قبل أن تقرأ: صديقنا وزميلنا الكاتب الصحفى والروائى والباحث الثقافى والإعلامى منير مطاوع يعيش فى بريطانيا منذ هاجر سنة 1980ويواصل الكتابة فى «صباح الخير» وله أعمال مشهورة مثل الحديث الطويل الذى أجراه خلال خمس سنوات مع السندريللا سعاد حسنى، وباب «3 حكايات من لندن» الذى واصل كتابته لسنوات، وتحرياته فى واقعة مصرع الأميرة ديانا، ودراسته عن «أحلام نجيب محفوظ».. وهو يزورنا مرة كل سنة فى موسم معرض الكتاب، الذى يعايشه منذ دورته الأولى. وفى زيارته هذه السنة وفى جلسة معه جمعت بعض أعضاء أسرة «صباح الخير».. وضمن موضوعات مختلفة، ورد ذكر «B.B.C» ومظاهر تخليها عن سياسة الحياد والنزاهة التى كانت قد اشتهرت بها..وسألناه عما يعرف، فكشف لنا أننا كنا مخدوعين فى فكرتنا عن أكبر وأشهر هيئة إذاعة وتليفزيون فى العالم، وقال إن السمعة التى اشتهرت بها لها أسبابها، لكن هناك الكثير الذى يجب أن يقال، ف«B.B.C» فى أزمة. فاقترحنا عليه أن يكتب سلسلة مقالات تلقى الضوء على كل هذا.. خاصة أن ماتقدمه المحطة البريطانية الشهيرة عن مصر بعد الثورة المصرية الثانية 30 يونيو يأتى على النقيض من موقفها خلال الثورة الأولى 25 يناير.. وهاهو يكتب، وكنا قد بدأنا نشعر أنه نسى.. أو انشغل فى كتابة رواية جديدة..
صباح الخير
هل هناك من لايعرف «B.B.C»؟ - السؤال فرض نفسه عليّ وأنا أكتب عن هيئة الإذاعة البريطانية «B.B.C» أشهر وأكبر وأعرق مؤسسة إعلامية على مستوى العالم تصل حاليا إلى 308 ملايين شخص حول العالم، وأضيف: وأكثرها الآن اضطرابا واهتزازا.. حتى لم يعد غريبا أن نقرأ ونسمع من خبراء بريطانيين وعاملين فى الهيئة ما معناه أن: «B.B.C» على كف عفريت! إنها مؤسسة عريقة وشهيرة ورائدة فى الإعلام العالمى، لكنها فى أزمة! هذا ليس كلامى، إنه ما يتفق عليه معظم المعلقين والمتابعين لأحوال هيئة الإذاعة البريطانية «B.B.C» من داخلها ومن خارجها، هذه الأيام، ومنذ فترة ليست قصيرة تمتد لأكثر من سنتين. وقد انعكست هذه الأزمة على مصداقية برامجها العربية على التليفزيون والإذاعة والإنترنت وبدا واضحا أنها تخلت عن دقتها وقواعدها الصارمة فيما يتعلق بالحيادية والموضوعية والتوازن والنزاهة وبعد أن ضرب بها المثل فى تغطية وقائع ثورة الشعب المصرى الباهرة فى 25 يناير، وجدناها تقوم بدور تحريفى وتخريفى ومتعصب ومتحزب لصالح «الإخوان المسلمين» وضد ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، فماذا جرى ليقلب دور «B.B.C العربية» المحترم إلى عمل مثيرللشكوك وهادم للمصداقية؟! المشكلة معقدة وتتداخل فيها عدة عناصر ليس أولها الضائقة المالية التى تعيشها ولا إصرار حكومة حزب المحافظين الحالية على فرض نفوذها على الهيئة ككل (مع أنها هيئة مستقلة عن الحكومة تماما) وعلى الخدمة العربية على وجه الخصوص. وماترتب على ذلك من نزاعات بين الأطراف المعنية ورحيل عدد كبير من قيادات وكوادر «B.B.C» العربية احتجاجا على انهيار القيم المهنية والموضوعية وأيضا انهيار الميزانية ومانتج عنه بالضرورة من ضعف إمكانيات إنجاز المهمة الإعلامية بالكفاءة المعتادة.. وطبعا ضعف الأجور الذى ينتج عنه بالضرورة توظيف عناصر محدودة الكفاءة. • مناورات حكومة المحافظين المشكلة تتعلق بهيئة الإذاعة البريطانية ككل، وليس الشبكة العربية «B.B.C - عربى» وحدها، حيث تدور هذه الأيام ومنذ فترة ليست قصيرة مناورات تقوم بها الحكومة البريطانية تهدف إلى جعل «B.B.C» ترضخ لسياساتها وتتخلى عن استقلالها، وهو علامتها المميزة التى اشتهرت بها فى الداخل والخارج. ومن أشكال هذه الضغوط التى لن يحدّثك عنها القائمون على القسم العربى الآن.. فرض أهداف حكومة المحافظين على خطط عمل وسياسة تحرير برامج وأخبار «B.B.C» العربية ومنها سياسة غريبة تتعامل بها هذه الحكومة مع مصر، فهى تتبع سياسة مزدوجة «بوجهين» كما هو حال السياسة البريطانية منذ عقود، تعامل مصر الدولة بما يوحى بالاعتراف بأن ماحدث فى 3 يوليو 2014 هو أن القوات المسلحة تجاوبت مع إرادة الشعب فى التخلص من نظام «الإخوان المسلمين» ووراء هذا الموقف أسباب منها السير خلف أمريكا، وإرضاء السعودية والإمارات اللتين اعتبرتا «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، حتى لاتخسر مصالحها الاقتصادية عندهم، إنه طمع حكومة المحافظين البريطانية التى تعيش فترة تعثر بالإضافة إلى هدف اقتصادى ملحوظ، فى الفوز بأكبر نصيب من فرص الاستثمار فى مصر.. والوجه الآخر هو الموقف السرى هو التعاون، والتعامل، والاعتراف، وتيسير عمل، النظام الدولى للإخوان المسلمين. والسياسة ذات الوجهين أو النفاق السياسى، ليست مهارة جديدة على بريطانيا.. بل يمكن القول إنها تاريخيا من ابتدع هذا النهج. • بريطانيا.. حاضنة وراعية معروف أن بريطانيا هى صانعة وحاضنة وراعية حركة «الإخوان المسلمين» منذ ميلادها على أيدى المندوب السامى البريطانى فى مصر فى زمن الاحتلال عام 1928، وهذه ليست تخمينات فهناك كتب لمحللين سياسيين بريطانيين وخبراء فى العمل السرى البريطانى ترصد هذا الأمر وتعرف أنه من بين أهم عناصر استراتيجية بريطانيا منذ زمن الاستعمار والإمبراطورية حتى الآن.. سياسة «فرق تسد» والكيل بمكيالين والنفاق لتحقيق المصالح على حساب المبادئ وحقوق الشعوب.. ولاننسى أن بريطانيا التى تعتبر أعرق دولة ديموقراطية فى العالم الحديث كانت تغزو العالم وتستولى على خيرات بلاد عريقة كمصر والصين والهند وغيرها، بقرارات من البرلمان الذى هو رمز الديمقراطية.. فأى ديمقراطية هذه التى تقبل باستعمار واستغلال ثروات الشعوب؟! • الإخوان الإنجليز! نعرف أن «الإخوان» عملوا فى خدمة الإنجليز. وأنهم عندما انكشفت مؤامراتهم على مصر وثورة يوليو يسرت لهم بريطانيا الإقامة والرعاية بكل أشكالها لدى حكام السعودية فى ذلك الوقت، وعندما اكتشف السعوديون بعد وقت طويل خيانة الإخوان لهم، منذ عدة سنوات، وطردوهم، فتحت لهم لندن أبوابها وأحضانها، ومازالوا ينعمون فيها بالأمان والرعاية، ومعروف أن العاصمة البريطانية لندن هى مقر قيادة التنظيم الدولى للإخوان وحتى عندما حاولت الحكومة الحالية الإيحاء بقبولها لثورة 30 يونيو إذعانا للخط الأمريكى والدولى ومحاولة للفوز ببعض فرص الاستثمار التى تتيحها مصر الآن، خاصة أن بريطانيا تواجه أزمة اقتصادية فرضت عليها إجراءات تقشف شديدة وصلت إلى «B.B.C» العربية حيث قررت الحكومة التخلى عن تمويل الإذاعات الموجهة من ميزانية وزارة الخارجية وفى مقدمتها «B.B.C» العربية، وتحميل ميزانية الهيئة الأم مئات الملايين التى تنفق على هذه الإذاعات والتليفزيونات سنويا. ويجب ألا ننسى أن الحكومة عندما كان يرأسها ديفيد كاميرون وقعت فى مأزق فيما يتعلق بالموقف من نظام مصر الذى قضى على «الإخوان المسلمين» استجابة لإرادة شعبية عارمة، فقد أعلنت عن ترحيبها به لكنها واستمرارا لنهج النفاق السياسى وسياسة الوجهين ونتيجة لضغوط دولية وعربية فقد أعلنت منذ فترة عن تشكيل لجنة «مستقلة» للتحقيق فى علاقة إخوان لندن وهم قيادات التنظيم الدولى للجماعة بالنشاطات الإرهابية. وواضح أن تشكيل هذه اللجنة التى مضى وقت طويل على عملها دون أن تظهر له نتيجة معلنة ومحددة، جاء للإيحاء بأن بريطانيا جادة فى الأمر.. والحقيقة عكس ذلك تماما، فقد مضى وقت طويل دون أن تعلن هذه اللجنة أى شىء، فهل أعلنت نتائج تحرياتها وقدمتها للحكومة، لكن الحكومة أخفتها؟.. أم أن تشكيل اللجنة كان لمجرد الإيحاء لمصر والإمارات والسعودية أن بريطانيا بريئة من تهمة احتضان قيادة التنظيم الدولى التى تصدر لها من وقت لآخر تصريحات تتعلق بالوضع السياسى والأمنى فى مصر، مع أن هذه القيادة نفسها أعلنت من قبل أنه لادخل لها ولاتدخل فى الشأن السياسى فى مصر أو غيرها، ولاعلاقة لها بالعمليات الإرهابية فى سيناء وفى الداخل.. ومن وقت لآخر تقدم شبكة بى بى سى العربية (إذاعة وتليفزيون وأونلاين) لقاءات مع عناصر إخوانية مقيمة فى العاصمة البريطانية لندن أو فى تركيا، تتحدث وتعلق على الأحداث فى مصر، فى الوقت الذى لا تسمح فيه لشخصيات من خارج «الإخوان المسلمين» أو من ممثلى الحكومة المصرية بالمشاركة والتعليق وتوضيح الحقائق بدلا من الأكاذيب التى تروجها.. بينما ترفع شعار المصداقية والدقة والنزاهة. • أوضاع الشبكة مرتبكة ولأن أوضاع الشبكة العربية كانت مرتبكة خلال الفترة الماضية وظل منصب رئيس الشبكة «B.B.C» العربية» شاغرا بعد ترقية الرئيس السابق وتعيينه رئيسا لكل الخدمات الموجهة إلى العالم بمختلف اللغات، فلم يتيسر استطلاع أى مسئول، لكن بعدأن تم مؤخرا اختيار رئيس جديد للشبكة فسيكون عليه أن يجيب على اسئلة يبحث لها عن إجابات كل من يتابع «B.B.C» العربية. ونرجو أن يحدث ذلك فى أقرب فرصة.. وفى الحلقة القادمة نتناول تاريخ «هنا لندن» والأهداف الحقيقية لها.. ولماذا ظلت تابعة للحكومة على عكس الحال مع هيئة الإذاعة البريطانية ومحطاتها العديدة التى نشأت ومازالت مستقلة إلى أن يتم حسم أمرها خلال الشهور القليلة المقبلة.. حيث سيجرى وضع ميثاق جديد لها وستخوض صراعا مريرا مع سلطة حكومة المحافظين الراغبة فى السيطرة عليها.. أما الآن فالقول بأن «B.B.C» على كف عفريت، هو الوصف المختصر لحال أكبر وأعرق مؤسسة إعلامية فى العالم.•