلسطينيين على مشروع الوطن البديل فى سيناء، تتلخص فى احتمال فرض إسرائيل حربًا مدمرة على قطاع غزة مثلما حدث أيام الإخوان، تفرض تهجيرًا إجباريًا على غزة. أو تعرض النظام المصرى لضغوط سياسية واقتصادية وأمنية تجبره على الموافقة، غير أن الدراسة التى نشرها مركز الزيتونة حول الوطن البديل للفلسطينيين، يؤكد أن المصريين لا يمكن أن يوافقوا أو يتنازلوا عن سيناء، ولذلك فهم عقبة أمام تنفيذ هذا المشروع، وأن هذه هى إحدى أدوات المواجهة لوقف هذا المشروع، كما أن مصر تعمل لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية عبر مجهودات المصالحة.•