لم يخطر على بالى من قبل هذا الوصف الصادم..أعرف أنه يمكن بسهولة وصف العاصمة البريطانية لندن بأنها «عاصمة الإخوان المسلمين والجماعات المتأسلمة».. فهذه سياسة، لكن أن تفاجئك الصحف والتقارير الرسمية لمنظمات دولية بأن لندن عاصمة الكوكايين فى أوروبا، فهذا وإن لم يكن مستبعدا، إلا أنه صادم.. أعرف أن بعض المشاهير ونجوم السنيما والرياضة والتليفزيون وعارضات الأزياء وأيضا شخصيات سياسية، اعترفوا بتعاطى الكوكايين إلى حد الإدمان، وأنهم لم يعترفوا إلا خلال دخولهم مصحات العلاج من هذا الإدمان الذى عرض بعضهم لفقدان كل شيء، الصحة والشهرة والمال والمعجبين والمعجبات والمجد والمناصب. لكن «لندن ..عاصمة الكوكايين»؟! ماذا جري؟.. ولماذا جرى ما جري؟ فى السنة التى مضت بلغ مجموع من يتعاطون الكوكايين فى بريطانيا من الفئة العمرية 15 إلى 34 ما نسبته 4.2% من مجموع السكان، بينما النسبة فى أوروبا لا تتعدى 1.9 % ويقدر من تعاملوا معه ولو لمرة واحدة بنسبة 10%. ويمثل الذكور من المدمنين ثلاثة أضعاف الإناث تقريبا، وفقا لأرقام هيئة التأمين الصحى..وابتداء من سنة 2014 لقبت لندن «عاصمة الكوكايين فى أوروبا» وفق المركز الأوروبى لمراقبة المخدرات والإدمان. وتقول الإحصائيات المذهلة المعتمدة أن نسبة تعاطى الكوكايين بين الشباب البالغ فى بريطانيا زادت إلى أكثر من ضعف النسبة الشائعة فى أوروبا، كما أعلنت ذلك المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادى والتنمية، وأن كمية الكوكايين التى ضبطتها قوات الأمن وحرس الحدود ارتفعت إلى أعلى مستوى غير مسبوق خلال العقد الأخير، حيث تم ضبط 4.228 كيلو جرام من الكوكايين عالى الجودة «درجة أولي» فى مقاطعتين بريطانيتين من مقاطعاتها الأربع، هما إنجلترا وويلز فقط، فى 2015/ 2016 وتشير بيانات نشرتها وزارة الداخلية فى شهر أغسطس الماضى، إلى أن الكميات المضبوطة خلال 2016- 2017 تزايدت مرة أخرى. • كوكايين فى المكتب! أحد العاملين فى «السيتي» حى المال والأعمال فى لندن، حيث تتجلى الظاهرة بكثافة، يروى مشاهداته لجريدة «أوبزيرفر» فيقول أنه قبل أسبوع من أعياد الكريسماس أقيم حفل فى المكتب وخلاله شاهدنا اثنين من الزملاء يتعاطيان الكوكايين تحت سمعنا وبصرنا جميعا وفى حضور اثنين من المديرين! وكان مثيرا للدهشة أن المديرين اللذين شهدا الواقعة أعلنا بوضوح بعد أيام أنه لن يحدث شيء لمتعاطيى الكوكايين وطبعا لن يتخذ ضدهما أى إجراء.. صدمنى الأمر وسألت المديرين: لماذا؟ لأننى كنت متأكدا من أن هذا الموقف من الإدارة سيبعث بالرسالة الخطأ، وهى أننا نتسامح مع تعاطى المخدرات، وكانت الإجابة التى تلقيتها منهما هى أنهما «المديران» كانا يتعاطيان الكوكايين أيضا قبل ذلك بلحظات.. فكيف لهما أن يحاسبا أى موظف آخر؟! وهذه الحكاية ترسم صورة الإدارة التى تغمض عينها عن ظاهرة تعاطى الكوكايين فى حى المال والأعمال «السيتي» فى لندن. • من يحترم القيم؟ ماذا يقول رجل أمن متخصص فى ملاحقة هذه الظاهرة؟ تونى ساجيرز رئيس وحدة استراتيجية المخدرات فى الوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة، هو الآن متقاعد، ويشير إلى عنصر مهم وراء ظاهرة انتشار تعاطى الكوكايين، خاصة فى العاصمة لندن، وبالتحديد فى منطقة الميل المربع التى تضم مؤسسات المال والأعمال والسياسة والإعلام، وهو يتحدى الشركات والهيئات الكبرى أن تتكلم بشكل صريح ومفتوح عن ما يحدث فى أروقتها ومكاتبها وحفلاتها من استخدام عادى وبلا حدود للكوكايين، وهو يطالب هذه الهيئات والشركات بأن تضع برامج تعتمد المسئولية الاجتماعية وتستهدف توعية العاملين بالمخاطر الصحية لتعاطى هذا المخدر المدمر. ويضيف: للأسف فإن الطبيعة التجارية لهذه الجهات تعنى أنها لا تملك القدرة على أن تكون أكثر احتراما للقيم الأخلاقية والاجتماعية فى النظر إلى ما يقدم عليه موظفوها، فمن أجل الحفاظ على سمعة الشركة أو الهيئة سيقول المسئولون فيها بالطبع أن الحال عال العال، وأن لدى الشركة نظامًا يقضى بعدم التسامح إطلاقا مع تعاطى المخدرات. • لكن ماذا يعنى هذا الموقف؟ يجيب رجل الأمن المتقاعد وهو يشير إلى أن تقاعده حرره من قيود الوظيفة الحساسة التى كانت تفرض عليه الصمت المطبق وعدم التحدث إلى وسائل الإعلام: الفكرة الأساسية عندى هى أنهم مشغولون بالتفكير فى كيفية وضع حد لما يمكن أن يصدر عن شخص مثلى من التحذيرات التى أطلقتها منذ سنوات، من خطورة الظاهرة! المشكلة عصيبة وكبيرة ورصدتها بعض أفلام هوليوود مثل «ذئاب وول ستريت»، حيث يتلازم تعاطى أو شم الكوكايين مع أجواء المنافسة المحمومة والعمل الشاق للفوز بالمال فى مضاربات البورصة، وينظر إلى التعاطى كنوع من التسرية عن النفس بعد صراع المنافسة الشديدة. لكن الحقيقة، بعيدا عن هوليوود، هى أن الإدمان مشكلة واقعية جدا لدى هؤلاء الذين يتقاضون أموالا طائلة من العاملين فى مجالات المال والسياسة والشهرة فى منطقة الميل المربع «السيتي» وقد اعترف المسئولون فى «السيتي»، بأن هناك ثقافة شائعة بين من يعملون فى مهن تعتمد مواجهة المخاطر، والمضاربات، قد يترتب عليها بروز مخاطر على الصحة وانتشار الإدمان. • فقدان السيطرة على الأمر وجاء فى تقرير لهيئة السيتى فى لندن وهى السلطة المحلية التى تدير منطقة الميل المربع، صادر سنة 2014، تبين من البحث فى مجال منع «المخدرات والخمور» ونشاطات التوعية، والسلوكيات، أن العاملين فى السيتى لا يحبون الاعتراف بأنهم فاقدون للسيطرة على الأمر! ويرصد من يتابعون الظاهرة من رجال الأمن والإعلام والطب وبعض الكتاب المعنيين بنهوض المجتمع أن هناك عوامل وأسبابًا وراء ذلك ليس أقلها نزوع النظام الرأسمالى الحاكم للفكر السائد وجميع نشاطات وملامح الحياة البريطانية إلى الطمع والجشع والسعى وراء تحقيق أكبر ربح فى أقصر وقت والمنافسة المحمومة بين الشركات والتكتلات الاقتصادية وأيضا بين الأفراد المتطلعين للصعود الصاروخى فى دوائر المال والأعمال والإعلام والسينما والرياضة والأزياء. ريتشارد كينجدون يدير عيادة فى الميل المربع «حى السيتي» متخصصة فى علاج إدمان المخدرات والخمور، يقول إن الموقف الثابت الذى تتخذه الشركات وأصحاب الأعمال تجاه ظاهرة إدمان الكوكايين هو التجاهل المستمر للمشكلة. ويضيف أن استعمال الكوكايين غير قانونى، ولذا فالكثير من العاملين لن يذهبوا إلى إدارة العمل خاصة فى الظروف الحالية حيث تسود أجواء الخوف، ليخبروها بإدمانهم، وطالما أنك تقوم بالعمل الذى يأتى بالمال الغزير، فإنهم فى الإدارة يغمضون عيونهم عن المسألة، هذه الجهات لا تريد أن تعرض سمعتها للخطر. • حقائق مهمة وخطيرة والآن من حق القارئ أن نجيب له عن الأسئلة التى لابد أنها طرأت على ذهنه وهو يتابع هذه الفضيحة البريطانية: • مثلا قد يسأل سائل: ما هو الكوكايين؟ هو مخدر أبيض يأتى على هيئة بودرة سائبة أو كتل صغيرة جافة ويقسم إلى خطوط يتم شمها، بينما الكتل الجافة يتم تدخينها أو تحقن. • من أين يأتي؟ غالبا من أمريكا اللاتينية ويستخرج من عناصر توجد فى أوراق نبات الكاكاو. • كم نسبة من يتعاطونه فى بريطانيا؟ يقدر المتعاطون للكوكايين فى بريطانيا ككل ومن جربوه ولو لمرة واحدة، بنسبة واحد من كل عشرة. •وما تأثيره على الإنسان؟ بصفة عامة يجعله يشعر بالثقة الزائدة والانتباه العالى، كما يجعله كثير الكلام، لكن ذلك يستمر لوقت قصير، ومع الإدمان تظهر أعراض مثل سرعة نبضات القلب، وفى الأيام التالية يشعر بأعراض تشبه الإصابة بالأنفلونزا. • وما هى مخاطر تعاطى الكوكايين؟ - الاستعمال الدائم والإدمان يمكن أن يسبب الإصابة بالاكتئاب والقلق، وتدمير بطانة الأنف. - جرعات عالية تسبب السكتة القلبية وضعف عضلة القلب؟. - الجرعات الزائدة تؤدى للوفاة.•