لا يمكن للمرء الإفلات من الحماس والبهجة والحنين لآلاف الذكريات السعيدة، حين تصادفه قطعة شوكولاتة الغزالة أو «كورونا» التى توارت عن الأنظار لفترة ثم عادت من جديد. بهجة الحنين إلى زمن جميل دافئ، تذوب فيه ذكريات الطعم الجميل والطفولة السعيدة. كورونا هو أول مصنع شوكولاتة فى مصر، أسسه الخواجة تومى خريستو اليونانى الأصل، ولم يسبق كورونا أية علامات تجارية سوى شيكولاتة رويال، التى كانت اسم مصنع صغير أسسه الخواجة تومى فى الإسماعيلية، قبل أن ينتقل فى ثوب كورونا إلى الإسكندرية عام 1919. أسس الخواجة تومى لعماله ملعب كرة قدم على أرض مجاورة للمصنع، ينظم فيه العمال مباريات يومية، وشاركهم فى هذه المباريات غزالة شاردة، كانت تقيم فى هذه الأرض الفضاء، وفى إحدى المباريات أصابتها كرة سريعة فماتت الغزالة. حزن تومى والعمال، ووضعوا رمز الغزالة على الشوكولاتة تخليدا لها، وسمى المصنع باسمها «كورونا». هذه القصة يسوقها أحمد النادرى مدير التسويق بمصانع كورونا أو شركة الإسكندرية للحلويات والشوكولاتة «الاسم الجديد بعد التأميم»، ورغم مرور ما يقرب من 100عام على المصنع، تغير خلالها الكثير من أحواله، ولم يتغير رمز الغزالة على غلاف كورونا، حتى بعد تأميم المصنع ودمج مصنع نادلر للبونبون معه عام 1963. ولم تتغير الغزالة حتى بعد أن تمت خصخصة المصنع عام 2000 لتشتريه مجموعة سونيد، ومع كل هذه التطورات احتفظت كورونا بنفس الجودة، وفى العام الماضى حققت مبيعاتها أضعاف ما كانت تحققه فى السنوات العشر الأخيرة، بحسب النادرى. يفسر النادرى السر فى استمرار كورونا، فى ارتباطها بطفولة أجيال كاملة تربت عليها، وتمثل لهم جزءاً مهماً من ذكريات طفولتهم وشبابهم، كأنها شريكة ذكريات أجيال عدة. الحنين إلى الماضى يقول النادرى إن كورونا وبيمبو هما المنتجان الأعلى تأثيرا فى نفوس المصريين، ولم تفلح محاولات إنتاج منتجات أخرى شبيهة من مصانع أخرى، مما يدل على أن الأمر يتخطى المنتج الذى تقدمه كورونا، وأن العلاقة بين المستهلك المصرى وكورونا أعمق بكثير. وتصنع عجينة الشوكولاتة كورونا بالأساس من زبدة كاكاو طبيعية 100% وهى أحد أسرار الشركة التى تحفظ النادرى على الكشف عن باقى مكوناتها أو نسب الخلطة التى تستخدمها الشركة فى إنتاج كورونا وروكيت وبيمبو. لكن الاحتفاظ بنفس الطعم كان أحد أسبابه الرئيسية الاحتفاظ بنفس العمال المهرة الذين شاركوا الخواجة خريستو تجربته، لتستمر الشوكولاتة بنفس جودتها فى الستينيات والسبعينيات، حتى بعد زيادة الطلب والحاجة للميكنة. ويقول النادرى إن المرحلة الحالية تشبه كثيرا مرحلة الانفتاح فى بداية الثمانينيات، إذ تشهد كورونا رواجا كبيرا يفوق قدرات كورونا على تغطية الطلب، نتيجة لظروف كثيرة مختلفة أهمها حالة النوستالجيا أو الحنين للماضى، والبحث عن المنتج الوطنى التى يسيطر على كثير من المصريين. ولكن الأمر مختلف، لأن المنافسة هذه المرة مع شركات عالمية صارت تسيطر على جزء كبير فى السوق المحلية، ومع ذلك فإنها لم تستطع تقديم تركيبة بديلة كتلك التى شاركت المصريين ذكرياتهم السعيدة مع كورونا التى صنعت خصيصا لتناسب ذائقة المصريين، بحسب تعبيره. شوكولاتة الصعيد خارج المنافسة وفى حين يؤكد النادرى أن المصريين يستهلكون سنويا ما يعادل 5 مليارات جنيه من الشوكولاتة، بحسب إحدى دراسات سوق التجزئة التى اطلع عليها. يرى بدر ربيع عضو غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، أن السوق المحلية لإنتاج الشوكولاتة يصعب تحديدها بشكل واضح فى المرحلة الحالية، نتيجة تعرض المنتجين المحليين لأزمتين خلال العام الماضى تسببت فى إغلاق عدد من مصانع الشوكولاتة والبعض الآخر تمت تصفيته وخرج من السوق تماما. الأزمتان هما أزمة نقص السكر وارتفاع سعره والدولار، مما رفع التكلفة وتوقف بعض المصانع لوقف استيراد الكاكاو الخام والزبدة، ويقول ربيع إن هذه الأزمات كانت سببا فى خروج محافظات الصعيد من سوق الشوكولاتة المحلية، لأن مصانع بير السلم غزت هذه السوق بقطع شوكولاتة تزيد على 25 جراماً بسعر بين 50 قرشا وجنيه، مقارنة بأن قطع الشوكولاتة من المصانع المحلية تزن بين 10 إلى 15 جراما ويتراوح سعرها بين 2 إلى 3 جنيهات. وتعمل مصانع بير السلم فى الصعيد بشكل موسمى، فى الصيف ينتج الشوكولاتة وفى الشتاء بسكويت ويفر، وفى كل موسم يتم تغيير اسم المنتج والغلاف، فعندما يظهر نوع جديد فى السوق ويحقق رواجا تبدأ هذه المصانع فى تقليد الاسم والغلاف ولكن بأسعار أقل كثيرا. يؤكد ربيع أن مصانع الشوكولاتة الصغيرة تستهلك يوميا حوالى 8 أطنان سكر، والمصانع الكبيرة تستهلك ما بين 25 إلى 30 طنا يوميا، ولكن جودة الشوكولاتة ليست فى السكر أو الزبدة، بل فى الكاكاو، الذى يستورد إما من إسبانيا أو ماليزيا، ويتراوح سعر الطن بين 36 و80 ألف جنيه، حسب الجودة، وعلى أساسه يحدد سعر البيع للمستهلك. •