قررت تعطيل «أمومتها» لتحافظ على «أنثوتها» ولو كانت تستطيع استئجار رحم لفعلت حتى لا ترهق نفسها فى حمل وولادة، وبمجرد أن وضعت الطفل ونالت لقب «الأم» قررت التنازل عن واجباتها تجاه طفلها. ولم يعد صراخه يحرك ساكناً داخلها، لأن هناك من تهرول له، إنها الخادمة التى تكفيها واجبات الأمومة، وتقدم لطفلها حضناً وحناناً كاذباً مقابل الأموال التى تحصل عليها. وشيئا فشيئا يتعلق الطفل أكثر ب«الخادمة» وينسى أمه، ربما يعرفها شكلاً لكنه لم يرتح أبدا على صدرها ذات مرة، فاهتماماتها ومظهرها أهم بكثير من حاجة طفلها لها. وتؤكد الدراسات النفسية أن الطفل يولد صافى الذهن، من ناحية المخزون اللغوي، ويخزن كل ما يسمعه ويحفظه، كما أن هذه المرحلة، تسبق الاكتساب الشخصي، فيتعلم الطفل خلالها من الأشخاص القريبين مثل جدته، أو أمه أو «الخادمة» ولأن عملية التحدث تأتى بالتدريج، ولا يستطيع الطفل إصدار الأصوات، قبل سماعها، فهو يسمعها من الخادمة، فتدخل ذهنه، ويختزلها ويقوم باسترجاعها بعد ذلك. وكلما ارتفع مستوى الأسرة المادي، كانت الخادمة من ثوابت الوجاهة الاجتماعية، وفيما يبدو أن بعض الأسر، تناست أن الخادمة يقتصر دورها على تنظيف أروقة المنزل والتعامل مع الأواني، ولكن انشغال الأم جعلها تتكئ على الخادمة فى تربية أطفالها تلاعبهم، تضاحكهم وتبكيهم وتبدل ملابسهم، ترى احتياجاتهم ترافقهم حتى تصبح الخادمة هى بطلة حياتهم فى كل كبيرة وصغيرة حتى اللحظات الحلوة أصبحت أحلى معها، فهى لا تقول «لا» ولا تعترض على فعل خطأ، وبعدها تفاجأ الأم بسلوك شاذ أو ألفاظ غير مناسبة لمستواها الاجتماعى الذى رسمته وعملت على بنائه. وتؤكد الدراسات أن الأسر توفر العاملات للعمل فى المنازل، ثم يحملونهن الكثير من المهام التى يجب ألا تفرض عليهن أصلاً، وأبرز سلبيات هذه الظاهرة تساهل بعض الأهالى فى الاعتماد على العاملة المنزلية فى رعاية الأطفال وتربيتهم وتدبير شئونهم وقت انشغال الأبوين، أو فى أوقات غيابهما عن المنزل، كما أن وجود الخادمة يؤثر سلباً على النمو اللغوى للطفل حيث يكتسب منها مفردات لغوية ركيكة غير متماسكة. وأثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال يعانون من عيوب فى النطق فى ظل وجود الخادمة فى المنزل «كالثأثأة»، أو «الفأفأة»، أو «التهتهة»، وأن 14% من الأطفال الذين أجريت عليهم الدراسة يميلون للانطواء والعزلة، و20% منهم لديهم ميول عدوانية و10% يعانون من الكسل والخمول. وتزداد مشكلة تعلق الطفل بالمربية التى تتولى أموره عندما يتعلق بها من سن 3-4 سنوات ويكبر ويزداد تعلقه بها، وتشير الدراسات إلى أن التأثيرات السلبية للخادمات على نفسية الطفل من الناحية الأخلاقية والدينية بحيث يتسبب وجود الخادمات لفترات طويلة بالبيت فى اختلال القيم الدينية لدى الأطفال، نتيجة لاختلاف ديانة وأخلاقيات أغلب الخادمات العاملات بالبيوت عن ديانة ومعتقدات الأطفال، إلى جانب التأثير اللغوى الذى يكتسبه الأطفال من مصطلحات ومفاهيم لغوية غير مرغوب فيها نتيجة لكثرة جلوسهم مع الخادمات، وفى كثير من الأحيان تكون هذه المصطلحات غير أخلاقية. وتشدد الدراسات على التأثير السلوكى لاختلاط الأطفال بالخادمات، فهى تسهم فى إكساب الأطفال أنماطاً سلوكية غير مرغوب فيها نتيجة لاختلاف بيئة الخادمة عن بيئة الطفل، قد يكون من غير المسموح أن يعرفها الأطفال فى هذه السن المبكرة، ولكن يتعلم الطفل مثل هذه السلوكيات عن طريق احتكاكه بالخادمة. ويلفت خبراء التربية إلى أن الطفل فى مراحل عمره المبكرة كالتربة الخصبة القابلة لتلقى أى نوع من أنماط السلوك والتعلم واكتساب الثقافة وأساليب التربية بحسب الدراسات، ولذلك يجب أن تتشكل لديه هذه المكتسبات وينشأ عليها من والديه وليس من العاملة المنزلية، أو من مصادر أمينة يقوم عليها أشخاص مؤهلون للعمل فى هذا المجال وهى المربية وليست الخادمة ويجب أن يكون وجود العاملة فى نطاق الخدمة فقط، وبعيداً عن العناية بالأطفال، وأن غالبية الجرائم التى تحدث من الخادمة، ويكون ضحيتها الطفل فهى بسبب انشغال الوالدين واتكالهما على شخص غير مؤهل لتحمل المسئولية، حتى إن بعض الخادمات يلجأن إلى ضرب الأطفال، أو تخديرهم بأدوية منومة للتخلص منهم فى عدم وجود الأم. ويشدد الخبراء على ضرورة اهتمام الآباء والأمهات بتوفير جو من الحب والرعاية والحنان والشفقة والعطف للأطفال، وتعويض الأطفال عن الفترات التى يتغيبون فيها عن المنزل، إضافة إلى حرصهم على الاحتفاظ بأدوارهم داخل الأسرة فيما يتعلق بتربية وتنشئة الأطفال وعدم التخلى عنهم، وتجنب التهاون فى العبارات التى قد تتحدث بها الخادمات أمام الأطفال، ووضع ضوابط لعملها من حيث مظهرها وأسلوب حديثها وطريقة تعاملها مع الطفل. وعلى الأم متابعة دور الخادمة فى تربية الطفل والطريقة التى تتعامل بها مع الأطفال لتتمكن من الاطمئنان عليهم خلال فترات الغياب خارج المنزل. ويؤكد علماء الاجتماع أن وجود خادمة لغتها مختلفة عن لغة الأم يؤثر على إدراك الطفل منذ النشأة وتغيير اللغة يشمل اللغة واللكنة التى نشأت عليها الخادمة، الأمر الذى يؤثر فى نشأة الطفل وهويته التى تتأثر بالخادمة وليس بالأب والأم وحدهما. وتشير الدكتورة زينب حسن، أستاذ أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس، إلى ضرورة مراعاة النشأة اللغوية والثقافية للطفل حتى عمر 12 سنة، لافتة إلى أنه يجب أن يراعى الوالدان عدم اختلاط الطفل بثقافات غير مرغوب فيها حتى هذه السن، فالحفاظ على هوية الطفل يشبه حالات الإدمان الذى ينتج عن الإهمال وعدم متابعة الطفل من قبل والديه وشعور الطفل بوجود أمه يمنحه الشعور بالأمان، فينتج عن ذلك شخص مسئول وقوي، بينما يسبب غياب مصدر الأمان للطفل الانحلال واللامبالاة. وقالت «حسن» إن وجود الأب والأم هو الأهم من وجودهما بدون تأثير، وحتى الجد والجدة وليست الخادمة فقط لا يمكنهما القيام بدور الأب والأم فى الحزم والحسم والحب فهما المرجع للطفل بصورة أساسية. ويؤكد بعض الدراسات النفسية والاجتماعية، أن وجود الخادمة بالبيت يشكل عبئاً نفسياً على الأطفال، حيث يتعرض الطفل لمشكلات نفسية نتيجة غياب والديه عنه وعن متطلباته واحتياجاته، إلى جانب شعور الطفل فى كثير من الأحيان بعدم الاطمئنان والشعور بالذنب، فهو يجلس كثيراً وحده مع الخادمة، وقد تترسب لديه أشياء بالعقل الباطن ويحتفظ بها ولا يخبر والديه عنها، مما يترتب عليه احتمالية تعرض الطفل لانحرافات سلوكية فى المستقبل فى حالة تراكم الإحباطات والمواقف المؤلمة مع الخادمات، كما أنه قد يتعرض الطفل لإيذاء بدنى نتيجة لضرب الخادمة له عند رفض الانصياع لأوامرها.•