تقترب من المرآة.. تتحسس جسدها المستدير.. تلقى نظرة فاحصة على كل ما لذ وطاب من ثمار يانعة حباها الله بها.. لتتمتم فى سرها «إيه يا بت الحلاوة ديه.. ده أمه دعياله إللى هيتجوزك». ورغم أنها على مشارف الثلاثين فإن ثقتها بأنوثتها لم تهتز شعرة، فهى تعلم أنها «حلوة قوى» كما يناديها دائما حبيبها.. وربما تصدقه عندما يقول لها إن الله أعطاك من الحسن ما يكفى نساء العالم لتوزعيه كما شئت فاستأثرت ب99% منه لنفسك ومنحت بقية النساء 1% فقط. وهى تدرك جيداً ماذا تمثل له، فقد أحبها قبل أن يراها، طرب قلبه لصوتها قبل أن تسمعه أذنه، عندما التقاها أول مرة كان يود أن يعتصرها بين ذراعيه، لكن بهاء دلالها أخرسه وشل جسده، فلم يستطع أن يرفع عينيه لينظر لها خشية أن تفقده نظرة عينيها نور بصره.. لم يستغرق لقاؤهما الأول دقائق، قبل أن يغادر مسرعاً من هول ما رآه.. فلأول مرة يمنى نفسه أن تكون الفتاة التى تنظره هى نفسها من تحدث إليها هاتفيا.. كان يتمنى أن تتوقف عقارب الساعة ولا تتحرك حتى يرتوى من عينيها.. ألا يكون فى الشارع سواهما.. ألا يحول بينه وبينها أى شىء.. وبعد أن تركها ظل يسأل نفسه: «هل كنت أحلم»؟.. هل كانت تبادلنى الشعور نفسه.. هل يمكن أن نلتقى ثانية.. ليستغرق فى الأحلام وينسى أنه عشق أنثى «شرقية»؟ ولأنها أثنى شرقية، فإنها تتلذذ بنظرات الإعجاب من بقية الرجال وتتمايل طرباً عندما يثنى عليها أحدهم وإن كان حديثه مغلفاً بأنه يحترم عقلها ويعشق قلبها رغم أنها تعلم جيداً أنه ربما يعشق أشياء أخرى بارزة، وهو الأمر الذى كان يضايق حبيبها كثيراً ودوما ما كنت تتشدق بأنهم «كغثاء السيل» لا يسمون ولا يغنون من جوع لأنها تحبه هو وتكتفى به فقط.. وتعشقه لأنه وحده «النظيف» من بين القذارات التى تواجهها فى حياتها. صارحته بأنها تحبه أولاً.. لم تجد غضاضة فى ذلك، فهى ترفض القيود.. كل القيود.. تعشق الحرية الكاملة غير المنقوصة.. يمكنها أن تهب له نفسها وتكتب على ورقة بيضاء «زوجتك نفسى» وهى بكامل قواها العقلية.. طالما أنها أحبت.. ولكن فى المقابل تريده أن يقبلها كما هى «والغاوى ينقط بطاقيته».. فلقد أحبته على ما فيه من علل، وتريده أن يقبلها على ما فيها دون أن يتذمر. ولأن العشق «داء» ظن أنه أحبها - على بعضها- بكل ما فيها - وكان يصبر نفسه بأن عندما يرتمى فى صدرها آخر الليل سينسى كل آلامه وأوجاعه.. وشيئا فشيئا كانت تبتعد عنه، بعد أن ظنت أنها ملكته، وبعد أن كان هاتفه ومحادثاته لا تفارقها.. ابتعد الهاتف.. ولم تجد رسائله رداً. كانت تقتله بكبريائها - بقصد أو بدون- كانت تراهن أنها تمتلك دواءه وتعلم جيداً أنه ضعيف فى مواجهة أنوثتها الطاغية، فالأسد الثائر سيهدأ عندما يستمع لصوتها.. وسيتحول لقط أليف بمجرد أن ترمقه بنظرة حنان ليخر صريعاً بين قدميها. تعلم أنه أحبها.. عشقها.. تدرك أنها ملكت فؤاده.. أنها وحدها من استأثرت بقلبه.. وهى على ثقة أنه يفقد كل أسلحته ويرفع رايته البيضاء حال تلاقى عينيهما.. ولذا قررت الانتقام على طريقتها. ورغم أنه كان يعلم أنه إذا اقترب احترق، لكن فقد السيطرة على مشاعره، وظل يقترب حتى التصق بها، فصارت عينيه اللتين يرى بهما، وقلبه الذى يدق فى صدره، وصار الحلو فقط فى قربها، والدنيا بلا طعم فى غيابها.. وكأنه تحول لمجذوب «ليلى» وصار يتفحص وجوه النساء فى كل شارع عسى أن يراها صدفة ويحرص على المرور ذهابا وإيابا من أمام مقر عملها لعله يروى ظمأه برؤيتها.. أما صوتها فهو الترياق الذى ذبحه.. حتى وصل الأمر لطلبه أن تسجل له دقائق بصوتها وصار يسمعه ليل نهار حتى أدمنه.. وبات لا يستطيع أن يبدأ يومه أو ينهيه بدونه.. قبل أن ينشر قبلاته على الهاتف الذى زادت قيمته فجأة لمجرد أنه يحتوى على تسجيلات لصوتها العذب. لكن المسافات تباعدت والمكالمات شحت.. فكان يتصل بها كثيراً وترد قليلاً.. وإذا ردت لا تكمل أكثر من دقائق معدودة وإن أكملت تتحجج بأن هناك من يناديها.. لتذهب بلا عودة وربما تعود بعد يوم أو اثنين ودوماً ما تردد حجتها «معلش أنا ذاكرتى زى السمك». رسائله لها تراها ولا تعبث بها لتقتله شوقاً.. وعندما يسألها فالرد جاهز: «أنا مش مركزة خالص».. وأنا ما أقصدش أزعلك خالص لأنى «بحبك».. والحقيقة أنها لا تعرف سوى نفسها.. ولا تحب سوى نفسها.. ودوما ما تريد أن تصبح الأفضل، فطموحها بلا حدود.. فهى لا تحلم بأن تكون مذيعة فحسب وإنما «أوبرا وينفرى العرب».. وفى مقابل ذلك يمكنها التنازل عن أى شىء، فهى ومن بعدها الطوفان.