الحنة قبل الزفاف، عادة مصرية مش هتلاقيها فى حتة تانية، هى عادة فرعونية فى أغلب الكلام جاية من أسطورة إيزيس وأوزوريس، لما إيزيس جمعت أشلاء أوزوريس فى إيدها بقت مليانة دم، فبقى صبغ الإيد بلون الدم رمزاً ل«الوفاء». بس الحنة دى غير أى حنة، دى حنة قطر الندى بنت خمارويه، اللى اتجوزها الخليفة البغدادى المعتضد بالله، والجوازة دى كانت نهاية لنزاع بين خمارويه والخليفة، تفاصيله كتيرة، ومروعة، بس الجواز نفسه كان أسطورى، وتفاصيل الزفاف من القاهرةلبغداد لسه بيتحاكوا عنها لحد دلوقتى. أبسط مظاهر الاحتفالات إن خمارويه أمر ببناء قصر فى كل مرحلة من مراحل السفر إلى بغداد من القاهرة، علشان قطر الندى ما تحسش إنها سابت بيت أبوها، ولما وصلت بغداد، دخلت بالليل، وكانوا مجهزين لها عشرات الآلاف من المشاعل اللى حولت ليل بغداد لنهار.. بيقولوا إن الغنوة ظهرت فى الفرح ده، وكانت بتتغنى على طول الطريق: الحنة يا حنة يا حنة يا قطر الندى يا شباك حبيبى يا عينى، جلاب الهوي يا خوفى من أمك لتدور عليك لأحطك فى عينى يا عيني وأتكحل عليك يا خوفى من أختك لتدور عليك لأحطك فى شعرى يا عيني وأضفر عليك المناسبة اللى طلعت فيها الغنوة، بتفسر المزيكا الحزينة فى عمل فنى المفروض إنه للأفراح، لكن المجهول اللى رايحاله قطر الندى كان مخيمًا على الأجواء. قطر الندى ماتت صغيرة عند الخليفة، وقصر الخليفة وقتها كان مكانًا للخلافات والمكايد بين النسوان، اللى ست واللى جارية، واللى أم ولد، وفيه كلام إن اللى قتلت قطر الندى هى جاريته «شغب»، اللى هتبقى أم ابنه المقتدر، واللى فضلت تحرب تحرب لحد ما ابنها بقى الخليفة وهو عنده 13 سنة. الغنوة فضلت شاهدة، وهى واحدة من أقدم الأغانى اللى نعرفها، مع يا زين العابدين، ويا حسن يا خولى الجنينة، وسلم على، وميتى أشوفك، واللى هوست الموسيقيين على مدار التاريخ، فعملولها معالجات كتير، وتوزيعات مختلفة بحسب كل عصر. فى شارع محمد على وكلوت بيك اتغنت الغنوة كتير أوائل القرن، زى كتير من الأغانى الفلكلورية، ومازالت موجودة لحد دلوقتى بصوت الست بهية المحلاوية، متسجلة على إسطوانة، وبهية وارد محمد على وكانت بتغنى بتخت، ومعاها مطرب اسمه سى توفيق، بس ما فلحتش كتير فى عالم الإسطوانات، كان تألقها الأغلب فى الأفراح والليالى الملاح. بليغ حمدى بليغ حمدى كان له نصيب الأسد من معالجات الفلكلور، بعد ما انتبه إن فيه حاجة انقطعت ولازم وصلها، فى انتباه مبكر لقضايا الهوية المصرية، واشتغل على الفلكلور حبة كتير بدأت من نص الستينيات، زى ما شفنا فى عدوية، وعمل أهم معالجة ل«الحنة»، غنتها شادية، وكتبها مرسى جميل عزيز.. الغنوة ظهرت بعد النكسة بشهور، وانطبعت على إسطوانة من إسطوانات صوت القاهرة، وإحساس الانكسار فيها واضح، ويمكن أول أغنية عاطفية تتذاع بعدها، إذا صح يعنى إنها أغنية عاطفية.. بعد إذاعة نسخة شادية وبليغ، الأغنية اتحيت تانى، وظهرت لها معالجات كتير، أهمها معالجة ليلى نظمى، اللى درست الفلكلور، وتخصصت فترة طويلة فى تقديم المعالجات، وكانت معظم المعالجات كلماتها وألحانها هى بنفسها. وليلى ما لعبتش كتير فى النص الأصلى، أو يفترض إنه أصلى، كمان تدخلاتها فى اللحن كانت محدودة. فهى الأقرب، والله أعلى وأعلم. قولوا لعين الشمس.. غزال البر صابح ماشي أغنية «قولوا لعين الشمس ما تحماشي» اتغنت سنة 1910. الحكاية إنه كان فيه صيدلى مصرى درس صيدلة وكيميا فى أوروبا، اسمه إبراهيم الوردانى، يقال من نفس عيلة الأستاذ محمود الوردانى، الروائى والكاتب المعروف. الشاب ده رجع مصر، واصطدم ببطرس باشا غالى، رئيس الوزرا، واعتبره خاين وبيتعامل مع الإنجليز فى السكرتة. مش بس بيتعامل مع الإنجليز، هو كان مجهز مشروع لتمديد عقد قناة السويس أربعين سنة كمان. إحنا عارفين إن سعيد باشا ادى ديلسبس امتياز حفر قناة السويس، بموجب حق انتفاع مدته 99 سنة للشركة اللى هتقوم بالحفر، اللى هى شركة أوروبية.. سعيد مات سنة 1863، والقناة افتتحت فى عهد إسماعيل 1869، يعنى القناة كده تبقى ملك الشركة رسمى، لحد سنة 1968. على جنب كده: علشان كده فيه ناس بتقول إن عبد الناصر لما أمم القناة 1956، مكنش عنده حق، لأنها كده كده كانت هترجع بعد كام سنة، والناصريون بيقولوا إن الاستعمار عمره ما كان هيسيب القناة، الله أعلم. نكمل مع بطرس باشا غالى، اللى كان عنده مشروع يمدد عقد امتياز القناة أربعين سنة كمان، يعنى تبقى ملك الإنجليز لحد سنة 2008. محمد فريد، الزعيم الوطنى المعروف، عرف ب المشروع ده، فقلب الدنيا، وطالب بمناقشة الموضوع رسميا، ما ينفعش يتعمل كده طلسأة، وكان فيه اجتماع اتناقشت فيه القضية، حضرها إبراهيم ناصف الوردانى، اللى سمع كلام بطرس غالى فقرر يعمل حاجة واحدة بس: يقتله، وقد كان. اتعرض الوردانى للمحاكمة، وكان عبد الخالق ثروت هو النائب العام وقتها، وطلب له الإعدام. حكمت المحكمة بتحويل أوراق الوردانى لفضيلة المفتى، اللى قال إيه: إنه يرفض تنفيذ حكم الإعدام، علشان المسلم لا يقتل بدم كافر. المحكمة قالت إن كلام المفتى ع العين والراس، بس ده هناك، ونفذت حكم الإعدام فعلا. القضية كانت قضية رأى عام، ويوم الإعدام اتغنت الغنوة دي: قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن غزال البر صابح ماشي مين بقى اللى غنت الأغنية؟ هى الست نعيمة شخلع، واحدة من أسطوات عماد الدين والأزبكية التقال. بعدها ب56 سنة، يعنى سنة 1966، ظهرت نسخة جديدة من «قولوا لعين الشمس» بس كلمات مجدى نجيب، وألحان بليغ حمدى، وغنتها شادية، ودى المشهورة دلوقتى، بعد تغيير المطلع: قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن حبيب القلب صابح ماشي الغنوة دى كانت أول أغنية يكتبها مجدى نجيب، أو بالأصح أول أغنية تتلحن وتتذاع له. هو كان كاتب كلام تانى خالص، بس بليغ بعد ما خلص اللحن طلب من نجيب إنه يعيد كتابة الغنوة على اللحن، وفعلا مجدى نجيب عمل كده، بس النتيجة ما عجبتوش، مع إن الغنوة نجحت، ولحد دلوقتى بيعبر عن عدم إعجابه بيها. الغنوة دى كانت من الأغانى اللى بيتريق عليها عبد الحميد كشك، ويعتبرها كفرًا على أساس إنه ازاى الشاعر تيجى له الجرأة يؤمر الشمس ما تحماشى. بعد سنة، زى ما إحنا عارفين، حصلت النكسة، وحصلت أزمة للغنوة، لأن إذاعة إسرائيل أذاعت الغنوة بصوت مطربة إسرائيلية، بعد تغيير الكلمات: قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن الجيش المصرى صابح ماشي فكان ده سبب فى إن المصريين ما يحبوش الغنوة لفترة، قبل ما الحكاية تتنسى. هنا مهم نقول إنه مش صحيح إن «الشعب المصري» هو اللى اخترع تحريف الغنوة، ومش صحيح إنهم كانوا بيقولوا: «أحسن جيش عبد الناصر صابح ماشي». الصياغة دى تكسر الوزن، ودى مش طريقة المصريين، ثم حكاية إذاعة إسرائيل ثابتة. •