«كل سنة وأنتى طيبة يا ماما» لأول مرة ولا أتلقى عليها ردا، فلن تزين خدى قبلاتك أبداً، و لن يُدفئ جسدى حضنك المحب، لكن على كل حال «كل عام وأنتِ أجمل أم». يالقسوة الحياة يا أمى، مطلوب منى أن أكتب بعض الكلمات عنك فى عيدك، وما عدت أنتِ أنتِ، وما عاد عيدك عيدا.. فقد مات منى المعنى يوم أن رحلتِ، ذبل إحساسى بشكل كلى، كسا الشحوب قلبى، أما وجهى فقد انطفأ بريقه وأصبح كئيباً اكليالى الخريف الرمادية.. أتذكرين يا أمى توبيخك لى عندما كان يظهر حزنى على وجهى، كنت تجبريننى على الابتسام حتى لا تسكن التجاعيد بشرتى فى سن صغيرة، أما الآن فحتى إن تجعمت تجاعيد كل البشر على وجهى منذ بداية الخلق حتى صعود روحكِ لخالقها، لن تعبر مطلقاً عن جَمّ حزنى المكتوم بقلبى، لكن لا تقلقى يا أمى فبعض من مساحيق الخداع التجميلى تضفى لون الحياة الوهمية على وجهى، فيرى الناس وجهى حيا، نضرا وفى الحقيقة هو كره الحياة فور أن رحلت عنها. أين أنتِ يا أمى؟! سؤال عبثى يدور حوله عقلى كل ليلة، عقلى هذا يا أمى الذى شكلته أناملك برقة شديدة قد أصابه السُكر والهذيان من صدمة رحيلك، عقلى هذا يا أمى الذى كنتِ تمتدحينه وتتباهين به، تاه عنى الآن و تشتت. يالجمال قلبك يا أمى، أتذكرين يا أمى؟ اعذرونى.. فأنا أتحدث لها دوماً كأنهاِ أمامى.. أستحضر روحك كأنها لم تغب عنى، أحكى وأضحك وأبكى كما كنت أفعل، أهرب من العالم كى أبقى وحدى وأختلى بنفسى وبكِ يا أمى أتخيلكِ وأنت تضحكين معى، تواسيننى، تقفين إلى جوارى، توبخيننى وتنصحيننى.. هل أصابنى الجنون يا أمى؟ لا يهم.. فجنونى فى عشقكِ هو منتهى العقل والاتزان. أتذكرين يا أمى عندما كنت أفتعل الخصام حتى تواسينى، كنتِ تدلليننى يا أمى وقلبك ينفطر قلقاً عليّ. أتذكرين يا أمى عندما كنت أبكى همومى وحدى، كنتِ تضميننى إلى صدرك وتقولين «طول مانا جنبك مافيش حاجة تستاهل الحزن».. الآن فقط يا أمى شعرت بهذا المعنى وأصبح الحزن صديقى المقرب، لا يفارقنى ولا أفارقه. أعلم أنكِ تكرهين اللون الأسود، كنتِ تمنعيننى أن أرتديه مطلقاً بل تخشين عليّ منه كأن به مساً شيطانياً ملعوناً يهدم النفس ويصيبها بالهم.. سامحينى يا أمى ما عدت أرتدى سواه وما عدت أرى غيره، فقد أصبح صديقى كالحزن، يفهمنى وأرتاح إليه.. أشعر أن بينى وبين قتامته شيئا مشتركاً، فلونه الحالك يذكرنى بالمشهد الأخير بيننا.. عذراً ما أقصد الاعتراض على القدر، لكن قلبى يعتصر. لأول مرة يا أمى لن يكون بمقدوركِ أن تفتتى همى، لأغفو على وسادتى وأنا مطمئنة هادئة البال. أين أنتِ يا أمى؟ أشتاق إليكِ بحرقة وألم. أين انتِ يا أمى؟ تركتنى يا صديقتى وحيدة، أبكى حالى لحالى. أين أنتِ يا أمى؟ كنتِ أمانى وبعدك يسكن الخوف كل ذرة بجسدى. عشت معكِ معنى الحب الحقيقى النقى، وكانت آخر أيام بيننا هى آخر أيام يعرف فيها قلبى معنى الحب.•